في الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول الأسود)، حدث أن قامت القوى الزملكاوية المدرعة بالنيران، والعصي، والوحشية، والطيش، والكراهية، وانعدام الأخلاق بالاعتداء على الأراضي الأهلاوية بعدما جاءت على الأخضر واليابس والكراسي والحمامات واللوحات والسيارات وبعض البني آدمين. وذلك، قبل بدء مباراة فريقي كرة اليد بين الناديين. وقد أسفر ذلك عن دمار بالديار الأهلاوية وببعض العابرين لحدودها، أو ما يركن بجانبها من حافلات وسيارات خاصة. وفي تصريحات العديد من المسئولين بالنادي الأهلي، قال جمال جبر المتحدث الرسمي ومدير الإعلام في النادي الأهلي إن صالة الأمير عبد الله الفيصل المغطاة كانت قد امتلأت ولم يكن هناك أماكن لألف أو حوالي 1500 فرد من جماهير الزمالك. فثارت الجماهير وفعلت فعلتها الشنعاء. في حين قال حمادة عبد الباري مدير فريق كرة اليد بالزمالك إن ما فعلته الجماهير كان رد فعل على منعهم من الدخول لحضور المباراة!! وبينما يحاول ذوو الجناة والمتحدثون باسم المعتدين تبريرَ ما حدث بأي كلام أجوف أخرق، لم أزل غير مستوعبة ولا يمكنني وصف ما حدث، لأن لغة الحرب والكره والبغضاء ليست في قاموسي، وإن بدا الأمر كأنه حرب فعلية تقر وتؤكد تفشي مرض اجتماعي يضاف إلى قائمة الأمراض التي يعاني منها الشعب المصري. فإضافة إلى الفتنة الطائفية، والفروق اللونية، والشكلية والطولية، والتفرقة بين أهل وجه قبلي ووجه بحري، وجنون عظمة القاهري، وعقدة نقص الإقليمي، وبين خريجي جامعات الاي.يو.سي والجي.يو.سي وخريجي السي.يو (جامعة القاهرة سابقاً)، أصبحت لدينا فتنة رياضية بين الزملكاوية والأهلاوية، والإسماعلاوية والأهلاوية!! وتصل الفتنة الرياضية إلى حد انتهاك الحرمات بالإيذاء اللفظي البذيء، والتعدي بالفعل كما حدث قبل المباراة، بل أضاف البعض أن المعركة كان لها شوط إضافي في شارع البطل أحمد عبد العزيز بين ألتراس الزمالك والأهلي بالأسلحة البيضاء!! ما هالني فعلاً بعدما رأيت صوراً وتصويراً لآثار العدوان، أن تظل ظلال الحرب ممتدة في الشوارع، والعمل، والفيس بوك، وحالة من التشفي والتحفز والتنمر غير عادية تدعو لنشوب خناقة بين سائق الميكروباص وأحد الراكبين، ولم تهدأ حتى جنحت السيارة من السائق فصرخت. وتجعل أحد المارة الذي بدا موظفاً وليس مجذوباً ولا هارباً من العباسية، يمر بين الناس وهو يوجه له نظراته المستفزة والمتحدية صائحاً بطريقة مستفزة: "جالك يوم يا ظالم.. جالك يوم يا أهلي". أما في الفيس بوك، فمن ضمن معارفي كاتب كبير محترم زملكاوي. كان من ضمن نشاطاته أن اقتطف أبياتاً لا تعني أي شيء له علاقة بالأهلي أو الزمالك أو الرياضة عموماً، ولا لمعاني الانتماء والهوية الرياضية. بل بمنظور للحياة يدركه أهل الأدب والفلسفة والفكر. فإذا بأحد العابرين يشكره على تحطيم نادي الأهلي ويدخل الآخرون ليسجلوا إعجابهم (Like)!! وبينما يبدأ الفريقان في الهجوم والدفاع، وبينما يعلو صوت الزيف والتبرير الأحمق أتساءل أنا عن مصيرنا كشعب صار نموذجاً سيئاً في كل شيء، وعن دور الرياضة وكيف تتحول في مصر من نشاط إنساني يرقي النفس ويهذبها إلى العكس. ويؤرقني اليوم سؤال آخر وسيؤرقني إلى أن يقضي الله أمراً أدعو أن يكون خيراً، هو كيف نرغب في التغيير السياسي، وسوس التردي الأخلاقي ينخر في قلوبنا؟ كيف أمكننا أن نصبح أمثولة يضرب بها المثل في الوطن العربي على انعدام الأخلاق والتحايل والكروته وكل سوء؟؟! وأتعجب من الازدواجية التي تجلعنا نضع معياراً لغيرنا يختلف عن ذلك الذي نضعه لأنفسنا كنوع من التعالي والمحاباة. مما يجعل أي عاقل يعيد النظر لما حدث في مباراتنا مع الجزائر. لماذا لمنا الجزائريين ووصفناهم بالبربر وقد جئنا بنفس ما فعلوه وضد أنفسنا؟! ولكي يكون كلامي أوضح، ستلاحظ أيها القارئ المصري أيا كانت هويتك الرياضية أنني لم أهتم بتفاصيل ما حدث والفاعلين وعددهم والإجراءات التي اتخذت ضدهم. إنما الحدث الكارثة المفزع ذاته فلا أجد أي مبرر له. ومع أني معارضة، أقول تباً للمتشنجين الذين يرون أن سوء النظام الحاكم له عدوى سرت في الشعب. وتباً للقول إن الحالة الاقتصادية والتعليمية والصحية والبلالية هي السبب. طيب.. هل غياب القانون والجهل هو السبب؟ وماذا عن القانون الإلهي؟ وماذا عن أسس الأخلاق التي لا تخضع لتصنيفات دينية وعرقية ولونية ورياضية؟ وعندما حبب الله إلينا الرحمة واللطف ودعانا لكل جميل، أكان يشترط سبحانه أن نقبض راتباً مجزياً، ولنا سكن في القطامية، وحياة ميسورة، وصحة حديد؟ ولماذا لا تقوم الرياضة لدينا بوظيفتها السامية؟ أذكر وأنا أطرح هذا التساؤل الاستنكاري الفيلم الرائع "معجزة بيرن" والذي تناول ما استطاعت ألمانيا تحقيقه في بطولة العالم لعام 1954 التي فازت بها رغم أنها كانت لا تزال تعاني من آثار الحرب العالمية الثانية. ألا يمكن أن نصنع بأنفسنا ولأنفسنا معجزة؟؟! في اصطباحته، كتب الأستاذ بلال فضل منذ عدة أيام مقتطفات من كتاب "مواطنون لا ذميون" للكاتب الكبير فهمي هويدي، وفي الكتاب تذكير بشرع الله ورسوله في التعامل مع إخوتنا من الأديان الأخرى، وعلاج ناجع للطائفية التي على وشك أن تفتك بنا. ولكن بعد ما حدث، أتساءل أكان لزاماً على الأستاذ فهمي هويدي أن يستشرف ما يحيط بنا -ومنا وبسببنا- الآن ليكتب عن كل أنواع الطائفية والفتن التي نتفنن في التمادي فيها والتشبث بأسبابها التي اختلقناها؟؟! نشرت المقال في صفحتي على الفيس بوك ولو استطعت لاشتريت الكتاب ووزعته على كل من يقرأ، ولسجلته بصوتي ووزعته في سيديهات على من لا يقرأون. وكذلك كانت أمنية بلال فضل أن يقرأه كل مسلم ومسيحى قبل وقوع الكارثة. ولكن الآن، أرجو أن يقرأه كل مسلم ومسيحي وزملكاوي وأهلاوي وإسماعيلاوي لعلنا نتدارك أنفسنا قبل أن يأتي وقت يبدو قريباً جداً يصبح فيه أن تكون أهلاوياً أو مسيحياً أو أي إنسان له ما يفضله -وكلنا لنا ما نفضله!- يعني أن ترتدي بدلة حديد ونظارة بعدسات مصفحة حتى لا تفقأ الحجارة عينيك وأن تؤمّن على سيارتك وبيتك، وغداً... روحك!! ولعلنا ندرك أننا نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا ومصرنا عيبٌ سوانا. **************