أجمع الفقهاء علي استحباب الاستغفار والدعاء للميت قبل الانصراف من تشييعه استدلالاً بما رواه أبوداوود والحاكم وصححه عن عثمان بن عفان. قال: كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" ففي هذا الحديث دلالة علي انتفاع الميت باستغفار الحي له. وعليه ورد قوله تعالي: "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان" "الحشر: 10". ولا يوجد تقدير محدد لمدة الدعاء للميت عند القبر فيرجع في ذلك إلي ما يتعارف الناس عليه وخير الأمور أوسطها وقد نص الإمام الشافعي في كتابه الأم علي أنه يستحب لكل المشيعين أن يمكثوا علي القبر بعد الدفن ساعة يدعون فيها للميت. ويستغفرون الله له قال: وقد بلغني عن بعض من مضي أنه أمر أن يقعد عند قبره إذا دفن بقدر ما تنحر جزور. قال الشافعي: هذا أحسن ولم أر الناس يصعنونه. ولا توجد صيغة معينة للدعاء للميت. وإنما الوارد هو الأمر بالإخلاص في الدعاء عند الصلاة. وذلك فيما أخرجه ابن حبان وابن ماجة عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إذا صليتم علي الجنازة فأخلصوا لها الدعاء" وقد كان الإمام علي يقول بعدما يفرغ من دفن الميت: اللهم إن هذا عبدك نزل بك وأنت خير منزول به. فأغفر له ووسع في مدخله. وهل يكون الدعاء للميت عند قبره سراً أم جهراً؟ لم يرد في ذلك أمر ولا نهي. فيكون الحكم علي السعة. لا بأس أن يكون الدعاء للميت عند قبره سراً. ولا حرج أن يكون علناً لعموم قوله تعالي: "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية" "الأعراف: 55". وإذا حدث نزاع بين المشيعين للجنازة. فذهب بعضهم إلي رفع الصوت في الدعاء للميت. عملاً بظاهر الأمر بالاستغفار للميت عند دفنه وذهب بعضهم إلي إسكاته. عملاً بما أخرجه الطبراني عن زيد بن أرقم أن البني صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله عزوجل يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن. وعند الزحف وعند الجنازة". فالأولي عند حدوث هذا النزاع إيثار السلامة بالصمت درءاً للفتنة وتجنباً لأسباب النزاع قال تعالي: "ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" "الأنفال: 46" وقال تعالي: "والفتنة أشد من القتل" "البقرة: 191" وقال تعالي: "والفتنة أكبر من القتل" "البقرة: 237".