فتيات ونساء عشقن الشهادة فى سبيل الله ونصرة للدين والوطن أكثر من الحياة، أدركن أن للحرية ثمنا غاليا لا بد أن تدفعه الشعوب فسطرن بدمائهن قصة شهادة وصمود وطريق إلى النصر الذى حتمًا سيتحقق لتعود الشرعية وينكسر الانقلاب.. أبين أن يرحلن عنا فى صمت دون تذكرة تكلل إخلاصهن وحبهن للوطن، فكانت آخر كلمات لهن قبل الرحيل على أيدى ميليشيات الانقلاب العسكرى الدموى دافعًا إلى عدم خذلان هذه الدماء أو التنازل عن مسار الشرعية. ذلك المشهد الموجع لعيون زرقاء باهته تفتح فى بطء، تغمض عينيها من شدة الألم وتعيد فتحها مرة أخرى، تبتلع ريقها بصعوبة وهى تتمتم بإيقاع منتظم "آه، آه، يا رب، يا رب".. كانت تلك آخر لحظات فى الحياة للشهيدة أسماء البلتاجى التى لم يتجاوز عمرها 17 عاما بعدما تعرضت لرصاص قناص مجرم أثناء مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 أغسطس الماضى؛ ما أدى إلى استشهادها وارتقائها لتشكو إلى الله ما حدث لها وللوطن بأكمله على أيدى الانقلابيين الدمويين. "الإرهابية" الصغيرة كانت تتمتع بروح وثابة، مهتمة بالسياسة، وتتناقش كثيرا مع والدها الدكتور محمد البلتاجى –عضو المكتب التنفيذى لحزب الحرية والعدالة والقيادى بالتحالف الوطنى لدعم الشرعية ورفض الانقلاب- وتحب القراءة جدا، وأصرت يوم فض الاعتصام أن تقوم وتتوضأ رغم صعوبة الوصول لمكان المياه. "مليون سبب وسبب يخليك متسبش الشارع إلا وأنت منتصر أو ميت فينا اللى نازل وهيرجع، وفينا اللى نازل وهيرجع على المعتقل، وفينا اللى نازل ومش هيرجع للحياة تانى.. لن الكل نازل علشان الوطن ده يرجع من غيابه المختطف فيه حق اللى ماتوا واللى اتحرقوا، ومصير اللى هيموتوا واللى هيتحرقوا، وأحلام جيل عمره اتسرق، ودموع أمهات وزوجات وبنات، ويُتم أطفال، وحرقة قلب آباء وأحباب، وقهر رجال، وفقر المسحوقين، وتسلط أبو بيادة وبدلة ميرى على رقاب الخلق وكرامتهم وإنسانيتهم".. الكلمات السابقة كانت آخر ما كتبت الشهيدة رفيدة محمود سيف -18 سنة- طالبة بالفرقة الثانية بكلية الصيدلة قبيل استشهادها بساعات وذلك عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك". كانت رفيدة تفضل دائما أن تدعو قبل المشاركة بفعاليات مناهضة للانقلاب قائلة "يا رب امنحنا القوة والعزم والثبات، وصحح توجهنا وحسن نوايانا وأجبرنا، فإنا مكسورون وقوّنا فإنا ضعفاء، ولا تكتب علينا فتنة فى حياة أو موت وعجل بفرجك ونصرك". وفى مشهد مخز للإنسانية كلها تم قنص الفتاة الصغيرة بواسطة ميليشيات الانقلاب العسكرى يوم الأحد 6 أكتوبر الماضى، أمام شارع الجمهورية أثناء فعاليات المسيرة السلمية المؤيدى الشرعية بمحافظة بنى سويف. "لا تتحدونا نحن الشهادة أسمى أمانينا".. هذه الكلمات كانت آخر ما سطرته الشهيدة هالة أبو شعيشع (17سنة) أو أميرة المنصورة كما أطلق عليها مؤيدو الشرعية بعد ذلك، وهى الفتاة التى دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن استشهدت فى مظاهرات تأييد الشرعية ورفض الانقلاب العسكرى، بجمعة "كسر الانقلاب" بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، بعد أن اغتالها مجموعة من البلطجية التابعين لأحد قيادات الحزب الوطنى المنحل وأحد قيادات الشرطة بعد حصارهم لمجموعة من النساء فى مسيرة رافضة للانقلاب خرجت عقب صلاة التراويح. وكانت الشهيدة هاله تحفّظ الأطفال القرآن الكريم بمركز ابن لقمان وتحرص على أن تعلمهم السلوكيات والآداب العامة، وتميل للتطوع فى العمل الخيرى بلجنة أمناء الأقصى. وتقف الكلمات عاجزة أمام شهيدة الروحين، الداعية أسماء صقر والتى استشهدت بروحين فالروح الأولى روح صاحبة الاستشهاد والروح الثانية روح مولودها الثالث التى كانت تحمله فى رحمها فى شهره الثالث. كانت تتوق للشهادة التى طغت عن مشاعر الأمومة؛ فكتبت فى وصيتها قبل أن تصيبها رصاص غدر ميليشيات الانقلاب الدموى بمجزرة فض اعتصام رابعة العدوية: "برغم أمومتى لطفلين، أعتبرهما هبةً من الله تعالى أحببتهما حُبًّا شديدًا لا يعلمه إلا الله، لكن حبى للقاء الله كان أقوى وأشد، فها هما طفلاى أودعتهما أمانة عند بارئهما، وكلّى اطمئنان بأنه عند الله لا تضيع الأمانات، وأعلم أن عنايتى بهما ستُعوَض بعنايةٍ إلهية". هشام: مش عايزة أبقى عروسة فى الدنيا أنا عايزة أروح لربنا أما الشهيدة هند هشام كمال 20 سنة والتى أصيبت برصاصتين بمجزرة فض رابعة فقد هند أرادت من الله أن تزف وتتزوج بالجنة، فكان آخر ما كتبته "أنا مش عايزة أبقى عروسة فى الدنيا أنا عايزة أروح لربنا". وتلك الحبيبة، حبيبة أحمد عبد العزيز الصحفية بجريدة "إكسبريس" الإماراتية والتى جاءت من الإمارات فى إجازة العيد لتشارك مع الآلاف من مثيلاتها الأحرار فى الثورة على الانقلاب العسكرى، وهى التى رفضت العودة، وقررت الصمود مع معتصمى رابعة العدوية لتعبر عن رأيها وإرادتها، وتنقل الواقع المصرى ونبض الميادين إلى الرأى العام بالكاميرا التى تحملها فى يديها، فى الوقت الذى تغافلت فيه وسائل الإعلام المصرية عن أداء دورها، وقررت تزييف الحقائق لصالح أجندة سلطات الانقلاب. وأثناء تغطيها لفض اعتصام رابعة العدوية صباح الأربعاء 14 أغسطس الماضى، توعدها أحد القناصة بالقتل إن لم تغادر وتترك الكاميرا، وتقول إحدى صديقاتها ممن شهدوا الواقعة إن الرصاص انهمر عليها كالمطر، واستحلفناها أن ترجع لكن حبيبة كانت تتقدم بكاميرتها المحمولة، فعاجلها القناص برصاصاته.