يحمل استقبال زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي لجنرال ليبيا الطامع في السلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في قصر الاتحادية، أمس، رسائل ودلالات لا تخفى معانيها ومضامينها سواء على مستوى الحدث ذاته، أو على مستوى التوقيت الذي يتزامن مع الحرب القذرة التي بدأها حفتر على العاصمة طرابلس منذ 4 إبريل الجاري. يأتي استقبال السيسي لحفتر في ظل ارتفاع حصيلة الضحايا، وسط اتهامات للواء الليبي باستهداف مواقع مدنية، آخرها مدرسة في منطقة عين زارة في طرابلس يوم السبت، فيما تستعد حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج للتحرك دوليًّا لإدانة خروق القوات المهاجمة على طرابلس للقانون الدولي الإنساني. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت، أمس الأحد، عن مقتل 121 شخصًا، وإصابة نحو 600 آخرين، في معارك طرابلس. وفي السياق ذاته، أدانت المنظمة “الهجمات المتكررة على العاملين في مجال الرعاية الصحية والمركبات والمرافق”. وتابعت: “تم قصف سيارتي إسعاف إضافيتين في ليبيا، السبت، أثناء قتال طرابلس، ليصل العدد الإجمالي إلى 8 منذ اندلاع العنف”. في موازاة ذلك، كشف مصدر دبلوماسي مقرب من حكومة الوفاق، ل”العربي الجديد”، عن أن السراج يعمل على تكثيف جهوده في أكثر من محفل دولي، منها محكمة الجنايات الدولية، للتبليغ عن انتهاكات اقترفتها قوات حفتر، ولدى لجنة حظر السلاح الدولية في مجلس الأمن لتقديم أدلة ضد دول قدّمت السلاح لحفتر، من بينها الإمارات وفرنسا. ومن جهتها، أكدت البعثة الأممية في ليبيا، أنها توثق الأعمال الحربية في طرابلس المخالفة للقانون الدولي الإنساني، تمهيدا لإحاطة مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية بها. وحذرت البعثة، في بيان لها، من “قصف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمناطق الآهلة بالمدنيين”، مؤكدة أنها “أعمال يحرمها تمامًا القانون الدولي الإنساني”. 4 رسائل ودلالات وإزاء ذلك فإن لقاء السيسي “حفتر” في هذا التوقيت يحمل الكثير من الرسائل والدلالات، نوجز بعضها في العناصر الآتية: الرسالة الأولى: هي تأكيد الدعم المطلق من جانب العسكر في مصر ونظام الانقلاب لجرائم الحرب التي يرتكبها حفتر وعصاباته، وهو دعم يتباهى به السيسي دوما في ظل مساعيه الدؤوبة لتمكين حفتر من كل الأراضي الليبية؛ وذلك بدعوى الحرب على ما يسمى بالإرهاب، متجاهلا أن حفتر يواجه قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا بعد اتفاق الصخيرات الذي عقد بالمغرب، وهو ما يعني أن المجتمع الدولي يدعم حكومة إرهابية إذا صحت مزاعم نظام السيسي، وهو أمر يخالف الحقيقة والعقل، ويخالف حتى توجهات الأمريكان والغرب ذاته في مساعيهم لعدم تمكين الإسلاميين عموما، سواء كانوا متشددين أو حتى سلميين يؤمنون بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ودعم الانقلابات العسكرية التي تطيح بحكومات الإسلاميين المنتخبة كما جرى في مصر والجزائر من قبل. ثانيا: استقبال السيسي يأتي أيضا لرفع الروح المعنوية لحفتر وعصاباته في ظل الهزائم التي مُني بها على كافة المحاور والجبهات في القتال الدائر على أطراف طرابلس، كما تتزامن مع تصريحات قوات حفتر والموالين له عن أنه مستمر في حملته العسكرية، على الرغم من فشله في اقتحام العاصمة منذ انطلاق هجومه في 4 إبريل الجاري، بل حتى نجاح القوات الموالية لحكومة الوفاق في استعادة المبادرة وطرد قوات حفتر من كثير من المواقع التي تقدّمت إليها في محيط طرابلس، بحسب تصريحات المتحدث الرسمي باسم عملية “بركان الغضب” التابعة لحكومة الوفاق، محمد قنون. ثالثا: باستقبال السيسي لحفتر أمس الأحد، تكتمل صورة المؤامرة على ليبيا، فحرب حفتر القذرة على طرابلس جاءت بعدما كانت معلومات مسربة قد كشفت أخيرا عن أن السعودية وعدت حفتر بتمويل حربه على طرابلس، إثر زيارته إلى الرياض قبل الهجوم، ثم الكشف عن إرسال الإمارات طائرتين تحملان مساعدات عسكرية لقواته، ليؤكد كل ذلك الدعم الذي يتلقاه حفتر في حربه على العاصمة الليبية، والتي تتعدى حسابات داخلية باتجاه تحقيق أهداف الدول الداعمة له. وتنقل صحيفة “العربي الجديد” اللندنية، عن مصادرها الخاصة، أن استقبال السيسي لحفتر جاء بناء على أوامر وتوجيهات سعودية، مؤكدة أن دخول الرياض بشكل معلن أخيرا، بقوة في الملف الليبي، كان كلمة السر في تسريع وتيرة الأحداث، وتشجيع حفتر على الهجوم على العاصمة. وأن الحكومة السعودية “تقود معركة دبلوماسية” لوقف تحركات دولية تستهدف منع تقدّم حفتر وسيطرته على العاصمة، كاشفة عن أن الأيام الأولى لتحركات حفتر شهدت تباينات واضحة داخل المحور الرباعي العربي، الذي يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بشأن الخطوة وتداعياتها، التي قد تتسبّب في حرب أهلية واسعة في ليبيا تصعب السيطرة عليها، متابعة “إلا أن سلسلة من الاتصالات التي تمت بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، والسيسي، وكذلك زعماء غربيين، أسهمت في منح مزيد من الوقت لحفتر حتى ينجز مهمته”. رابعا: يحاول السيسي الظهور في صورة عدم الانحياز المطلق لمليشيات حفتر، رغم توجهات تحالف الثورات المضادة الواضحة نحو تمكين حفتر وعصابته من كل الأراضي الليبية، وهو ما يفسر توجيه نظام الانقلاب الدعوة لفايز السراج لزيارة القاهرة، في محاولة للظهور في صورة الوسيط الذي يسعى للصلح، وهو شكل من أشكال المناورة لا تنطلي على حكومة الوفاق وإن كان من الأرجح قبول الدعوة.