مصر في قلب كل عربي لأنها قلب العرب. وأكدت الوقائع التاريخية والمواقع الجغرافية هذه الحقيقة. وذلك يفسر حالة القلق والاضطراب التي تعيشها شعوب المنطقة كلها بسبب التطورات الحالية التي تعيشها مصر.. ويدخل في هذا السياق التحذيرات التي أطلقها الأمير خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودي بشأن مخاطر العجز المائي الذي يهدد مصر. وهجومه الشديد علي أثيوبيا خلال انعقاد مجلس المياه العربي بالقاهرة الأسبوع الماضي. واتهامها بأنها تسبب في الإضرار العمدي بحقوق مصر في مياه النيل وتعبث بالمقدرات المائية لمصر والسودان بسبب قيامها بإنشاء سد النهضة. هذا التحذير ينبغي أن يكون محل اهتمام من جانب القيادة المصرية لأنه يصدر من قائد عسكري سعودي عربي مخضرم يتمتع برؤية استراتيجية مدركة للمخاطر المحدقة بالأمن القومي العربي.. وكشف الأمير خالد مشكوراً أبعاد التدخلات الإسرائيلية في الكيد لنا قائلاً: "قامة سد النهضة الأثيوبي علي بعد 12كم من الحدود السوادنية يعد كيداً سياسياً أكثر منه مكسباً اقتصادياً ويشكِّل تهديداً للأمن الوطني المصري والمائي السوداني وهناك أصابع تعبث بالمقدرات المائية للسودان ومصر وهي مغروزة في عقل أثيوبيا وجسدها ولا تترك فرصة للإضرار بالعرب إلا وانتهزتها. إن إقامة السد تؤدي إلي نقل المخزون المائي من أمام بحيرة ناصر إلي الهضبة الأثيوبية وهو ما يعني التحكم الأثيوبي الكامل في كل قطرة ماء فضلاً عن حدوث خلل بيئي يسبب في تحريك النشاط الزلزالي في المنطقة نتيجة الوزن الهائل للمياه المثقلة بالطمي المحتجز أمام السد والتي يقدرها الخبراء بأكثر من 63 مليار طن. سلمت أيها الأمير فقد وضعت النقاط علي الحروف. ورؤيتك هذه تعد بمثابة صفعة لكل المراوغين الذين رددوا مزاعم بعدم وجود مخاطر لهذا السد. وللأسف كان من بينهم خبراء ومسئولين مصريين حاولوا تبرير عجزهم عن مواجهة العبث الإسرائيلي في دول منابع النيل بإخفا الحقائق عن الشعب.. واختتم الأمير السعودي بتنبيهنا بأن المعلومات مفزعة ومن الضروري ألا نهوِّن من خطرها في الوقت الحالي وتداعياتها في المستقبل.. ولإيضاح المزيد من الخطر نذكِّر المسئولين والغيورين من المصريين بإعلان أثيوبيا سنة 1956. أثناء العدوان الثلاثي علي مصر بأنها تحتفظ بحقها في استعمال الموارد المائية لنهر النيل لمصلحة شعبها. وكان هذا التصريح بمثابة تهديد للمصالح الجوهرية لمصر باعتبار أن هضبة الحبشة هي المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل حيث إنها تسهم بحوالي 85% منها. ونذكِّرهم أيضاً بأن أثيوبيا كانت من أشد الدول اعتراضاً علي المشروع إذ تقدمت بمذكرات احتجاج عامي 56 و1957 للحكومة المصرية بأن لها حقوقاً مكتسبة في مياه السد العالي.. وفي عام 1979 وبعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل أعلن الرئيس السادات أن الماء هو السبب الوحيد الذي يمكن أن يدفع مصر للحرب مرة أخري! وكان تهديده موجهاً بصفة خاصة وأساسية للحكم العسكري الأثيوبي الذي تمادي في انتقاد الخطط المصرية بمد مياه النيل إلي سيناء بدعوي أن مصر تسيء استخدام حصتها من المياه بتحويل جزء منها إلي سيناء.وخطر حروب المياه حذر منها أيضاً الدكتور محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه بتأكيده أمام الاجتماع أن "زمن المياه السهلة قد انتهي" ويتضح ذلك في ضوء الاحصائيات التي تشير إلي أن متوسط نصيب المواطن العربي من المياه تناقص بشكل ضخم إلي 500 متر مكعب في السنة ويصل في بعض الدول العربية 150 متراً مكعباً من المياه لكافة الاستخدامات بعد أن كان 3300 متر عام .1960 السعي المبكر لتدارك أزمة المياه مصرياً وعربياً أصبح ضرورة ملحة قبل أن نضطر لنزف قطرة دم مقابل الحصول علي قطرة ماء!