أعلم أن العنوان قد يكون صادماً ولكن للأسف تلك هي الحقيقة، التي أطلت علينا برأسها القبيح لما يزيد عن ثلاثين عاما هي تاريخ المعونة الأمريكية لمصر. ولكي يكون الكلام عملياً، دعونا سويا نحسب هذه الحسبة البسيطة: " إن القيمة السنوية للمعونة الأمريكية لمصر = 1,300,000,000 (مليار وثلاثمائة مليون دولار أمريكي) أي ما يعادل 7,800,000,000 (سبعة مليارات وثمانمائة مليون جنيه مصري) " وبفرض أن عدد البالغين في مصر = 40,000,000 (أربعون مليون مصري) فإن النصيب السنوي لكل فرد بالغ من المعونة (إن صح التعبير) = 7,800,000,000 ? 40,000,000 = 195 جنيهاً سنوياً " وبعلم أن العام به 12 شهراً، فإن نصيب الفرد البالغ من المعونة شهرياً = 16.25 جنيه " أي نصيب الفرد البالغ من المعونة يومياً = 0.54 قرش !!! أربعة وخمسون قرشاً هي الثمن الذي بعنا به كرامتنا وعزتنا جيلاَ بعد جيل. أربعة وخمسون قرشاً هي ما ارتضيناه ثمناً لعروبتنا وقوميتنا لعشرات السنين. أربعة وخمسون قرشاً هي قيمة الصك الذي بموجبه أصبحت الولاياتالمتحدة المقرر الأول والأخير لمصائرنا. أربعة وخمسون قرشاً هي وهي وهي وهي ............ أربعة وخمسون قرشا صورها لنا النظام البائد أنها جبلا لا نستطيع له حراكا. ولا أخفي قولا أن تلك هي المرة الأولي التي أحسب فيها هذه الحسبة، بعدما قرأت عن المبادرة التي أطلقها صاحب الفضيلة الشيخ محمد حسان لإلغاء المعونة الأمريكية. ولكي لا نغوص في الماضي بآلامه، ولكي نواكب عصر السرعة هناك سؤال بسيط: هل بمقدور المواطن المصري أن يوفر 54 قرشاً فقط يومياً ليرفع رأسه مدى الدهر؟ يُحكي أن فيلاً صغيراً وقع في الأسر، فأخذه الصيادون وباعوه لصاحب حديقة حيوان. وقام صاحب الحديقة بوضع سلسلة حديدية ضخمة في قدم الفيل لكيلا يهرب من الحديقة. وفي اليوم الأول حاول الفيل أن يفك قيده غير أن قدمه تألمت كثيراً بفعل السلسلة. وتكرر الحال في اليوم الثاني والثالث. وكان صاحب الحديقة يراهن على الوقت فهو على يقين أن الفيل إذا استمر سيخلع السلسلة، ولكنه على علم أيضاً أن الفيل سييأس ويخضع. وهو ما حدث بالفعل. فبعد فترة استسلم الفيل، وهنا أنزله صاحب الحديقة للجمهور، غير أنه، وفي غفلة من الفيل، استبدل السلسلة الحديدية بأخرى خشب كي لا تجرح قدمه ويخسره للأبد. وفي أحد الأيام لفت نظر أحد زوار الحديقة أن السلسلة المربوط بها الفيل خشب وضعيفة يسهل جداً كسرها وفكها. فسأل صاحب الحديقة مستهزئاً ألا يقدر فيل بهذا الحجم أن يكسر هذه السلسلة الخشب ويفك أسره. فأجابه صاحب الحديقة: بلى يستطيع وبضربة واحدة. فاندهش الزائر وقال لصاحب الحديقة إذاً أنت أحمق، فأجاب صاحب الحديقة لا بل الفيل هو الأحمق لأنه يظن أن قدميه مقيدتان بالحديد بينما هو مقيد بخشب يستطيع أن يكسره بضربة واحدة. والسؤال الثاني: ما الشبه بيننا وبين هذا الفيل؟