* في 7 ديسمبر خطت "الجمهورية" أول أيامها في عامها الستين.. وعندما بدأت أول أيامها في 7 ديسمبر 1953 كانت الأيام حبالي بالأحداث المواكبة لصراعات بدايات ثورة يوليو ..1952 وسرعان ما تمخضت عن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في يناير ..1954 ثم أحداث مارس ..1954 وها هو 7 ديسمبر ..2012 بعد 59 عاما يأتي أيضا والأيام "حبالي" ولا أحد يمكن أن يتنبأ بشكل "الميلاد" المنتظر.. وإن كان الإخوان المسلمون في المرتين في قمة المشهد.. وقمة الصراع.. كانوا كذلك في عام 1953 ثم بداية ..1954 وهم الآن كذلك في قمة المشهد.. وقمة الصراع في ديسمبر 2012 وفي مطلع العام الستين للجمهورية. * "الجمهورية" صدرت في 7 ديسمبر 1953 لتعبر عن ثورة يوليو.. وهي الآن تخطو أول أيام عامها الستين وثورة يوليو تتلقي السهام من كل مكان.. والمشككون في انجازاتها كثر بعد أن تولي زمام الأمور في مصر من كانوا في صراع مع هذه الثورة طوال التسعة والخمسين عاما الماضية. * الصراع بين هذه الثورة والإخوان المسلمين لم يكن وليد يوم الثورة.. بل إن الشد والجذب كان بين الطرفين قبل أن تبدأ.. وكانت بين الثورة والإخوان صلات عديدة قبل أن تخرج هذه الثورة إلي النور وتنطلق في ليلة 23 يوليو ..1952 وقد تحدث أنور السادات عن هذه الصلات علي صفحات "الجمهورية".. وفي سلسلة تراث "الجمهورية" تتبعت جذور هذه العلاقة بين الإخوان المسلمين وثورة يوليو في ثلاثة كتب صدرت في سلسلة "تراث الجمهورية".. أولهما وثانيهما صفحات مجهولة من قصة ثورة يوليو. كما رواها علي صفحات الجمهورية أنور السادات وثالثها قصة "الإخوان مع الثورة" كما رواها أنور السادات أيضا علي صفحات الجمهورية.. وقد صدر في ديسمبر 2010 أي قبل ثورة يناير بشهر واحد.. وكنت أعد لكتاب رابع انتهيت من كثير من جوانبه.. ولكن تلاحق الأحداث بسرعة كبيرة جعلني أرجيء إصداره حتي تكتمل جوانب القصة كاملة. * أنور السادات لم يرتبط تاريخه بتاريخ الإخوان فحسب.. ولا بتاريخ التيارات الدينية وغيرها قبل الثورة.. وبعدها.. ولكنه صنع تاريخ "الجمهورية" بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر عندما قرر جمال أن تكون الثورة صحافتها. * وقد روي أنور السادات هذا التاريخ في أكثر من كتاب.. ولكن رواه بتفصيل واف علي صفحات "الجمهورية" في مناسبة العيد الأول للجمهورية في 7 ديسمبر ..1954 حين قدم للقارئ قصة إصدار الجمهورية.. ومتي بدأ الإعداد لهذا الإصدار.. وكيف واجه عقبات الإصدار.. والأيام والشهور التي مضت منذ اتخذ جمال عبدالناصر قرار إصدار "الجمهورية" في 4 يوليو ..1953 قبل أيام من العيد الأول لثورة يوليو.. إلي استخراج ترخيص إصدار "الجمهورية" باسم جمال عبدالناصر في نفس الشهر.. ثم الصدور نفسه في نهاية العام.. في يوم الاثنين 7 ديسمبر .1953 * وقبل أن تقرأ عزيزي القارئ قصة إصدار "الجمهورية" كما ذكرها أنور السادات الذي شغل منصب المدير العام لها. أورد هنا ملاحظة شكلية حول التاريخ الذي ذكر السادات انه تلقي فيه تكليف عبدالناصر له بالإعداد لإصدار "الجمهورية".. حيث يذكر السادات ان ذلك كان في الرابع من يوليو ..1953 عندما كان في زيارة للرئيس جمال عبدالناصر خلال وجوده في المستشفي بعد اجرائه لعملية جراحية.. ولكن الحقيقة الثاتبة هي أن طلب الترخيص بإصدار "الجمهورية" كان مؤرخا في 2 يوليو ..1953 ولابد أن أحد التاريخين غير صحيح.. وربما حدث لبس لدي السادات في ذكر التاريخ الحقيقي لتكليف الرئيس عبدالناصر له بإصدار "الجمهورية".. ولكن هذا لا يغير كثيرا من الحقيقة.. فعبدالناصر كلفه بذلك.. وهو قبل التكليف وتولي العمل حتي صدرت الجمهورية. * وثمة ملحوظة أخري نود أن نعود إليها اليوم مرة أخري.. وقد تناولتها من قبل في أكثر من مناسبة.. وهي تتعلق بتحديد صاحب امتياز "الجمهورية".. وهل كان هو جمال عبدالناصر.. أم هيئة التحرير. * وفي مقال نشرته "الجمهورية" في يوم 10 ديسمبر 1953 في العدد الرابع منها وصف هذا المقال "الجمهورية" بأنها: "أول جريدة يصدرها الشعب المصري بنفسه ولمصلحته فهي لا تنطق بلسان فرد من الأفراد. ولا حزب من الأحزاب. لكنها صوت أمة. استيقظت. فتحررت واتحدت بعد أن عانت من الظلم والارهاق وسوء الحكم ما لم يسجل التاريخ مثله لأمة من قبل". * وهذا كلام في غاية الوضوح ينفي أي علاقة لهيئة التحرير بإصدار "الجمهورية".. وفي رواية السادات نفسه لقصة إصدار "الجمهورية" بعد عام من صدورها لم يرد في المقال أي ذكر لهيئة التحرير.. وإنما كان السادات يذكر كيف تولي إصدار "الجمهورية" بناء علي تعليمات جمال عبدالناصر. * أود أن أعيد هنا تقديم شهادة الشاعر الكبير محمد التهامي وهو أحد الزملاء المؤسسين للجمهورية وقد انضم للجمهورية قبل صدورها وكان مديرا للتحرير في سنواتها الأولي.. وهو ينفي تماما أي علاقة للجمهورية بهيئة التحرير ويقول "يجب أن نؤكد انه لم تكن هناك أي علاقة لهيئة التحرير بجريدة "الجمهورية".. ويجب أن نفرق بين جمال عبدالناصر كصاحب للامتياز وكونه كان سكرتيرا عاما لهيئة التحرير لأن "الجمهورية" كانت منفصلة تماما عن الهيئة ولا يوجد أي اتصال بينهما". * وقد كانت "الجمهورية" ولازالت منذ صدورها ضمير أمتها والمعبر عن آمالها وتطلعاتها.. وتابعت علي صفحاتها كفاح شعب مصر ونضاله.. وساندت مطالبه.. وناقشت مشاكله.. وكانت معه دائما تصاحب مسيرته من أجل حاضر تحاول تغييره.. ومستقبل تحاول الوصول إليه. *كانت الجمهورية علي مدي تاريخها تعكس صورة مجتمعها.. وتحاول الارتقاء بظروفه وتقوم بدورها التنويري في هذا المجتمع.. وتستجيب للمنافسة.. ونعمل من أجل التطور المستمر مع قدرة ابنائها علي الاجادة والتفوق.. وكانوا بالفعل مدرسة صحفية امتدت فروعها إلي مواقع عديدة في صحف مصرية وعربية شارك أبناء الجمهورية فيها بجهدهم ليصنعوا تاريخا صحفيا لخريجي هذه المدرسة. * ومنذ اليوم الأول للجمهورية ازدانت صفحاتها بكتابات أهم الكتاب والمفكرين والأدباء.. فكان علي رأس هؤلاء د.طه حسين ود.محمد مندو ود.لويس عوض ويوسف السباعي وكامل الشناوي ورشدي صالح ونعمان عاشور وأحمد عباس صالح وبيرم التونسي ورجاء النقاش ويوسف إدريس ومحمود تيمور وعزيز أباظة واسماعيل مظهر وألفريد فرج وسعد الدين وهبة ومحمود البدوي وفتحي غانم ومصطفي بهجت بدوي ومحمد الفيتوري وزكي طليمات ومحمد فتحي وسهير القلماوي وموسي صبري ومحمد التهامي وحسين القباني وأمين يوسف غراب وجاذبية صدقي وصدقي الجباضنجي ومأمون الشناوي وعبدالحميد يونس وخالد محمد خالد.. وكان علي صفحاتها أيضا مقالات حسين فهمي وإبراهيم نوار وأحمد قاسم جودة وجلال الحمامصي وإبراهيم عامر وعميد الإمام وسامي داود وأحمد حمروش واسماعيل الحبروك وناصر النشاشيني وغيرهم وغيرهم. وكان هؤلاء جميعا هم قمم الفكر والأدب والصحافة الذين اجتمعوا علي صفحات الجمهورية.. واجتمع معهم كل قادة الثورة ووزراءها.. وكان علي رأس من يكتب في صفحاتها جمال عبدالناصر وأنور السادات وصلاح سالم وعبداللطيف بغدادي وحسين الشافعي وحسن إبراهيم.. ثم الشيخ أحمد حسن الباقوري والدكتور نور الدين طراف.. وكان جمال عبدالناصر يكتب في الصفحة الأولي.. وكان يملي مقاله في كثير من الأحيان.. وكان أيضا لا يوقعه في أحيان كثيرة.. حشد كبير من القمم لم تجتمع لجريدة غير الجمهورية في كل تاريخ الصحافة المصرية.. وكان علي رأس رؤساء تحريرها الذين بلغوا في يوم من الأيام سبعة رؤساء تحرير. الدكتور طه حسين وظل كذلك حتي عام 1965 عندما حدث التغيير وأصبح للجمهورية رئيس تحرير واحد هو حلمي سلام. وعلي صفحات الجمهورية أثار د.طه حسين الكثير من المعارك الفكرية والأدبية وترجم القصص وعرض الكتب.. وأثار الدكتور طه حسين معارك العامية والفصحي ومعارك الشعر الحديث والقديم ومعارك كتابة اللغة العربية كما تنطق.. وطالب بتوحيد التعليم كما تم توحيد القضاء ودخل في معارك عديدة مع شيوخ الأزهر حول حق الخطأ دفاعا عن شيخ أزهري اخطأ وحوكم وجرد من وظيفته وتحدث طه حسين عن التذوق الأدبي وعرض رحلاته في الخارج وتحدث عن التعليم الجامعي وتطويره ودافع عن اللغة العربية في ترجمة شكسبير وكتب يهاجم باقي رؤساء تحرير الجمهورية وهو زميلهم عندما سمحوا بنشر مقالة لإبراهيم الورداني يصف فيه الأدب الإغريقي بأنه أدب عفاريت.. وسمحوا لنعمان عاشور بأن يكتب عن ترجمة شكسبير إلي اللغة العامية.. وصف د.طه حسين زملاءه الذين سمحوا بهذا بالجهل. وقد تميزت الجمهورية منذ بدايتها بملاحقها الأدبية والفنية والرياضية والتعليمية ثم السياحية.. وكانت صفحة الأدب فخرا للجمهورية.. تضم القصة والقصيرة والمقال والكتاب.. ويشرف عليها في البداية د.لويس عوض.. ولا تتوقف المعارك الأدبية علي صفحاتها.. وتقدم كتابا عالميا في كل أسبوع وأحيانا قصة أو مسرحية عالمية في صفحة كاملة. وكانت أبواب الجمهورية أبوابا مبتكرة.. بعضها قدم لأول مرة في الصحف المصرية مثل باب العمال الذي كان يقدم يوميا.. وباب شكاوي القراء وباب "الحاج سيد" الموجه إلي الفئات الشعبية كما ان الكثير من مقالاتها احدثت ضجة عالمية ومنها مقالات الكاتب البريطاني وعضو مجلس العموم انورين بيفان التي ناقشها مجلس العموم وأصبحت مثار جدال شديد. مع مقالات الرأي والتحقيقات الصحفية المحلية.. كانت الجمهورية تهتم بالخبر.. وتنفرد بالكثير من الأخبار من الداخل والخارج وتوفد مبعوثيها إلي كل أنحاء العالم.. ويرافق مندوبوها الثورات في الجزائر والمغرب العربي والجنوب العربي.. وتجري الأحاديث مع قادة العالم.. كما فعلت بحديث مع الماريشال نينو في أسبوعها الأول.. كما تنشر مذكرات كبار القادة كما فعلت مع مذكرات زوكوف ومذكرات شارلي شابلن وقصة غرام الأميرة مرجريت والكابتن بيتر تاونسند. وكانت الجمهورية سابقة لعصرها في أمرين كان لكاتب هذه السطور الفضل فيها.. أولهما الصحافة التعليمية وثانيهما الصحافة السياحية.. وقد أصدرت الجمهورية لي أول صفحة تعليمية في مصر في 20 يناير 1968 تطورت إلي عد صفحات يومية واستمرت نحو خمسة سنوات.. ثم توقفت لتعود بعد ذلك إلي ملحق يومي.. وقد تبعتنا في هذا عدة صحف في ذلك الوقت.