لن ارفض الرأى الذي اجتمع على الموافقة أو على رفض التعديلات الدستورية التي حدثت السبت الموافق 19 مارس ولن التفت إلى الاصوات التي تقول إن بعض دوائر الاستفتاء حدث بها تزوير ما، ولن التفت أيضا أن الاسلاميين سواء كانوا اخوان مسلمين أوسلفيين حشدوا اصواتا ضد رفض التعديلات الدستورية مستخدمين الدين في ذلك الحشد الشعبي. بالطبع ما سأقوم بطرحه كان يمكن أن أتناوله قبيل حدوث الاستفتاء الا أن انتظاري هذا الذي قد يعتبره تأخيرا حدث بسبب أني كنت احاول أمس أن ارصد ما حدث داخل لجان الاستفتاء، وهذا ما حدث بالفعل لقد ذهبت واستمتعت جيدا دون أن ادخل في نقاشات جانبية أثناء الوقوف في الطابور الذي كان يمتد داخل المدرسة التي كنت فيها، فالبعض كان يدور حواره عن مخاوف من تغيير المادة الثانية من الدستور، وهذا التخويف ناتج من ربط العامة السياسة بالدين فإن ما يحكمنا في الواقع ليس الشرع الاسلامي على الاطلاق وهذه حقيقة يجب أن ندركها جميعا فدستور 1971 هو دستور مدني غير مستمد من أى دين سماوي على الاطلاق وكذلك قوانينه التي تتبع الدستور، فهل صلاحيات الرئيس الموجودة استمدت من الدين أم من ترزية القوانين والدساتير الذين ذاع صيتهم بشكل كبير في حكم الرئيس المصري السابق. وهل يمكن أن يؤكد الدستور على مجانية التعليم ويدخل مديري المدارس الفصول لضرب التلاميذ الذين لم يدفعوا المصاريف، وهل حق العلاج على نفقه الدولة يعني أن مئات الالاف من المصريين يموتون من الأمراض بسبب ثمن العلاج، فيما تذهب زوجة وزير الصحة الاسبق لعمل عمليات تجميل على نفقة الدولة في أمريكا، وهل يعني ذلك أن عالما جليلا مثل الدكتور مصطفى محمود لا يعالج على نفقة الدولة وأيضا الدكتور المفكر عبدالوهاب المسيري، بينما يعالج الفنان طلعت زكريا فهل هذا من الشرع أى شرع تريدون بقاءه شرع السلطة المنفردة والارادة المنفردة لفرد يتحول بصلاحياته إلى طاغوت ثم إلى حاكم ديكتاتور ثم إلى اله من الاله الذين لا يمكن عزلهم من مناصبهم الا بالدم فهذا ما حدث واقرب مثال أحداث يناير 25 و28 . هل من الشرع أن يفرج عن متهم لفقت له قضية في القضاء المدني فتحال قضيته إلى القضاء العسكري ليحاكم بالسجن والغرامة، في الوقت الذي يخرج فيه جاسوس اسرائيلي اضر مصر بشكل واضح جدا وبدون سبب مقنع. مما لاشك فيه أن نستمد القوانين من الشرائع الدينية شيء ممتاز جدا لكن في الواقع هذا لا يحدث لان ما كان يحدث هو أننا نستمد الشرعية من شريعة فرض اراد أن يستفرد بهذا البلد طوال سنوات طويلة. ما اذهلني حقا هو ما سمعته من رجل طاعن في السن يقارب عمره من الثمانين خرج من لجنة الاستفتاء رافعا صابعه المغموس بالحبر الفسفوري قائلا "لاول مرة في حياتي اشارك في الانتخابات" لتقاطعه سيدة في العقد الخامس من عمرها لتسأله وقولت "ايه يا حج".. فقال "قولت نعم طبعا.." فزهلت السيدة قائلة "قولت نعم" (وهى مستنكرة) فرد منفعلا يا شيخة حرام عليكوا.. حرام عليكوا.. انتوا عايزين تعيشوا من غير قانون".. معنى ذلك أن هذا الرجل قال نعم وهو معتقد أن رفض التعديلات الدستورية يعني رفضا للعمل بدستور من الاساس!!. لم تكن الصدمة الاخيرة التي اذهلتني الا أن الصدمة الاكبر كانت من سائق توك توك يقف على باب لجنة الاستفتاء وسال قائلا "هو نعم دي هى اللي هتخلي الريس يمشي".. فرددت عليه هو انت قولت "ايه" قولت "نعم طبعا خلينا نخلص منه بقى". هذه حالة اخري فهذا الشاب الذي لا يعرف أى شئ في حياته سوى العلاقة بين الدماغ وسيجارة البانجو والمطوة اللي في جيبه والاجرة اللي في جيب الراكب.. قال نعم معتقدا أو متيقنا أن مبارك مازال في الحكم وان هذا الاستفتاء كان هدفه أن يرحل مبارك.. ألم يرى جنديا من القوات المسلحة في الشارع.. ألم يرى دبابة في الميادين بالطبع لا.. لان للاسف يوجد عدد كبير لم ير ما نراه ولم يعرف أن مصر قامت بثورة من الاساس هذه الحقيقة نعم يوجد اشخاص لا يعرفون أن مصر قام بها ثورة وعددهم ليس بقليل على الاطلاق ولا يعرفون ايضا ان مبارك على قد تتم محاكمته قريبا. ما حقيقة عدم الاستقرار التي وجهت الغالبية العظمى للخلاص من ما يحدث حاليا في مصر في أسرع وقت من منطلق "اللاهوجة" "و"الانجاز" و"الكروته" المصرية الشهيرة.. وكأن الاستفتاء بنعم على الدستور المصري يعني أننا سنتخلص من "حظر التجول" وستعود عجلة الصناعة والمشاريع إلى الدوران السريع جدا للخلاص من حالة الارتباك التي تعيشها مصر كنتيجة طبيعية جدا في حال قيام أي دولة بثورة. فعجلة الإنتاج والدوران للأمام ستأخذ وقتا أطول بكثير، لم يكن مبارك يوما يمثل الاستقرار لمصر، ولم يكن يوما هو القائد العظيم للشعب المصري إنما كان مجرد وجهة سواء اختلفنا او اتفقنا فكان بمثابة الشكل او الاطار الذي يحدد الدولة بسبب وجوده، فإزالة هذا الإطار احدثت نوعا من الاهتزاز، وايضا حالة الديمقراطية التي نتنفسها لاول مرة في تاريخنا الذي يمتد من الانسان البدائي الاول إلى مبارك الاوحد. الاختيار كان صعبا ويذكرني بسؤال "البيضه ولا الفرخة" الحقيقة أن الاصعب سيكون في نتيجة هذا الاستفتاء الشعبي الاول الحقيقي فلا يمكن أن ازعم أن من رفضوا الاستفتاء غير مدركين لاختيارهم لكن توجد شريحة كبيرة ليس لديها الوعى السياسي الكافي وليس معنى ذلك اننا ليس قادرين على ممارسة الديمقراطية بل معناه ان واجبنا جميعا العمل للتوعية السياسية وفهم وجهة نظر الاخر وعقاب من يستخدم الدين بالسياسة ويستغل صوت الدين ليخرس صوت الحرية.. فتجارة الدين هى الاربح لكنها الاخبث على وجه الارض.