كتبت بهذا العنوان مقالا وكانت اول مرة فيها اكتب مقالا سياسيا وكنت أتناول فيه خلاله حالة التبلد التي تصيب الانسان من كثرة الجرائم الاسرائيلية وبشعتها والتي تزداد يوما بعد يوم ومن شدتها تتحول الاخبار البشعة والمفزعة إلى عادة وعادية. يوسف هو طفل في العاشرة من عمرة تربطني به صلة قرابة جلست اتناول معه اطراف الحديث عن دراسته.. كان يسألني عن تمرين "البطن" بسذاجة الاطفال الرقيقة.. فقلت له هو انت مبتاخدش حصة العاب في المدرسة فقال لي عمري ما خدت حصة العاب اصلهم بيدولنا بدالها حصة حساب.. وكمان مفيش "رسم" بياخدها الاستاذ بتاع العربي.. وفي حصة معرفش بتاعه ايه اسمها "مجالات" بيدولنا بدالها دراسات اجتماعية واسترسل ليحكي لي أنه في احدي المرات كان لديهم حصتا العاب متتاليتان دخلت طبعا مدرسة الحساب لتغمر السابورة بالشرح لتتفاجأ أن الطلاب رفضوا ان يكتبوا او بمعني اكثر وضوحا اعتصموا عن الكتابة. وبادرني بالمفاجأة ان حصة المزيكا بتتبدل بحصة علوم وانه طوال خمس سنوات من دراسته بمدرسة طه حسين الحكومية بامبابة لم يأخذ أى حصة من حصص الالعاب أو الموسيقى أو المجالات التي لايعرف أصلا ما هي من الاساس.. يوسف يعرف اسماء واسعار لاعيبه كرة القدم المحليين والعالميين ويتابع اخبار الانتقالات ويحبهم جدا ويتمنى لقاءهم.. يوسف ليس الطفل الوحيد الذي يحرم من حقه كانسان في ان يتشارك مع زملائه اللعب والانبساط والانسجام مع أصدقائه في الفصل الدراسي يحرم من ان يتعلم مبادئ الموسيقى ومعرفة أنواع الالات الموسيقية.. فبأى من الذوق نطالبه أن يرتقي.. ويتابع ويستمتع بالالحان الجميلة.. وكيف سيخرج للمجتمع بروح مشاركة العمل ضمن فريق ليحقق هدف واحد في مرمى الحياة العملية.. او لينشد معزوفة ترتقي لتصبح فنا جميلا. هؤلاء الاطفال تم حرمانهم من حقوقهم في التعبير والابداع والمشاركة لتتكدس اذهانهم بمواد جامدة ويعبرون عن كبتهم بالالعاب العنيفة سواء كانت من خلال سلوك غير سوي أو الالعاب الالكترونية لا تعبر عن ثقافتهم او فنهم.. الغريب في القصة هو ان المدرسة تحمل اسم الراحل "طه حسين" الداعي للتعليم المجاني في مصر. - باغتني خبر في جريدة الوفد الالكترونية صباح اليوم الاحد الموافق 12 من يونيو 2011.. بعنوان "فيديو.مرشح للرئاسة يرقص فى فرح شعبي".. وكان نجم حفل الزفاف والشاهد على عقد القران المرشح لرئاسة الجمهورية المصرية حمدين صباحي.. وكان الفرح في احد فنادق المطار بالقاهرة وبه لفيف من الاساتذة الجامعيين واصدقاء مرشح الرئاسة الذي شاركهم الفرح دون أن يكون شاربا كوزين من النشا الخام.. الرجل وقف وسط دائرة المعازيم وشارك الحضور الرقص والتصفيق.. يتبادر إلى ذهني سؤال ما العيب في ذلك.. وما العيب فيما فعله رجل مثل أى رجل يفرح ويشارك الناس فرحتهم ويحتفل معهم على الطريقة الانسانية التي يعبر بها عن نفسه لم أجد سوى الدفاع عنه بغض النظر عن أني سارشحه ليكون رئيسا لمصر أم لا.. لا اعرف تحديدا لماذا تم تناول الخبر بهذا الاسلوب الذي يشير بشكل ما إلى شئ ما. فلحظة الانهيار هي ان نتجرد من مشاعرنا وانسانيتنا لنتناول بعض بغض الطرف عما يمكن داخل الانسان من مشاعر قد تكون كامنة داخل الانسان وتعبر عن مشاعره.. تخلينا عن حصة الموسيقى باللغة العربية و"الالعاب" الحساب وتبدل العلوم بالموسيقى غذاء الروح إنها فعلا لحظة انهيار حقيقية يجب أن ندركها ونحاول بشتي الطرق الحفاظ على الانسانية المتبقية بداخلنا لتشمل سلوكياتنا اليومية.