خرجت استطلاعات الرأي من مركز الأهرام للدراسات، وجريدة الشروق حول المرشح المفضل للرئاسة لدى المصريين، بنتائج تشير إلى تقدم السيد عمرو موسى ود. عبدالمنعم أبو الفتوح على باقي المنافسين. وعلى أثره حاولت 5 وسائل إعلامية وهي 3 تلفزيونات وجريدتان التعاون معا لإعداد وتنفيذ مناظرة بين المرشحين، على طريقة الديمقراطيات الغربية، وقد كانت من جزءين قدم الأول الإعلامية منى الشاذلي ، والجزء الثاني يسري فوده. أعتقد أن المرشحين وأعضاء حملتيهما ظنا أن خوض هذه المناظرة كفيل بتدعيم حظوظهما بالانتقال معا للإعادة، وهي المرحلة التي ينتقل إليها أعلى المرشحين ما لم يكن لأي مرشح غلبة في المرحله الأولى، وفي تقديري أنهم أعتقدوا أيضا أن خوض المناظرة يقلل من فرص المرشحين الأحد العشر الباقين، كما يقول ريجيس دوبريه في كتابه "حياة الصورة وموتها"يتيح لنا التلفزيون نافذة مفتوحة على العالم، لكنه لا يسمح لنا برؤية ما يخرج عن إطارها". وعلى الطرف الآخر نجحت قنوات التلفاز الناقلة في تحقيق نسب مشاهدة عالية وربما غير مسبوقة، وقد رأينا ذلك جليا حيث كانت مدة الإعلانات أطول من مدة المناظرة، وبالطبع فالقنوات الناقلة تابعة للقطاع الخاص وذات ربحية. وقد كانت لغة الجسد والتموضع للمرشحين سلبية جدا، فبدلا من أن يتقابلا وجها لوجه كمناظرة مرشحي الرئاسة الفرنسية مؤخرا على سبيل المثال، وقد أوحت وقفة موسى وأبو الفتوح كما لو كانا يوجهان خطابين للشعب وتنافسا بالألفاظ، ولم يبدو أن المرشحين يجادلان في برنامجيهما الانتخابيين كما هو الأصل في المناظرات، ولم تكن المواضيع الرئيسية في اهتمامات الشعب هي مواضيع النقاش، فقد خاضا في الأمور الأنية من حل المجلس العسكري وأحداث العباسية ومعاهدة السلام ..إلخ إعلاميا في الخطاب المرئي الصورة دائما تبعث برسالة، والرسالة تهدف لتحويل الآراء إلى مسلمات، وكان للصورة رمزية وهي أن هذين المرشحين هما المؤهلان حقيقة لحكم مصر، ولن يكون الرئيس إلا أحدهما ولو كانت برامج بعض المنافسين أفضل. لو عدنا قليلا للوراء لوجدنا أن أغلب المرشحين إما إسلاميين مثل أبو الفتوح ومرسي والعوا محسوبين على الإخوان تحديدا، أو محسوبين بشكل أو بآخر على نظام مبارك كالفريق أحمد شفيق وعمرو موسى، وهذا ما وقعت فيه المناظرة، فقد أرادت الصورة أن تمرر ما يسمى برسالة الهيمنة ، بأن تهيمن فكرة "المرشحين الأقوى"، والخطير دائما في استخدام تقنية الهيمنة عبر الإعلام، هو احتمالية تحريك إحساس الرفض لدى المتلقي، وهو ما حصل لأن الرسالة التي وصلت للناخب هل تريد فلول مبارك أم الإخوان أن يكونوا حكام مصر. ونظرا لطبيعة الثورة وأن كل ماله علاقة بالنظام السابق مرفوض، بالإضافة إلى أداء برلمان الإخوان السيئ طيلة الستة أشهر الماضية، دفع برفض الناس عامة والثوار خاصة لهذه الفكرة، مما فتت كثير من أصوات المرشحين لحمدين صباحي، لا سيما وقد برع حمدين صباحي في أحاديثه التلفزيونية خصوصا بعد المناظرة. والسياسة حين نشبهها بالفن تكون أقرب للمسرح، فيقال المسرح السياسي، لأن السياسة فيها مقابلة جمهور وخروج عن النص،وكواليس لا يراها الجمهور، وفي المسرح الفني المصري جرى العرف أن البطل يكون آخر الممثلين ظهورا على المسرح، وهذا خطأ وقع فيه أبوالفتوح وموسى معا، فخرجا أولا على المسرح وحرقت بطولتهما. صباحي وهو الممثل السابق والذي خاض تجارب فنية على يد المخرج الماهر يوسف شاهين، أحسن التعامل إعلاميا وأجاد استثمار كل الأخطاء التي قام بها المرشحان، وهذا لا يعني أنه صاحب الفرصه الأفضل بالضرورة ، فمن بين المرشحين للرئاسة العديد من الأسماء الكبيرة لا سيما شفيق ومرسي مرشح الأخوان، فقط أردت التأكيد أن الإعلام لعبة حرجة قد تنفع وقد تنقلب على صاحبها، فقد حصد صباحي أصوات أكثر، وخسر أبو الفتوح وموسى بعض الأصوات جراء المناظرة، وهو ما أكد عليه مركز ابن خلدون للدراسات.