لما كان من مقررات ديننا الحنيف أنه لَيْسَ أحدٌ فَوق أَن يُؤمر بتقوى الله، وَلَا أحدٌ دون أَن يَأْمر بتقوى الله. يأتى حوارنا هذا مع شيخ الأزهر من باب الإعذار إلى الله تعالى: "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (الأعراف: 164) فنقول وبالله التوفيق: لأن توافيك الساعة وأنت من المصلحين، خير من أن توافيك وأنت من المفسدين أو من أعوان المفسدين، وقد قال تعالى: "وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الأعراف: 142). اعْلَمْ أَنَّ أَيَسْرَ مَا ارْتَكَبْتَ وَأَخَفَّ مَا احْتَمَلْتَ أَنَّكَ آنَسْتَ وَحْشَةَ الظَّالِمِ، وَسَهَّلْتَ سَبِيلَ الْغَى بِدُنُوِّكَ مِمَّنْ لَمْ يَؤَدَّ حَقًّا، وَلَمْ يَتْرُكْ بَاطِلًا حِينَ أَدْنَاكَ، اتَّخَذُوكَ قُطْبًا يَدُورُ عَلَيْكَ رَحَى بَاطِلِهِمْ، وَجِسْرًا يَعْبُرُونَ عَلَيْكَ إلى بَلَائِهِمْ وَسُلَّمًا يَصْعَدُونَ فِيكَ إلى ضَلَالِهِمْ، يُدْخِلُونَ الشَّكَّ بِكَ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَيَقْتَادُونَ بِكَ قُلُوبَ الْجُهَلَاءِ، فَمَا أَيْسَرَ مَا عَمَّرُوا لَكَ فِى جَنْبِ مَا خَرَّبُوا عَلَيْكَ. وَمَا أَكْثَرَ مَا أَخَذُوا مِنْكَ فِى جنب ما أعطوك، وما أقل ما أصلحوا لك فى جنب مَا أَفْسَدُوا عَلَيْكَ مِنْ دِينِكَ، فما يٌؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِى آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الأعراف:175- 176). فإنك تُعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شىء فى الأرض ولا فى السماء. إنّ عهد الله كان مسئولا، وما أخذه على أنبيائه ورسله وملائكته وحملة عرشه من أيمان مغلّظة وعهود مؤكّدة، ومواثيق مشدّدة، على أن الرعيَّة تسمع وتُصغى للراعى، وتُطيع ولا تعصى، وتعتدل ولا تميل، وتستقيم ولا تحيد، وتفى ولا تغدر، وتثبت ولا تتغيّر، فى الصحيح ".. وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» (صحيح مسلم كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَابُ فَضْلِ الْوُضُوءِ). وفى هذا الكتاب الخالد: "وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ" (الأعراف: 170) أمام هذه الآية الكريمة موقفك مع سلطات الانقلاب تُمَسِّك بالكتاب وتَتَمَسَّك به أم موقفك فيه تفريط فى الكتاب؟! "وَلَا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ" (هود: 113) مع هذه الآية أين أنت من توجيهها؟ هل انتهيت عن الركون إلى الذين نقضوا العهد ونكثوا أيمانهم فظلموا، أم كنت ركنا من أركانهم؟ "وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَى الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً" (طه: 111) "رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَى فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ" (القصص: 17) أتكون ظهيرا وسندا لهؤلاء القتلة للحرية والجناة على الكرامة الإنسانية بل على الشرعية؟! أتتعاون مع من لا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، ولا سيما فى حقدهم على الحاكم المسلم، وسعيهم فى إقصاء الإسلام عن منصة الحكم والسياسة والقضاء لدولة 90% إن لم يكن 95% من شعبها مسلمين؟ أهذا الاجتماع المشئوم وأنت تُجاور من لا يدينون دين الحق، من التعاون على البر والتقوى، أم من التعاون على الإثم والعدوان؟ وقد نهاك الله تعالى عن الأخير ودعاك إلى الأول فقال فيما تحفظ "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة: 2). لقد قلت يوم الاجتماع المشئوم فى تبريريك لموقفك الخاذل لِقُوى الحق وجنده، إن دوافعك هى احتمال أخف الضررين لدفع أعظمهما، وحقن الدماء , فما الذى أسفرت عنه الأيام التالية؟!، أصدَقَتْ فراستك؟ وصحَّت ظنونك؟ ونجحت مخايلك، وتحققت عِيافتك، أم خَابَ الظنُّ، وحَادَ التوَهُّم، وانحرف الحَدْسُ، ومال التخرُّص، لعل الجوابَ الصادقَ، والخبرَ اليقينَ الذى لا يُجادلُ فيه اثنان، ولا يتناطحُ عليه عنزان، أن الأمر على غير توقعاتك، لقد سالت دماء معصومة -وما زالت- وأُزهقت أرواح بريئة -وما برحت- الصورة أبلغ من كل مقال، جثث محترقة، أشلاء ممزقة، كل ذلك تحت غطاء من حضورك أو إحضارك الاجتماع المشئوم و"سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" (الزخرف: 19)، فالآن يا شيخ الأزهر: فهلا راجعت نفسك ورجعت إلى الحق والصواب؟ لتكون من الذين ".. إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا" (الفرقان: 73) وإنما: "إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" (السجدة: 15) أم تُصرُّ على موقفك، وترى أنَّك مَنْ لا يَبْطل له ظن، ولا يَكْذِب له توهُّم، ولا يَضْمحل له تَفَرُّس، ولا يبخس له توهُّم، ولا ترتد إليه بغير صدق مخيلة، ولا تعود إليه بلا تحقيق محسبة، فظنونه صحيحة، ومخائله نجيحة، وفراسته صائبة، وقيافته صادقة، وعيافته محققة، فتكون من الذين ".. إِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ" الصافات: (13)، وعندها لا أحد أظلم منك، لقول تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِى مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إلى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا" الكهف: (57) "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ" السجدة (22). يا شيخ الأزهر: هلَّا –كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه- لأبى موسى الأشعرى- :... رَاجَعْتَ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لَا يُبْطِلُ الْحَقَّ شَيْءٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التمادى فِى الْبَاطِلِ". وهو عين ما يقوله لك علماء الأزهر بل أبناء مصر، بله أبناء الأمة الإسلامية وأحرار العالم الرجوع إلى الحق فضيلة وخير من التمادى فى الباطل. ولا يخفى على أمثالك أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، أتتغير الفتوى ولا يتغير الرأى والقرار؟! يا شيخ الأزهر: لقد وقع الناس فى حيرة من أمرهم، فى الداخل والخارج، مصريا ودوليا، من الأزهر الشريف، فشخصك -لا مشيخة الأزهر- تقول بأن ما حدث فى مصر ليس انقلابا، بينما مستشارك –والمستشار مؤتمن كما فى الحديث- يقول إن ما حدث فى مصر انقلاب مكتمل الأركان، وشواهد الأيام وأحداثها كلها تُؤكد ما نطق به فم مستشارك فى الداخل والخارج، ولا يُنكر ذلك إلا مكابر أو أعمى البصر والبصيرة. يا شيخ الأزهر: الذى تولى كِبر هذا الانقلاب؛ طلب نزول الشعب إلى الشوارع ليكون ذلك بمثابة تفويض له لمواجهة –زعما- وأنت من خير من يعلم أن مصطلح الزعم فى القرآن إنما يكون فى الكذب والزور –العنف والإرهاب– فانبرى شخصك مسرعا مؤيدا لهذا الطلب، مع ما يترتب عليه ومع ما فيه من مخاطر ومخالفة وخطأ وخطيئة، بينما مستشارك أصدر بيانا أنكر فيه بل دعا إلى عدم الاستجابة لهذا الجنون، والجنون فنون. والحق بلا شك قد كان مع ما نطق به فم مستشارك، فعَكَسَ هذا التناقض بين موقف ورأى شخصك، وموقف ورأى مستشارك، لعدم صدور ما يصدر عن الأزهر عن رأى جماعى وتشاور، أقول عَكَس هذا التناقضُ ما تعيشه أكبر مؤسسة إسلامية سُنية على مستوى العالم من تخبط واضطراب وعدم وضوح رؤيا فى المشهد وما يجرى على الساحة من أحداث. وقد شهدت الأيام بحكمة وصواب رأى مستشارك فى الموقفين، واليقين بأن ما حدث فى أرض الكنانة إنما هو انقلاب -شهد وأقرَّ بذلك الأعداء قبل الأصدقاء- وكان النزول والتحاكم إلى الشوارع –لا الشارع سبحانه وتعالى- إنما هو ذريعة إلى سفك دماء معصومة، وإزهاق أرواح بريئة وما زالت. فهلا تراجعت؟! وهو تفويض شوارعى لا شرعى، ولا دليل عليه من قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْى لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ. هذا وبالله التوفيق، وللحديث بقية بحول الله وقوته، ومنه وحده العصمة من الخطأ والخلل والزلل فى القول والعمل.