الوصية الخامسة فلنحذر الإعجاب بالنفس ولننسب النجاح لله إن سبب كل نجاح يحققه العبد هو الله. هذه هى الحقيقة، فلولا الله ما صلينا، ولا صمنا، ولا تصدقنا، فلا طاقة لأحد منا أن يقاوم هوى نفسه التى تضغط عليه دوما لتحصيل الشهوات وترك الواجبات، لذلك فمن العدل أن ننسب كل نجاح نحققه لصاحبه الحقيقى وهو الله، وكل إخفاق لأنفسنا: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] وكما جاء فى الحديث القدسي: "يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" [رواه مسلم]. ومن الضرورى أن تستبد بنا هذه الحقيقة، وأن تصطبغ بها كلماتنا وشعاراتنا. ولكن هل من الممكن تطبيق هذه الوصية بسهولة؟! الجواب: لا، لأن النفس تريد دوما أن تُحمد على كل نجاح، وأن تضيف كل إنجاز لحسابها وهو ما يعرف ب"العُجب" لذلك فإن من أخطر ما يواجه العبد هو هذا الداء، وهو من المهلكات لأنه يُعرِّض المرء لغضب الله.. قال صلى الله عليه وسلم: "فأما المهلكات فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه" وفى رواية قال: "وهى أشدهن" [صحيح الجامع: 3045]. والعجب يمثل عقبة رئيسة فى طريق النصر، لأنه يضاد الإخلاص: إخلاص الاستعانة بالله، وينحرف بالمرء عن طريق العبودية، وبدلا من أن يفرح بربه ويحمده على إنجاح العمل إذا به يفرح بنفسه ويحمدها، من هنا ندرك كيف أن الإعجاب بالنفس يمثل سببا رئيسا فى تأخير النصر وتذوق مرارة الهزيمة، وقد مر بنا حديث النبى الذى أعجب بجنده وعددهم وقوتهم، فعاقبه الله عز وجل، وهذه سنة شرعية ينبغى على العبد أن يؤمن بها، وأن يضعها نصب عينيه، ما أعجب عبد قط بما عنده من قوة أو جاه أو مال أو سلطان إلا عاقبه الله وعاقب من معه، ولو كان فيهم سيد الخلق، وخيرة الصحابة، وليس أدل على ذلك مما حدث فى بداية غزوة حنين: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } [التوبة: 25] ومن مظاهر الإعجاب بالنفس التى يمارسها البعض وتضر بالكل هو الحديث عن النفس بما يزكيها والإكثار من استخدام ألفاظ: "أنا"، "لي"، "عندي"، "رأيي"، "خبرتي"، "توقعاتي".. فإن كان ولابد من الحديث عن النفس فعلينا أن نرفق ذلك بالحقيقة وهى إعانة الله وتوفيقه، فمثلا نقول: بعون الله وفضله فعلت كذا، الله أكرمنى وقلت كذا، الله عصمنى ولم أفعل كذا.. إلخ. ولقد ضرب الله عز وجل أمثلة كثيرة فى القرآن لمن رأى نفسه، وعمله، وإمكاناته، ونسى أن كل ذلك من عند الله، إن شاء وهبه، وإن شاء منعه، كيف سخط الله عليهم، ومن ذلك ما قال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِى فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)} [الزمر: 49 - 51].