بعد أقل من أسبوعين. وتحديداً في 22 يناير من عامنا الحالي. 2013. يشهد الكيان الصهيوني جولة انتخابية مبكرة. أي قبل موعدها القانوني الأصلي لانتخاب كنيست "برلمان" جديد. تجري هذه الجولة في جو يمتلئ تطرفاً أكثر من أي جولة سبقت. وبُعداً عن الاعتدال.. أصبحت التنظيمات والأحزاب والقوي السياسية التي اعتدنا وصفها بالمتطرفة. أصبحت أكثر تطرفاً. في حديثها. وفي مؤتمراتها. وفي برامجها الانتخابية. دليل ذلك هو الحزب الحاكم أو الذي يقود الائتلاف الحاكم. أي "الليكود". فقد أسفرت نتائج ترتيب مرشحيه عن تقدم مرشحين أكثر تطرفاً منذ عرفت الحياة السياسية الإسرائيلية هذا التنظيم في سبعينيات القرن الماضي. وفوز "اليمين الصهيوني" بالأكثرية في الكنيست لأول مرة في ..1977 وسارع هؤلاء المرشحون بمجرد إعلان فوزهم بالترشيح إلي التعهد بضم الضفة الغربيةالمحتلة كاملة.. وهذا هدف كانت قيادة "الليكود" المتطرفة تحاذر من الاقتراب من إعلانه قولاً. وإن كانت تتجه إليه عملاً. أما الخطوة الجديدة في إطار الحملة الانتخابية الحالية. فقد قرنت القول بالفعل. وأصبح الضم هدفاً معلناً لإخراج شهادة الدفن وليست الوفاة فقط لفكرة الدولتين لشعبين. كانت الدعوة إلي تبكير الانتخابات قد نشأت في إطار متطرف أيضاً. وساد تفسيرها علي أنها تستهدف ضمان أغلبية أكبر يتمكن بها "بنيامين نتنياهو" من القيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية.. وتأكد هذا من إقامة حلف المتطرفين أي "الليكود".. و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيجدور ليبرمان.. وفي أعقاب الانتخابات التمهيدية في الليكود سارع المتطرفون الفائزون بالترشيح مجرد الترشيح إلي اجتماع تحدث فيه "موشيه فايجلين" زعيم صقور المستوطنين. وأعلن أن الهدف هو ضم الضفة الغربية بإعطاء كل عائلة من سكانها الفلسطينيين نصف مليون دولار لتشجيعهم علي الهجرة إلي خارج الضفة إلي مكان تجد فيه مستقبلاً أفضل. وزعم أن استطلاعات الرأي تبين أن 80% في غزة يريدون الهجرة. وأن هذه النسبة تصل إلي 65% في الضفة التي يسمونها "يهودا والسامرة".. "لاحظ أن هذه الدعوة نقيض الفكرة التي دعا إليها القطب الإخواني الدكتور عصام العريان. بعودة "يهود مصر" الذين زعم أن عبدالناصر طردهم!!..".. واعتبر "فايجلين" أن هذا هو الحل الكامل لمشكلة الأرض الفلسطينية المحتلة بتفريغها من سكانها. أما "ليبرمان" وأفكاره عن الطرد وتبادل السكان فليست غائبة.. وبعد أيام معدودة من هذا. بدأت تظهر حقائق جديدة عن أعمال الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين. استيطان الغور .. والبناء في القدس بدأ رفع الستار الصهيوني عن فلاحة أراض في غور الأردن. بلغت مساحتها 5 آلاف دونم.. ومن المعروف أن ضم غور الأردن هو جزء لا يتجزأ من أي مشروع إسرائيلي للتسوية.. بدءاً من أول مشروع وضعه "إيجال آلون" منذ 1968. أي منذ عدوان 1967. أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي باعتبار المنطقة المجاورة للأراضي الأردنية "منطقة عسكرية مغلقة".. وبعدئذي أقيم الحاجز العنصري الفاصل الذي توجد أجزاء منه علي مسافة 2 كيلومتر من نهر الأردن.. وظلت هذه المنطقة إلي سنة 1994 مهجورة بسبب حقول الألغام العديدة فيها. ومنذ بداية. ثمانينيات القرن الماضي. قررت الحكومة الإسرائيلية طبقاً لرواية صحيفة "ها آرتس" في 3 يناير الحالي. تشجيع المزارعين علي فلاحة أراضي هذه المنطقة. وتم هذا عن طريق استيلاء "الهستدروت الصهيونية" من دولة الاحتلال علي الأراضي الفلسطينية الخاصة وتأجيرها للمستوطنين الإسرائيليون. وقد عاد بعض الملاك الأصليين لهذه الأراضي. إلي الضفة الغربية بعد الاتفاق الأردني الإسرائيلي في عام 1994. ولكن الإسرائيليين قالوا إن هذا الاتفاق لا يشملهم!!.. ووصف باحث إسرائيلي هذه السياسة بأنها "سياسة سلب ونهب مقصودة". * السؤال هنا: هل تم هذا عبر سنوات طويلة بعيداً عن عيون الإدارة الأردنية والسلطة الفلسطينية؟!!.. وهل كان هؤلاء المستوطنون يرتدون "طاقية الإخفاء".. علي الأقل منذ عام 1994 إلي اليوم؟!! بينما تنكشف هذه الوقائع الاستيطانية في غور الأردن الذي يعلن الإسرائيليين أنهم لن يتزحزحوا عنه ولو بالإيجار. يتبين أيضاً أن البناء في القدسالشرقية تزايدت وتيرته في عام 2012 أكثر من أي عام مضي. ففي هذا العام نشرت الجهات الإسرائيلية المختصة عطاءات لإقامة 2386 وحدة سكنية. بينما كان المتوسط السنوي في سنوات العقد الماضي 726 وحدة فقط. وكان أعلي معدل هو 970 وحدة في عام 2008 وتعليقاً علي هذا يقرر "اريبة شبيط" في "ها آرتس" في 3 يناير أن 360 ألف مستوطن يسكنون في الضفة الغربية اليوم. "باستثناء القدسالشرقية".. وفي حين فشل الاحتلال الموازي والصغير في قطاع غزة. نجح الاحتلال الكبير للضفة الغربية نجاحاً حسناً!!.. ومن هذه الأرضية ينطلق التطرف الإسرائيلي في 2013 نحو المزيد من التطرف. وغالباً هذا ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات التي ستجري بعد أقل من أسبوعين. فأين نحن فلسطينيين وعرباً ومصريين من هذا؟!! وضع إقليمي معقد وغير مستقر من الملاحظ أن العرب مغروسون في الوضع القائم. ويكادون عادة يكونون لاهين عن التطلع إلي أبعد مما تحت أقدامهم.. إلي هذه اللحظة. وبعد أسبوع كامل من بدء العام الجديد. لم يطالع المرء رؤية عربية موضوعية لتوقعات العام 2013. وما يمكن أن يشهده من أحداث وتطورات. مثلاً: ما الذي يمكن أن تسفر عنه الانتخابات النيابية في مصر؟!.. وإلي أين تتجه الأزمة السورية؟! وماذا سيحدث في العراق وغير ذلك من الأسئلة وحتي الذين طرحوا بعض هذا. فإنهم أجابوا عنه بما يعبر عن رغباتهم الشخصية أكثر مما ينبع من رؤية الواقع واحتمالات تطوره رؤية موضوعية. ومن ثم. نعود مرة أخري. وفي ضوء ما سبق.. إلي رؤية إسرائيلية قدمتها صحيفة "معاريف" في يوم الخميس الماضي. وكتبها محررها العسكري "عمير ربابورت" الذي يعكس غالباً وجهات نظر دوائر أمنية وعسكرية ودبلوماسية تري أنه في المدي القصير لا يوجد بالفعل خطر حرب ضد جيش نظامي "بعد تفتت الجيش السوري. وعقب الأوضاع الداخلية التي تغرق فيها مصر".. ويتناول الكاتب الوضع في مصر بقدر قليل من التفصيل. ويقرر أن الصورة العامة في مصر غير مشجعة علي الإطلاق. ويبرر هذا بأنه "عندما سيثبت الإخوان المسلمون حكمهم في مصر. فإنهم سيذيبون بالتدريج اتفاق السلام مع إسرائيل. بل وسيتحولون بالتدريج إلي عدو".. ومن مصر ينتقل "ربابورت" إلي الأردن. حيث يري أن الوضع غير مستقر. وإمكانية انهيار الحكم الهاشمي كابوس أمني لإسرائيل. في سوريا يمكن أن يكون الوضع مشجعاً خاصة في المدي البعيد. "إذا ما ثبت بعد بشار الأسد حكم سني معتدل".. أما في المدي القصير فإن عدم الاستقرار يمكن أن يؤدي إلي عمليات "إرهابية". بل وإلي إطلاق صواريخ نحو إسرائيل.. وماذا عن الضفة الغربية؟!.. يشير الكاتب إلي ما يسميه "موجة إرهاب شعبية. ضمن أمور أخري. بعد أن تعزز الفهم في الشارع الفلسطيني بأن الكفاح ضد إسرائيل هو الطريق الصحيح".. وهناك عديد من المقالات والدراسات في الصحف الإسرائيلية تتوقع وتتخوف من انفجار انتفاضة فلسطينية ثالثة. وقد بدأ "ربابورت" مقاله بأن الوضع الإقليمي في بداية 2013 يتسم بصفتين أساسيتين هما عدم الاستقرار "المستمر منذ 2011" والتعقيد. وبالتالي.. وهذه كلماته: "فإن الادعاء بأن وضع إسرائيل الاستراتيجي قد تحسن ادعاء مبسط. إن. لم نقل صراحة إنه غير صحيح".. أما خاتمة مقاله فهي أن حقيقة خطيرة ماثلة اليوم. وهي أن السند الاستراتيجي لإسرائيل. أي الولاياتالمتحدة. لم تعد القوة العظمي الوحيدة صاحبة القدرة الكلية. مثلما كانت في الماضي. ولأول مرة "منذ عشرات السنين. لا يوجد لإسرائيل ولو حليف واحد مهم في الشرق الأوسط. بعد أن فقدنا إيران. ولاحقاً تركيا. ثم مصر".. ثم تساءل: هل هناك أحد في إسرائيل لا يريد أن يعيد الوضع في المنطقة إلي ما كان عليه قبل بضعه سنوات علي الأقل؟! هل سيكون اتجاه إسرائيل نحو المزيد من التطرف وسيلة لعودة الوضع إلي ما كان عليه؟!.. إن العكس هو صحيح. خاصة أن الجولة الانتخابية الراهنة ستلوح في أعقابها أزمة عانت منها إسرائيل في وقت غير بعيد. وهي الفراغ القيادي عند القمة. وسواء فاز "نتنياهو" وحلفاؤه بالأغلبية. وهذا هو الأرجح.. أو فازت بها "أحلاف الوسط". فإن السؤال هو: ماذا بعد "نتنياهو"؟!.. وعلينا أن نتذكر أن حزب "كاديما" الذي كان يحكم قبل نحو 3 سنوات. كاد يختفي من الساحة الحزبية بشكل كامل. ولكن تطورات محددة هي التي ضمنت له التنفس السياسي ربما بشكل اصطناعي. ولفترة قد تطول أو تقصر.. وحتي قيادة "نتنياهو" ليست بعيدة عن التأزم. يكفي أنها "خلقت" فراغاً ليس في الأفق الإسرائيلي مَن يملأه بكفاءة.. وهذا ما يعترف به الإسرائيليون أنفسهم. وهو ما يتطلب متابعة أعمق وأشمل.