كشف خبراء أن النخبة العلمانية في مصر بعد أن فشلت في جميع الانتخابات والاستفتاءات، ولم تقدم شيء للمجتمع على جميع المستويات، قامت بالانقضاض على السلطة والشرعية عن طريق الانقلاب بهدف إقصاء التيار الإسلامي من الحكم، وأن جميع ما يجري الآن من ترتيبات منها تعديلات نصوص دستورية وقانونية تستهدف تثبيت هذا الوضع المفروض على الشعب، لتكشف حقيقة فكرها القائم على الإقصاء وما تعانيه مما وصفه الخبراء ل"الحرية والعدالة" من فوبيا الإسلاميين والقيام بمنعهم من المنبع لضمان عدم عودتهم مجددا بأي شكل وبأي طريقة. وتكشف تعديلات دستور الانقلاب تناقضات ما يسمى "التيار المدني" وحجمه بالشارع وأنه يدرك جيدا أنه بلا شعبية أو شرعية أو جذور مجتمعية لذا يفرض نفسه فرضا على غير إرادة الشعب المتمثلة في اختيارات تم الانقلاب عليها لفصائل اختارها الشعب بخمس استحقاقات انتخابية. كذلك أداء لجنة تعديل الدستور المعينة من سلطة الانقلاب تكشف الاتجاه للإقصاء التام لتيار الإسلام السياسي، وفرض علمنة الدولة. فقد تم إقرار فكرة حظر الأحزاب على أساس ديني، ولم يكتفوا بذلك بل هناك دراسة داخل "اللجنة" –لجنة دستور الانقلابيين-بناء على مقترح تقدم به حسين عبد الرازق ممثل حزب التجمع اليساري بحظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية، وهو مقترح خاضع للمناقشة بقوة الآن داخل اللجنة، مما يترتب عليه ليس فقط إقصاء فكرة الإخوان المسلمين بل إقصاء جميع ما يسمونه ب"أحزاب تيارات الإسلام السياسي وذات المرجعية الإسلامية" بما فيها حزب الوسط وحزب النور وغيرها، ويأتي هذا الاتجاه لتأكيد علمنة الدولة وضمان ذلك لأقصى درجة. وحين سئل محمد سلماوي عن أن هناك أحزاب ذات مرجعية دينية بأوروبا فأكد سلماوي- خلال مؤتمر صحفي بمجلس الشورى– أن فكرة وجود أحزاب ذات مرجعية دينية في أوروبا مردود عليها بأن تلك المرجعية في أوربا تختلف عن الوضع الموجود في مصر، ولم يفسر هذه الاختلافات. أيضا فيما يخص النظام الانتخابي لم تصل "لجنة الخمسين" المعينة من سلطة الانقلاب لرؤية ثابتة حول النظام الانتخابي بعد الحيرة التي أصابت أعضاء اللجنة في كيفية الوصول لنظام انتخابي يعمل على تمكين ما يسمى ب"التيار المدني" بالانتخابات القادمة وإقصاء ما يسمونه بتيار الإسلام السياسي وعلى رأسه الإخوان المسلمين. وبالرغم من سرية انعقاد اللجان الفرعية وعلى رأسها لجنة نظام الحكم إلا أن التصريحات الصحفية والخاصة والتي أدلى بها أعضاء اللجنة تكشف أن السؤال الأهم الذي يبحثون له عن إجابة هو كيفية الوصول لنظام انتخابي يبعد الإخوان المسلمين بالاسم في الانتخابات القادمة، وجاء في تصريحات بمناظرة أجرتها لجنة نظام الحكم حول ما هو الأصلح للنظام الانتخابي، بين الدكتور عمرو الشوبكي، مقرر اللجنة، والدكتور محمد أبو الغار، عضو اللجنة، حول نظام الانتخاب المقرر وضعه بالدستور، لاختلاف وجهات النظر حول اختيار شكل الانتخاب بين النظامين الفردي والقائمة يوم الاثنين 23 سبتمبر، وتمسك فيها د.عمرو الشوبكي بفكرة النظام الفردي وكان تبريره لها أن الأحزاب المدنية لن تستطيع أن تحصل على أغلبية باسمها في نظام القوائم المعتمد على الأحزاب. بينما قال د.محمد أبو الغار أن الإخوان سيحصلون على أغلبية مطلقة بالنظام الفردي بما لديهم من أرضية بالشارع ورموز. والأقوى من ذلك اتجاه لجنة خمسين الانقلابيين لإقصاء كل ما هو مرتبط بإضافات دستور 2012 حول فكرة إسلامية الدولة ومن ضمنها الإصرار على حذف المادة 219 وحذف كلمات "فيما يخالف الشريعة" فيما يخص مواد حقوق المرأة والحقوق بشكل عام. والنص على كلمة "مدنية" حيث أنه حتى الآن تم إضافة كلمة المدنية من قبل "لجنة المقومات الأساسية للدولة" بالمادة الأولى للدستور بما تحمله من مصطلح ومعنى أوروبي وغربي، ومادة "المدنية" تم إقرارها بالفعل وذهبت للجنة الصياغة. من جانبه أكد د.عبد السلام نوير أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط أن إقصاء الإسلاميين كان هو الهدف الأساسي الذي قام من أجله الانقلاب وهو التوجه العام القائم الآن وكل ما يجري من ترتيبات دستورية أو قانونية هو لضمان عدم عودتهم للسلطة مرة أخرى بشتى الطرق. وقال إن النخبة التي تسمي نفسها ب"المدنية" لا تريد دخول انتخابات في وجود إسلاميين وتيارات أحزابهم لأن أحزاب التيار الإسلامي خاضوا خمس استحقاقات انتخابية حرة ونزيهة ونجحوا فيها وحققوا أغلبية بإرادة الشعب الحرة، أما ما تسمى بقوى "التيار المدني" كانت تعلم جيدا فشلها في جميع الانتخابات السابقة لأنها لا تملك أرضية شعبية وهو ما تيقنت منه أيضا من فشل قادم فقامت بالانقضاض على الشرعية والإرادة الشعبية وأهدرتها، باستدعاءها للعسكر، وكل ما يجري الآن ترتيب قانوني واسع يحافظ على الوضع الانقلابي الجديد لضمان خوضهم وحدهم للساحة السياسية والانتخابية وضمان عدم عودة التيار الإسلامي بأي انتخابات قادمة وضمان استمرارية الوضع القائم. وكشف "نوير" ل"الحرية والعدالة" أن القضية بدأت مبكرا فما يقوم به الآن "أدعياء المدنية" يخالف ويتناقض مع كل ما كانوا يطالبون به من ليبراليين ويساريين وتيار مدني طوال عهد مرسي وعند إعداد دستور 2012 ، فهؤلاء يقومون الآن بعكسه على طول الخط بعد أن صدعوا رؤوسنا بالتوافق وعدم الإقصاء يمارسون هم الإقصاء بامتياز منذ اللحظة الأولى للانقلاب وما ترتب عنه من لجان معينة غير شرعية لتعديل الدستور المستفتى عليه شعبيا، وكل ما يجري الآن من ترتيبات تستهدف الإقصاء التام كاتجاه عام ضد جميع قوى تيار "الإسلام السياسي" وانكشف ذلك من تصريحات سلطة الانقلاب بأنها قامت ضد مرسي لأنه كان يريد تأسيس حكما إسلاميا رغم أنه يعكس إرادة واختيار الشعب، مما كشف أن الخلاف لم يكن على سياسات حكمه بل على توجهه العام. وأوضح أن هذه الممارسات سواء بلجنة دستور الانقلاب أو غيرها وجود فوبيا من عودة الإسلاميين تعاني منها نخبة أدعياء المدنية ولذلك تستهدف وضع دستور يمنع عودة الإسلاميين للحكم بأي شكل من الأشكال، وهم يضعون الآن نظام انتخابي وفي ذهنيتهم كيف يمنعون عودة الإخوان للسلطة وحرمانهم من ذلك. ولفت إلى إن دليل ذلك ما صدر من حكم حظر نشاط الإخوان وما تضمنه من التحفظ على أي جمعية بها شخص من الإخوان وهذا من باب الفوبيا والإمعان في الاستبعاد والإقصاء الممنهج والمرتب لوضع سيف قانوني مسلط عليهم. كما دلل أيضا بالاتجاه للنص في مسودة دستور اللجنة المعينة حظر إنشاء أحزاب دينية وهذا قد يكون محل جدل حول ضرورة عدم إنشاء أحزاب جهوية أو إثنية أو دينية، ولكن غير المفهوم وغير المعقول أن تتجه اللجنة لحظر تأسيس أحزاب ذات المرجعية الدينية في ذات الوقت الذي نجد فيه أحزاب بأوروبا ذات مرجعية دينية منها الحزب الديمقراطي الاجتماعي المسيحي وبعضها يصل للحكم ويحكم في إطار تقيده بالأطر والمباديء الدستورية العامة، معتبرا ذلك التوجه يخالف السياق الثقافي العام الإسلامي في مصر. واعتبر "نوير" اتجاه لجنة الدستور المعينة من سلطة الانقلاب لكتابة مصر دولة "مدنية "يعني إقرار أن مصر "علمانية" حتى وأن لم تكتب الكلمة حرفيا، موضحا أن كلمة مدنية ابتدعها البعض ممن خافوا النص على أن مصر علمانية وغير دينية فقالوا بالمدنية وهي تعني لهم غير دينية مما يعني علمنة الدولة عمليا بدون نص صريح.وحذر "نوير" مما قد يترتب عند تفسير كلمة دينية لاحقا فهل تفسر بأنها غير دينية أم غير عسكرية؟ بدوره يرى محمد كمال جبر الباحث المتخصص في العلوم السياسية أن النخبة العلمانية المسيطرة الآن على لجنة دستور الانقلابيين والحكم هي نخبة لا يمكن وصفها بالمدنية، وهي مجموعة فشلت في جميع الانتخابات والاستفتاءات النزيهة، بينما يريدون الآن تثبيت أركان الوضع القائم بنصوص دستورية وقوانين تخلي لهم الساحة السياسية من جميع القوى الحقيقية والحية بالمجتمع والتي تتمتع برصيد وثقل شعبي، والجديد أن هذه النخبة تريد جعل عملية الإقصاء والمنع للحركة الإسلامية من المنبع لمنع فوز أحزاب ذات مرجعية إسلامية بالأغلبية، وهذه هي طريقتهم في الإقصاء، وهذا هو طبع ونهج التيارات العلمانية عموما. وأوضح "جبر" ل"الحرية والعدالة" أن النخبة العلمانية في مصر تقوم على الفكر الإقصائي لأنها ليس لها جذور بالمجتمع، فتحاول إبعاد أي منافس له شعبية من أمامها، وهم يرفضون الأحزاب الدينية هم في ذهنيتهم يقصدون الأحزاب الإسلامية، في حين أن معظم الديمقراطيات الناشئة والمستقرة لا يوجد شيء كهذا، ففي إيطاليا وألمانيا ودول شمال أوروبا هناك أحزاب اسمها الحزب المسيحي، أما أحزاب النخب العلمانية تحاول الآن صياغة دستور وقوانين تجعل لهم الغلبة والأفضلية بالرغم من أن التجربة أثبتت فشلها عبر عقود متتالية، على كافة الأصعدة، والمجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية وهم يحاولون الآن فرض رؤاهم الفكرية بل وأنماط سلوكياتهم الاجتماعية على الناس، ويتهمونهم بالجهل والفقر، وهم لم يقدموا لهم أي شيء للنهوض بأوضاعهم، بينما ظل خطابهم في تعالي وعزلة عن مجتمعهم، والآن يفرضون عليهم إرادتهم بعد الانقضاض على الشرعية، ليضعوا لهم عقول غير عقولهم وعيون غير عيونهم. واستغرب "جبر " محاولة التيار العلماني فرض نفسه بالقوة وبغير الآليات الديمقراطية التي يتشدقون بها، وتمركزهم بالعاصمة وبعدهم عن مشاكل الناس وفقدانهم أي برامج لحل أزماتهم بدليل فشل وزراءهم، إلا أن ما يجمعهم الهجوم المستمر على الآخر السياسي من الحركة الإسلامية لأنه يقف أمام ترويج أيديولوجياتهم التي تبعد كثيرا عن الموروث الثقافي والحضاري للجماهير المصرية.