من يحلم يوماً بمصر أن تتغير، ليس تغييرا سياسيا بالمعنى الدارج في أذهان العامة ممن يسمعون كلمة التغيير فيتبادر إلى أذهانهم مبارك الأب والابن والمعارض الشهير أيمن نور، حتى تصل عقولهم إلى البرادعي الذي عاد بعد سنوات الطويلة من الحياة بالخارج وشاهد دولاً تقدمت بعد أن كانت تعيش في الظلام الدامس من التخلف والبيروقراطية والقهر وكافة أنواع الظلم سواء كان ذلك في السجون بالداخل أو في الشوارع. لم تكن الأحلام يوما حكرا على أحد بل هى حرية العقل في التخيل دون البوح بأسرار هذا التحرر العقلي الذي يمتاز به الإنسان في كافة المشاكل والموضوعات التي تجوب بداخله، فالخطب والشعارات والهتافات لم تأت في يوم ما بتغيير حقيقي على الإطلاق إلا أنها تأتي دوماً بفوضى عارمة وصراخ وعويل بين من هم مع ومن هم ضد. التغيير الذي نأمل فيه جميعاً - ولا أجعل الكلمة تقتصر على التغيير السياسي فقط -أن يكون تغييرا تنمويا في المرتبة الأولى يكمن من داخل كل منا في أن نحترم أنفسنا ونحترم معتقدات وأفكار وأحاسيس الآخر، وألا نتزاحم على طوابير الخبز لنلقي نصف ما نشتريه للفراخ أو في القمامة، التغيير أن تصبح إنساناً ناضجاً لديك القدرة على حل المشكلات وليس أن تصبح مدبراً للمكائد والفتن والأسافين للآخرين. التغيير الذي آمله أن يكون نابعاً من داخل كل منا، ألا نلقي القمامة في وسط الشوارع، أن نحافظ على تراثنا ولغتنا التي تحولت بقدرة قادر إلى كلمات تكتب بالأحرف الإنجليزية أو صور تسرق من على صفحات الانترنت ونهين بها بعضنا البعض أو نتبرج لنكون أشبه بالأوروبيات ونتعرى لنكون كلاس دون إدراك أن ما نفعله مخالف لكل سلوك إنساني حر. أن نتغير للأفضل بأن نكف عن ذل بعضنا لبعض وأن نكف عن الرشى المادية أو العينية.. أن نتوقف عن إفساد العالم المحيط بنا بالتلوث وتعطيل حركة المرور، ونتخلى قليلاً ثم كثيراً لنصل إلى أقصى درجة عن البرود الذي أصبح سمة أساسية للغالبية العظمى. من منا لا يحلم بحديقة يتنزه فيها هو وأبناؤه وأصدقاؤه وأن يجلس في مكان نظيف.. ومن منا جعل المكان المحيط به نظيفاً حتى ولو لم يكن هذا دوره.. من منا كسّر القيشاني الخاص بحمام منزله لتركيب السيراميك وألقي به في الشارع ليتحول مع مرور الأيام لمطب صناعي. التغيير الحقيقي الذي نتمناه ينبع من داخل سلوكنا الذي هو نابع من معتقداتنا وعقائدنا الدينية الراسخة من الكتب السماوية المختلفة ليصبح سلوكا ناضجا معبرا عن غنى نفسي يجب أن يكون راسخا بداخلنا. فلنتخلى جميعا عن الفهلوة .. فكم موظف رأيته متكاسلا عن القيام بعمله او نائما على مكتبه وذقنه طويلة وملابسه رثة أو غير مهندمة، المشكلة ليست في أنه يتقاضى راتبا قليلا فقط بل في أنه ايضا لم يطور من مهاراته.. كم مرة استمعنا إلى رجل دين لا يحمل في عقله غير الهجوم على كل ما هو حديث ومتطور في الوقت الذي يأخذ العالم كله من كل جديد لتكون الحياة أكثر يسراً وأفضل وتتطور. كم مرة سمعت كلمة "لا ده حرام" بالرغم من أنه لم يكن محرما، لا بنص حديث أو نص قرآن أو في أى كتاب سماوي، فمن بين الثمانين مليوناً نجد 40 مليون حكم كروي و40 مليون مخرج سينمائي و80 مليون واعظ ديني.. كم مرة عبرت الطريق من غير المكان المخصص للعبور، وكم مرة تخطيت السرعات المقررة، فالالتزام لا يمكن أن يكون جزءاً من كل، بل هو أجزاء متراكمة تجتمع جميعها في كل شئ من سلوكنا اليومي الذي استمر لعشرات السنين في الاضمحلال لنصل إلى الهاوية.. حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم. الهم ثقيل، لأننا لا نسعى إلى أن نصبح أفضل، فلن يأتي احد ويغير لك الدنيا بين ليلة وضحاها، وإن حدث فإننا سنعيد إفسادها لأننا لم نتغير من داخلنا.. فلو اهتم كل منا بعمله وأتقنه لكانت الأزمات خفت عن ظهورنا، لو تابعنا ما نفعله يوميا من فساد يندرج تحت بنود الفهلوة والأونطة لكان وضعنا انصلح، فالفساد مما لاشك فيه ينبع من داخل كل منا. فإن الله عز وجل قال :"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فهو عز وجل قادر على أن يغير ما بداخل الأمم في لحظة، إلا أنهم لن يستمروا على هذا التغيير لأنهم سيعودن إلى ما كانوا عليه مرة أخرى. الحياة الكريمة التي نبحث عنها جميعاً ما هى إلا تراكم لخبرات وثقافات يجب أن تنبع من التعاون الثري بين مختلف طبقات المجتمع فحلول المشكلات لا تأتي على طبق من ذهب بل تحتاج إلى جهد كبير يتحمله الجميع وليس فرداً واحداً، نأمل في أن يكون لدية طوق النجاة لينقذنا جميعا. لن أجعل هذه الفقرة الأخيرة نهاية، بل هى بداية لي ولكل من يقرأ هذه المقالة لنقف مع أنفسنا ونغير ما فيها من عيوب.