أسعار اللحوم اليوم الاثنين 17-6-2024 في الأسواق    أسعار الذهب اليوم الاثنين 17-6-2024 في مصر.. كم يسجل عيار 21 الآن؟    «خطوة بخطوة».. طرق شحن عداد الكهرباء الكارت بالموبايل في العيد    «القاهرة الإخبارية»: قوات الاحتلال الإسرائيلي تقصف جنوب غزة    7 معلومات عن الطيار حسن عدس المتوفى بعد الهبوط في جدة.. «مكملش 40 سنة وغير متزوج»    فيلم عصابة الماكس يحتل المركز الثالث في السينما بإيرادات مليون جنيه    دعاء طواف الوداع: «اللهم إن كنت رضيت عنِّي فازدد عنِّي رضا»    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    الخارجية الإيرانية: بيان الترويكا الأوروبية بشأن البرنامج النووي الإيراني لا قيمة له    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط غزة    حسم موقف سيرجو روبيرتو من الرحيل عن برشلونة    بعد قرار كولر.. الأهلي يفتح باب الرحيل أمام أليو ديانج للدوري السعودي    استقرار أسعار الفاكهة بسوق العبور اليوم 17 يونيه    «الأرصاد»: انخفاض في درجات الحرارة.. العظمى على القاهرة 37    ملفوف في سجادة.. تفاصيل العثور على جثة شاب مقتولًا في البدرشين    انتقاما منه.. تفاصيل إضرام سيدة النيران في شقة زوجها لزواجه في الوراق    ثاني أيام العيد.. سيولة بميادين القاهرة والجيزة    إصابة عامل بحروق أثناء تنظيف المنزل بمادة بترولية بجرجا فى سوهاج    جهاز تعمير وسط وشمال الصعيد يتولى تنفيذ 1384 مشروعًا بالمبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    اليوم.. قصور الثقافة تستعيد ذكريات الثمانينيات والتسعينيات في حفلات مجانية بالسامر والقناطر    إعلام فلسطينى: قصف إسرائيلى يستهدف المناطق الجنوبية لمدينة غزة    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    ما حكم ذبح الأضحية ليلًا في أيام التشريق؟    «المحلاوي» عن يوم «القر».. من أعظم أيام الله ويستجاب فيه الدعاء (تفاصيل)    جامعة القاهرة تستقبل 3079 حالة طوارئ وتُجري 371 عملية خلال عطلة العيد    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية    الجونة يستضيف البنك الأهلي لمداواة جراحه بالدوري    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 17 - 6 - 2024 والقنوات الناقلة    تشكيل الزمالك المتوقع أمام المصري في الدوري    مصادر فلسطينية: القوات الإسرائيلية تقتحم مخيم عقبة جبر في أريحا ومدينة قلقيلية    تشكيل الإسماعيلي المتوقع ضد إنبي في الدوري المصري    فرنسا ومبابي في اختبار صعب أمام النمسا في مستهل مشوار يورو 2024    الدولار يسجل 47.75.. أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه اليوم    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب جنوب البيرو    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. ثاني أيام عيد الأضحى 2024    المنيا تسجل حالة وفاه جديدة لحجاج بيت الله الحرام    بينها دولتان عربيتان.. 9 دول إسلامية تحتفل بأول أيام عيد الأضحى اليوم    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    انخفاض أعداد الموقعين على بيان مؤتمر أوكرانيا الختامي ل82 دولة ومنظمة    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    وزير الداخلية السعودي يقف على سير العمل بمستشفى قوى الأمن بمكة ويزور عدداً من المرضى    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبختك مالحة .. يا فالحة!!
نشر في الجمهورية يوم 22 - 11 - 2012

في قريتنا مثل عامي سائر يقول: "العادم يتطب والمالح يتكب".. والعادم "الدِلع" الذي انعدم فيه الملح أو قل عن المطلوب.. والمالح هو الذي زاد ملحه علي المطلوب.. "ويتكب" أي ينسكب ونرميه كله في الأرض.. "ويتطب" أي يمكن علاجه.. فالطعام الذي نقص ملحه يمكن علاجه بالمطلوب من ذلك الملح.. أما الطعام الذي زاد ملحه فلا علاج له ولا حل سوي إلقائه في "الزبالة".. وكثيرا ما غلطت وغلط غيري بتحلية الشاي بالملح بدلا من السكر.. فكانت النتيجة "دلق" براد الشاي كله في حوض المطبخ وإعادة عمل الشاي من جديد.. "والست الخايبة" هي التي لا تستطيع ضبط الملح في الطعام.. والتي ينقص ملحها أقل خيبة من التي يزيد ملحها في الطعام.. "والست اللي خيبتها بالويبة والكيلة" هي التي "تحلي الشاي أو المهلبية بالملح".. بدلا من السكر.. هناك "ست" تخطيء في المقادير وهي "خايبة".. وهناك "ست" تخطيء في الهدف والوظيفة.. فتجعل الملح مكان السكر والسكر مكان الملح.. وهذه ليست خائبة فقط.. بل هي حمقاء أيضا مثل التي نقضت غزلها وهي امرأة من قريش كانت تسمي ريطة بنت عمرو بن كعب.. وكانت إذا غزلت غزلا في يوم كامل تعود لتنقضه في لحظات.. ولم تكن تكف عن الغزل ثم النقض.. تغزل الغزل من القطن أو الصوف فتحكم الصنعة ثم تأمر خادمها بنقضه.. وقيل إنها كانت تغزل هي وجواريها ثم تأمرهن بنقض ما غزلن.. وقيل الكثير عن اسمها.. فهي ريطه وهي رايطة بنت عمرو المرية ولقبها "الجعرا".
وكلمة "الست".. عربية فصحي وليست عامية.. وهي لهجة من لهجات قبائل العرب إذ كانوا يقولون: "ست.. وستي بمعني سيدتي".. ونقول في زيادة المقدار علي المطلوب "جه يكحلها عماها".. فزيادة الملح إفساد للطعام وزيادة الكحل عمي.. ونحن في مصر بين نقيضين ودائين لا شفاء منهما.. فإما أن نخطيء في المقادير وإما أن نخطيء في القصد.. إما أن نخطيء في الوسيلة وإما أن نخطيء في الغاية.. نصنع الفلك لنركبه في الصحراء أو نشتري جملا لنركبه في البحر.. نزيد الملح في الطعام فنفسده أو نزيد الكحل في العين فنعميها.. أو نحلي الشاي والكنافة بالملح.. أو نخفف ملوحة الفسيخ بالسكر والعسل.. أو نعمل من الفسيخ شربات.. والمصريون يمدحون الحماقة أوالبلاهة ويعتبرونها ذكتاء وفطنة وعبقرية.. فيقولون إن فلانا "بيعمل من الفسيخ شربات".. ويقولون: "الشاطرة تغزل برجل حمار".. والذي يعمل من الفسيخ شربات أحمق والتي تغزل برجل حمار حمقاء أيضا.. فنحن نمدح الحمقي والبلهاء وننعتهم بالذكاء والشطارة.
ومصر لا تريد في أي عهد أن تكون "طبخة" مضبوطة.. سليمة المقادير طيبة الطعم شهية المذاق.. هي دائمة "ماسخة" ومائعة.. "دلعة أو حادقة.. عديمة الملح أو مالحة حتي الفساد.. والنقص في الشيء يسهل علاجه لكن الزيادة لا علاج لها.. والقلة يمكن إكثارها.. لكن الكثرة لا يمكن تقليلها إلا بكارثة مثل كارثة قطار أسيوط.. والناس عندنا كثروا حتي لم يعد لهم سعر أو لزوم عند الحكام والمسئولين.. والبلد الذي يسكنه تسعون مليوناً لا تنتطح فيه عنزتان إذا مات منهم ألفان.. لكن البلد الذي يسكنه تسعة ملايين تقوم فيه القيامة إذا مات منهم ألف أو ألفان.. يبدو اننا أصبحنا أكثر من اللازم.. يبدو اننا أصبحنا كالمال الكثير السائب الذي يعلم مسئولينا السرقة والاهمال والفساد "ايه يعني لو سرقنا ألف جنيه من مليون؟".. لن يشعر بذلك أحد ولن يكون هناك أثر للسرقة.. وعندما يكثر المال والناس يلجأ اللصوص إلي السرقة بالتقسيط أو بالقطعة أو بالحتة حتي لا يشعر أحد بالجريمة.. والمصريون كثيرون لذلك يجري قتلهم بالتقسيط.. كل شيء في مصر بالتقسيط.. البيع والشراء والسكن والسيارة والحب والفساد والسرقة والقتل.. ندفع فلوسنا وأعمارنا بالتقسيط المريح حتي ينتهي كل شيء دون أن نشعر أو نحس أو نتألم أو نعاني.. مصر تنهار بالتقسيط وبالقطعة.. فنحن بلد الحياة بالتقسيط والموت بالتقسيط والإنهيار بالتقسيط حتي ينتهي الوطن تماما دون أن نثور أو نغضب أو نعاني أو تراق قطرة دم إلا علي قضبان القطارات وعلي الطرق السريعة.. مصر لا تسقط بضربة فأس واحدة مثل غيرها من البلدان.. لأن جذورها ضاربة في الأرض.. والحل لإسقاطها هو الحفر تحتها بإبرة.. "والحكاية عايزة صبر".. والحفر بالإبرة يحتاج إلي عشرات السنين حتي ينهار البناء.. لابد من إسقاطه "طوبة.. طوبة.. بالراحة.. وبالتقسيط".. والأفضل في كل الأحوال أن يتولي الحفر أبناء الوطن أنفسهم.. بأجر أو متطوعين.. حتي لا يقال ان هناك مؤامرة.. حتي يسقط الوطن ويهتف أبناؤه بسقوطه.. حتي يروا ان هدم الوطن ثورة وإصلاحا ونهضة.. مصر مثل سد يأجوج ومأجوج.. يتم هدمه بالراحة وبالصبر.. وحكاية هدم مصر مثل حكاية سد يأجوج ومأجوج قاربت علي الانتهاء.. يوشك الهادمون علي اتمام انجازهم ليخرجوا ويهلكوا الحرث والنسل ويهتفوا للهدم والتدمير قائلين: تحيا الثورة.. ثوار.. ثوار حنكمل المشوار.. والمشوار هو مشوار يأجوج ومأجوج الذين نراهم الآن من كل حدب ينسلون.. لقد اقترب وعد ربي.. ليجعل سد يأجوج ومأجوج زكاء.. "الحكاية قربت جدا".. أتي أمر الله فلا تستعجلوه.. وكل ما يجري علي أرضنا الآن هي مقدمات الانهيار.. وكل الذين يتراقصون علي ساحتنا الآن هم جيش الاستطلاع للمسيخ الدجال.. هم الذين يمهدون الأرض لقدومه.. ويعدون الناس لطاعته والدخول تحت رايته.. هم الذين يلعبون بالبيضة والحجر والدستور والقانون والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. ويلعبون بالدين أيضا.. هم الذين يسحرون أعين الناس ويسترهبونهم ويأتون بسحر عظيم.. حتي إذا جاء سيدهم الدجال لا يجد مقاومة ويجد الأرض ممهدة تماما لسلطانه..
***
لا ينبغي التعامل مع إنهيار مصر بالقطعة.. فالحكاية ليست كارثة أسيوط.. أو الإنفلات والبلطجة أو الإنهيار الأخلاقي.. أو أخذ الوطن كله رهينة لدي البلطجية واللصوص.. الحكاية ليست شعر مناسبات كلما وقعت واقعة نكتب عنها أو نحللها عبر الفضاء.. الحكاية هي أن كل هذا وغيره ليس سوي مقدمات الإنهيار التام والموت الزؤام.. هناك أوركسترا فساد وانهيار.. لابد أن نتحدث عن المقطوعة الموسيقية كلها.. ومن البلاهة أن نتحدث عن عازف كل آلة موسيقية بمفرده ونتهمه "بالنشاز".. الكل "ينشز".. "واللي يعزف صح في أوركسترا الفساد والإنهيار" سيخرج مطرودا من الفرقة.. قرية سدوم كلها "نجسة" وقذرة ومنحلة.. وآل لوط هم النشاز لذلك يجب طردهم وإخراجهم من القرية لأنهم أناس يتطهرون.
ولن ينجح في حكم قرية سدوم إلا فاسد مثلهم.. والذين يحاولون الإصلاح سيتم اخراجهم لأنهم أناس يصلحون ويتطهرون.. يا صديقي حمادة بدران أبو دوح ويا صديقي محمد نوارة: ان الله لا يصلح عمل المفسدين.. هذه قاعدة راسخة لن تشذ أبدا.. وليس فيها استثناءات.. المفسدون أوعية فاسدة ومسممة لا يمكن أن يخرج منها إلا سائل مسمم وفاسد.. لذلك نقول ان "قرفتنا وحشة".. لأننا منافقون نلوي ألسنتنا بالكتاب ليحسبه الناس من الكتاب وما هو من الكتاب.. والله لا يصلح عمل المفسدين.. أي المنافقين.. والنفاق فساد كبير.. بل هو أكبر الفساد.. والمنافق المفسد حتي لو أراد الإصلاح فإن الله تعالي سيفسد عمله.. يعني يريد أن يكحلها فيعميها.. ويريد أن يحليها فيملحها.. ويريد أن يبنيها فيهدمها.. ويريد أن يعمرها فيخربها.. لأن المنافقين المفسدين يخادعون الله وهو خادعهم.. لأن المنافق هو سلطان الحمقي وكبيرهم.. وليس هناك أحمق من ذلك الذي يتصور انه "بيضحك علي ربنا".. الله تعالي قد يصلح عمل الكافرين.. لكنه أبدا لن يصلح عمل المنافقين المفسدين.. ولذلك يجعل الله تعالي "قرفتهم وحشة.. وقدمهم نحس" ويملأ أيامهم مصائب وكوارث وينزل الكآبة والنكد علي الناس ويصب عليهم العذاب صباً.. وتأتيهم المصائب من حيث لا يحتسبون.. يريدون أن ينهضوا فتتحول نهضتهم إلي كبوة.. ولا تجد أي تفسير لكل هذه المصائب والنوازل "والبلاوي" سوي "القرفة الوحشة.. والفقر الدكر.. والعرقوب الناشف" وهذا كله عقاب النفاق والمنافقين.. لأن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وفاضحهم ومبطل أعمالهم ومفسدها.. الله تعالي لا يصلح عمل المفسدين.. والكافر ينال عقابه في الآخرة.. لكن المنافق يعاقبه الله في الدنيا والآخرة.. والأدهي أن الله تعالي إذا أراد عقاب قوم ولي عليهم المنافقين ولم يول عليهم الكفار.. فالولاة المنافقون عقاب لنا من الله عز وجل.
زمان قبل عدة أعوام كنا نشكو من أن مصر "دِلعة.. لا ملح فيها".. الآن نشكو من أن مصر مالحة حتي الفساد.. كان هناك أمل عندما كانت مصر "دِلعة".. كان العلاج هو ضبط ملحها وكان ذلك متاحا.. لكن الأمل الآن انقطع كالطمث وبلغنا سن اليأس.. فقد زاد الملح ولم يعد من سبيل ولا علاج ولا حل سوي "دلق" الوطن كله في الزبالة.. الثورة فسدت بزيادة الملح.. والديمقراطية فسدت بزيادة الملح.. وحرية التعبير فسدت بزيادة الملح.. كل الأطباق علي مائدة مصر الآن فاسدة بزيادة الملح ولا حل إلا "دلقها" في الزبالة.. التأسيسية مالحة والدستور مالح والتدين مالح.. والبرلمان مالح والأحزاب مالحة.. ليبرالية مالحة وعلمانية مالحة وإسلامية مالحة.. وثوار مالحون.. كل الأطباق لابد من إلقائها في الزبالة.. ولابد من إعادة الطبخ من جديد.. ونحن ميتون من الجوع "لسه حنستني تاني".. ولأننا ميتون من الجوع فإن الطباخ الجديد سيعمل متعجلا ليسد جوعنا فتخرج الطبخة هذه المرة محروقة ونلقيها أيضا في الزبالة.. ونعود للجوع من جديد.. وعندما كانت مصر "دِلعة وناقصة ملح" كنا علي الأقل نأكل.. صحيح اننا لم نكن نستطعم الأكل لكننا كنا نسد جوعنا علي أمل أن يأتي من يضبط الملح في الأكل.. الآن فوجئنا بأن من جاء ليضبط الملح انهال علي طعامنا تمليحا حتي فسد وألقيناه في الزبالة ثم أعاد الكرة وطبخ من جديد علي عجل فجاء الطعام محروقا وألقينا به في الزبالة أيضا.. وضاع الأمل وانقطع الرجاء ووجدنا أنفسنا نقول: "ياريتها دامت أيام الطعام الدِلع" علي الأقل كنا نأكل حتي ونحن لا نستطعم الأكل.. والذي جاء ليضبط الملح أفسد الطعام كله. لأن الله تعالي لا يصلح عمل المفسدين.. الذي جاء ليضبط الملح "نيته وحشة.. وقرفته وحشة ونفسه في الأكل وحش".. والله تعالي لا يصلح عمل المفسدين.
***
كان كل شيء في الوطن "ناقص ملح". والنقص مقدور عليه.. هناك دائما أمل إذا كان الأمر ناقصا.. الآن كل شيء مالح حتي الفساد.. ولا أمل مع الزيادة.. إذا كان هناك تفريط فإن هناك أملا في الاعتدال والتوبة.. لكن إذا كان هناك إفراط وغلو فلا أمل.. المرء قد يتوب لأنه فرط وقصر.. لكنه لن يتوب عن الغلو والافراط فهو يري نفسه في قمة التقوي.. انك تستطيع التحاور مع أهل التفريط وهدايتهم.. لكن لا تستطيع التحاور مع أهل الإفراط فهم يرون انك ضال وعليهم هدايتك.. وأهل التفريط عصاه.. لكن أهل الإفراط والغلو منافقون.. ومصر كلها الآن متطرفة ومتعصبة ومبالغة "وزايدة ملح".. ولا حل سوي "دلقها في الزبالة".. مصر كلها "أولتراس".. كروي وسياسي وديني وفني وإعلامي وقانوني.. مصر "مالحة قوي في مجال.. وحلوة قوي في مجال آخر".. وفي الحالتين المتضادتين لا حل سوي دلقها في الزبالة.. فالمالح جدا مصيره مثل الحلو جدا.. المملح مثل المسكر.. والخلاصة ان مصر مبالغة ومتطرفة في الانحراف والانحلال والكفر.. ومتطرفة ومغالية ومبالغة في التدين.. هناك كافر سافر ومجاهر.. وهناك منافق مبالغ ولا خير فيهما معا.. الاثنان متخلفان.
وإذا أردنا أن نحقق تقدما فعلينا أن نعترف أولا بأننا متخلفون.. والبلد الطيب يخرج نباته طيبا.. والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.. والبلد المتخلف لا يلد إلا دستوراً متخلفا وثورة متخلفة وحرية متخلفة وديمقراطية متخلفة وقوانين متخلفة.. والتطرف هو قاع التخلف.. وزيادة الملح هي قمة التطرف.. هناك معدلات مسموح بها في الشر والفساد لكن زيادة الملح هي المشكلة.. فنحن متطرفون في الفساد ومتطرفون في الإهمال ومتطرفون في البلطجة والانفلات والفوضي والكوارث. ومتطرفون أيضا في التدين والثقافة والإعلام والفن.. نحن متطرفون في التعري ومتطرفون في التغطي "ملح زيادة في كل شيء".. نحن متطرفون حتي في اطلاق لقب الشهيد علي كل ميت.. نحن متطرفون في النفاق والكذب والضحك علي الذقون بالذقون.. وهذا مناخ لابد للعاقل أن يكرهه ويضيق به.. كل الفرق في المجتمع المتطرف هالكة وضالة.. كل المتصارعين علي خطأ.. كل اللاعبين يخسرون.. كل شيء في المجتمع المتخلف المتطرف مبني علي باطل.. الموالون علي باطل.. والمعارضون علي باطل.. لأن الموالاة "ملحها زيادة".. والمعارضة "ملحها زيادة".
في قريتنا زمان كانت الأفراح تشبه المآتم.. نفس الهدوء ونفس التجمع في دوار العائلة.. فقط هناك تجهم في المآتم.. وابتسامات في الأفراح.. حتي قاريء القرآن في المآتم.. كان هو أيضا في الفرح.. كانت الأفراح مخنوقة ومكتومة.. لأن القرية كان فيها ميت كل فترة.. لابد من "ميت جديد" لذلك كانت الأفراح كالمآتم.. وكان الزفاف دائما مؤجلا لوجود "ميت جديد".. وهذا ما يحدث في مصر الآن.. زفاف وطني مؤجل وفرحة وطني مؤجلة إلي أجل غير مسمي لأننا ننام علي كارثة ونصحو علي كارثة.. نحن دائما في انتظار الأسوأ.. في انتظار مصيبة أو قارعة.. طعامنا مؤجل ونحن ميتون من الجوع لأن الطباخين "خائبون".. أرادوا تدارك نقص الملح في العهد السابق فسكبوا كل أكياس الملح في طعامنا وأفسدوه.. فقلنا "ولا طبق من أطباق العهد السابق".. حتي أيامنا ملحوها فصرنا نقول مع الراحل نزار قباني: مالحة في عيوننا القصائد.. مالحة ضفائر النساء.. والليل والأستار والمقاعد.. مالحة أمامنا الأشياء.. اللصوص المنافقون سرقونا ويحفرون تحت وطننا بإبرة حتي يسقط ونحن نهتف لعملهم الكارثي.. سرقوا طعامنا.. ملحوه.. والذي لم يستطيعوا أن يملحوه بصقوا فيه فحرموه علينا وأصابنا القرف.. سرقوا ثورتنا.. وسرقوا أعمارنا.. وأرواحنا.. والأدهي والأمر أنهم سرقوا فرحتنا.. لم نعد نستطيع أن نفرح.. بل لم نعد نستطيع حتي أن نحزن.. صارت الكوارث من يومياتنا.. لم نعد نستطيع أن نحب.. وأسوأ ما وصلنا إليه هو فقدان القدرة علي الحب.. وصلنا إلي مرحلة الجوع الكافر لأن الطباخ منافق.. ولأن النوايا فاسدة.. ولأنك يا مصر آيلة للسقوط جوعاً.. ولأنك ست "خايبة".. وطبختك مالحة.. يا فالحة!!!
نظرة
"اقرا الحادثة" اقرأ حكاية لها العجب في بلد العجب.. اقرأوا واعتبروا يا أولي الألباب.. في عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي ظهرت مغنية ذائعة الصيت.. فائقة الجمال.. حلوة الصوت اسمها خديجة الرحابية.. ملأت أغانيها الآفاق وبلغت قمة المجد وهي دون الثلاثين.. وكان الأعيان والأمراء والكبراء يتصارعون عليها ويطلبون ودها.. وأحدهم يشبك بن حيدر والي القاهرة الذي داخ السبع دوخات ليحظي بنظرة من خديجة ولكنها امتنعت عليه.. فقد كانت من العرب وتأبي الانحراف.. وظلت خديجة فتاة أحلام الجميع حتي قال فيها الشاعر:
رحابية أخفي الشموس جمالها.. لها حسن إنشاد يزين مقالها
وقد خايلت بالبدر ليلة نمه.. فمازال في عيني وقلبي خيالها
ولما بلغ اليأس مبلغه عند والي القاهرة يشبك بن حيدر أمر جنوده فقبضوا عليها وهي تغني في أحد الأفراح وأحضروها إلي مجلس الوالي مقيدة بالسلاسل وقال لها حيدر أمام الجميع: أنت التي أفسدت الأعيان والعامة وافتتن بك الناس.. وأفسدت علينا ديننا وارتكبت الكبائر والرذائل. لقد وجب حدك لنقضي علي الفجور والفسق وأمر جنوده فضربوها "خمسين عصا".. حتي فقدت الوعي وحملوها إلي دارها وظلت مريضة ثلاثة أيام ثم ماتت.. أيها الدين كم من الجرائم تُرتكب تحت رايتك.. أيها الدين كم من منافقين وفساق يرفعونك كلمة حق يراد بها باطل.. أيها الشرع كم مرة استخدمك أهل الكوسة والقرع؟.. أيتها الحدود هل نأمن أن تكوني في أيدي الدود؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.