في سالف العصر والأوان.. صممت بعض القوي السياسية ومنها التيار الإسلامي علي تعديل قانون الانتخابات لحصد المزيد من المقاعد في حصة كل من الأحزاب والمستقلين.. وبعد شهور تحققت تحذيرات الناصحين وتم حل مجلس الشعب وخسرت مصر والنواب مئات الملايين التي أنفقت في الانتخابات. وبدأت أسوأ مرحلة بعد الثورة غابت فيها سلطة التشريع وصدر خلالها الإعلان الدستوري الذي فتح الباب لكل ما نعيشه اليوم من شرور! وفي2010 .. كان الحزب الوطني والمايسترو أحمد عز يفخران بما حصل عليه من أغلبية ساحقة والتي كانت المسمار الأخير في نعش المخلوع وعصابته والذي لم يتعلم بعض الدروس حين رد علي المعارضة العنيفة لنظامه: "خليهم يتسلوا"! وللأسف.. تأبي الذاكرة السياسية الضعيفة جدًا علي تذكر مثل هذه المواقف لأخذ العبرة عملا بالحديث الشريف "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين" بما ينذرنا بأن يعيد التاريخ الأسود نفسه ولكن ربما بنتائج أكثر خطورة علي حاضر مصر ومستقبلها. كما حدث من حالة العناد والتصميم علي إصدار الدستور بأي ثمن رغم الاعتراض علي تشكيل الجمعية التأسيسية وغياب التوافق علي كثير من مواده. والإسراع بالدعوة إلي الاستفتاء في نفس ليلة تسلم نسخة من الدستور.. صمم د. محمد مرسي علي الدعوة لانتخابات مجلس النواب بنفس السيناريو دون أن يقرأ مستشاروه قانون الانتخابات المعدل ويتأكدوا من تنفيذ كل ما طلبته المحكمة الدستورية من تعديلات أو حتي الاستماع إلي آراء القوي السياسية وفقهاء الدستور المحايدين! والنتيجة.. اننا أمام كارثة عودة سيناريو عدم الدستورية وحل مجلس النواب. إذا أجريت الانتخابات بالفعل.. وذلك بعد أن رفض مجلس الشوري تنفيذ توصية "الدستورية" بمنع من لم يؤد الخدمة العسكرية لأسباب أمنية من الترشح. وأيضًا بسبب إعادة تقسيم الدوائر بطريقة قد تفتح الباب للطعن علي القانون مستقبلا. وبجانب مأساة استمرار غياب سلطة التشريع الحقيقية المحتملة . لتبقي في يد "الشوري" بهذا المستوي من الأداء والذي يشارك فيه من اخترع مبدأ مذهلا في الفقه التشريعي وهو "استفت قلبك"!!.. بجانب ذلك فإن السؤال الأهم: كيف تجري انتخابات والبلد مهدد بحالة عصيان مدني عامة. ومع تجاهل كل ما طالبت به المعارضة لضمان حد أدني من التوافق الوطني ونزاهة الانتخابات وبدء حوار حقيقي بين كل الفرقاء؟! أيضًا.. إذا قررت أغلب الأحزاب مقاطعة الانتخابات.. هل يغير الرئيس موقفه أم يتذكر ما حدث في الماضي القريب والذي نتمني ألا يتكرر بعد ما عانته مصر والمصريون من ضربات في المرحلة الانتقالية؟ والمهم كذلك.. هل تملك الحكومة الضعيفة والتي يرفض رئيسها أن يخدم بلاده بالاستقالة وقبلها مؤسسة الرئاسة. سيناريو ما يمكن أن تكون عليه مصر في 2 يوليو القادم مع نفاد الاحتياطي النقدي والاستمرار المتوقع في الغليان الشعبي والانهيار الاقتصادي والأمني؟! وبالتالي.. هل كان من الأجدي وطنيا وحتي "براجماتيا" أن يسعي الرئيس وجماعته قبل الدعوة للانتخابات إلي مد أيديهم لقوي المعارضة علي الأقل لكشف من الأكثر عنادا ويسعي لإسقاط النظام وليس إصلاحه. وأن ينفذوا بعض مطالبهم. وأن ينزعوا من قانون الانتخابات أي فتيل يمكن أن ينسف مجلس النواب القادم؟ وأيضًا أن يغيروا من طريقة "هو .. كده" وفرض الأمر الواقع ومن لا يعجبه فأمامه البحر والنهر كما يحدث مثلاً الآن من غياب الحوار مع أهل بورسعيد رغم كل الخسائر والخطر حول قناة السويس. والمآسي الاقتصادية التي تسرع بوتيرة الإفلاس وتجعل من قرض الصندوق حلمًا بعيد المنال خاصة أن من بين شروطه. وشروط عودة الاستثمارات. هو التوافق الوطني وعودة الأمن والناس إلي أعمالهم. للأسف.. كنت أنتظر حوار الرئيس الأخير لأشعر ببعض التفاؤل النادر جدًا هذه الأيام.. ولكن بعد كل هذه "اللاءات" علي مطالب المعارضة والدعوة المتأخرة للحوار بعد اتحاذ قرار الدعوة للانتخابات وليس قبله. تبخر أي تفاؤل.. ولكن مازلت أتشبث بالأمل في أن يغير الرئيس من موقفه ويقدم ما يؤكد إيمانه بأن إنقاذ مصر وبناءها يحتاج إلي كل الشركاء. وحتي لا يكون البرلمان القادم بنواب الإسلاميين وحدهم بلا معارضة. أضحوكة العالم ومسخرة الديمقراطية!