يحاول القضاة بما يملكونه من أوراق قوة أن يحافظوا على وزنهم الذي خسروا منه الكثير بسبب دورهم النوعي في الانقلاب على الرئيس مرسي ثم دورهم المخزي المساند للانقلاب منذ 3 يوليو 2013، بسيل من الهزليات والانتهاكات للقانون والتغاضي عن توغل الجهة التنفيذية في أحكامه وتهميش محاكم النقض وتعيين قضاة قمعيين على سدة نوادي القضاة. وأكدت مذكرة أرسلها نادي قضاة مجلس الدولة برئاسة المستشار سمير يوسف البهي رئيس النادي أمس، 28 مارس 2019، أن مقترحات التعديلات الدستورية تقضي على “ما تبقى للقضاء من استقلال، وتحيله مزعا مزقا، ومرفقا تديره السلطة التنفيذية”. وشرحت المذكرة التي نشرت جانبا منها موقع صحيفة “المشهد” التي قرر مجلس الاعلى لتنظيم الاعلام وقفها 6 أشهر كيف أن المقترحات أسرفت في هدم استقلال القضاء، وأفرطت في النيل منه، “على نحو يضحي معه التواني في دحضها مذموم، وذنبا غير مغفور”. ورأى مراقبون أن الطريقة التي يتم بها مناقشة التعديلات الدستورية في برلمان العار فيها قدر كبير من الاستهزاء بالشعب، وأن البيان من نادي قضاة مجلس الدولة نوعي؛ حيث كان دأب المؤسسة القضائية وكل همها عدم المساس باستقلالية ميزانية القضاء اما استقلالية القضاء نفسه ليس مهما، رغم أن التعديلات التي يعتزم السيسي مد فترة الرئاسة إلى 12 سنة زيادة عن 8 سنوات أصليين تقيد استقلال القضاء بترؤس رئيس السلطة التنفيذية (السيسي) للهيئات القضائية وتعيين القضاة بطريقة منشئة. استشعار القلق وأعرب قضاة نادي مجلس الدولة عن قلقهم على استقلال القضاء، وقالوا: “إنا لا نود الإيمان بما أخبر به البعض، وأشاعه أن ما اقترح من تعديلات الدستور “هو مورد لا محيص عنه، وحال لا بد مشهودة، إحكاما للسيطرة” وأنه – في ظل استمرار هذه المقترحات – يؤلمنا أن نصرح بأننا نستشعر عدم الاطمئنان والاستقلال في أداء رسالتنا”. وعلى سبيل طمأنة السيسي من الاستقلال، قالت إن “القضاء المستقل لا يوفر فقط للمواطن الطمأنينة على حريته وعرضه وماله، وإنما يؤمن الحاكم كذلك، ومن شأنه أن ينشر الأمن على ربوع البلاد، فيوفر للأمه فرص استمرار وجودها، ويصد عنها النكبات والكوارث”. واتهم القضاة التعديلات الدستورية بأنها “يتجافى بالقضاء عن استقلاله، ويتراخى عن حيدته وتجرده، وهو الاستقلال الذي حرصت كل المبادئ والقيم الدستورية على صونه، فلاعدل دون استقلال القضاء، والذي ليس هو أسبق من الأمن فحسب، بل هو سببه وأساس وجوده”. السيسي والميزانية وفي توجيه مباشر للاتهام لقائد الإنقلاب قالت المذكرة: “كيف للسيد المستشار رئيس المحكمة الدستورية العليا – وقد اصطفاه السيد رئيس الجمهورية – أن يفصل في مدى دستورية قانون أصدره الأخير؟! وأنه من غير المستساغ أن يختار الشخص “رئيس الجمهورية” من يحاكمونه إذا اقتضى الحال!!”. غير أن الاتهام المقابل لهم من اعلام النظام أنهم يريدون ميزانية القضاة رقما واحدا ضمن تفصيل، وهو ما أطلق عليه بيان نادي قضاة مجلس الدولة وشدد البيان على أن إلغاء “الموازنة المستقلة” لكل جهة أو هيئة قضائية “يمثل ردة إلى الماضي، وإفساح المجال للسلطة التنفيذية للسيطرة على القضاء، ومصائر القضاة، إذ يسمح لها ويمكنها من تحديد كيفية معاملة القضاة ماليا، منحا ومنعا، وهو أمر يناهض استقلال السلطة القضائية، وأنه لم يكن بدعا استقلال السلطة القضائية بميزانيتها، أو الاستمرار في ذلك، كشأن السلطة التشريعية، ومؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة، والجهاز المركزي للمحاسبات، وغيرهم، بل السلطة القضائية أولى من كثير من هذه الجهات بهذا الاستقلال”. ونبه إلى أن “التعديلات” تتيح لغير مجلس الدولة الإفتاء في المسائل القانونية، كما وأن عدم النص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة “العقود الإدارية” أمر يثير الدهشة والغرابة، فهو اختصاص يمارسه مجلس الدولة منذ نشأته عام 1946، أي ما يربو على اثنين وسبعين عاما، كما انتقدت المذكرة قصر دور مجلس الدولة في مراجعة القوانين التي تحال إليه فقط، بعد أن كان اختصاصه بالمراجعة ملزما، وهو أمر غير مبرر، بل يتصادم والصالح العام. نادي القضاة وفي 7 فبراير أشار حقوقيون إلى بيان نادي القضاة الرافض للتعديلات وقال بهي الدين حسن رئيس مركز القاهرة لحقوق الإنسان، “نادي قضاة مصر يعترض علي التعديلات الدستورية ويعتبرها انتقاصا من استقلال القضاء وتحصينا لقوانين غير دستورية، ويدعو لاجتماع مشترك مع نوادي القضاة بالأقاليم الاثنين، واجتماع آخر مفتوح مع القضاة 15 فبراير”. غير أن الاجتماع المقترح تم الغاؤه، بعدما اتصل ضابطً من جهة سيادية تليفونيا برئيس نادي القضاة المستشار محمد عبد المحسن، وهدده بأنه سيتم إلقاء القبض على القضاة المشاركين في هذا الاجتماع حال تم انعقاده، وتوجيه اتهامات للقضاة بالانضمام لجماعات محظورة وإثارة الرأي العام وفضح مزايا ورشاوى وفساد القضاة. في الوقت الذي كان القضاة يعتزمون فيه الرد على رفض سلطات الانقلاب، ممثلة في وزير المالية، لإقرار زيادة الرواتب والبدلات التي طالب بها القضاة، وقدرت ب4 آلاف جنيه. وحذر الضابط المتصل من أن التصعيد في هذا التوقيت بالغ الحساسية، ويمثل خطرًا كبيرا على البلاد، مهددًا بأن تأجيج النيران داخل القضاء من شأنه أن يقابل بيد من حديد، حال استشعرت الدولة وجود أي خطر على مستقبلها السياسي من هذا التأجيج. فقرر النادي تأجيل الاجتماع إلى 21 فبراير وهو ما لم يتم لاحقا إلى الآن، غير أن قضاة أشاروا إلى أن اجتماعا بهذا الشكل كان سيركز على جعل رئاسة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، بيد رئيس السلطة التنفيذية، ثم مناقشة رفض تمكينه من تعيين القضاة، والتحكم بميزانيات القضاء، ما يهدر برأيهم نضالا طويلا من قبل القضاة لإلغاء هذا المجلس الذي تم إنشاؤه بعد مذبحة القضاء عام 1969. إدانة حقوقية تقويض استقلال القضاء، عنوان أشارت إليه منظمة “هيومن رايتس ووتش” وقالت إن التعديلات المقترحة على الدستور المصري، التي تشمل منح القوات المسلحة سلطة التدخل في الحكم، ستقوض استقلال القضاء، وتُوسع السلطات التنفيذية. واوضحت أنه من شأن التعديلات أن تقوض بشكل أكبر استقلال السلطة القضائية من خلال منح السيسي سيطرة أقوى على تعيين قضاة كبار، ونزع سلطة قضاة مجلس الدولة إلى حد كبير على تنقيح التشريعات قبل أن تصبح قانونًا. واضافت أن “التعديلات” ستمنح اختصاصا واسعا للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين. في السنوات الثلاث الماضية، أحيل أكثر من 15 ألف مدني، بمن فيهم الأطفال، إلى محاكمات عسكرية. الجزء الأخطر وأعتبر الدكتور زهدي الشامي، أستاذ العلوم السياسية، على فيسبوك أن الأخطر في تلك التعديلات أكبر من مد فترة الرئيس وقال: “.. الأخطر هو التوسع غير المسبوق في سلطة الرئيس بما ينتهك ما تبقى من استقلالية هيئات الحكم الأخرى، حيث يراد تشكيل مجلس أعلى للهيئات القضائية يرأسه الرئيس نفسه، وهذا المجلس هو الذى سيقرر شئون القضاء، وأن يكون للرئيس سلطة تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا التي قد تنظر في دستورية القوانين التي وقعها، أي من عينه هو الذى سيفصل في دستورية أعماله، وكذلك سلطة الرئيس في تعيين النائب العام بعد أن كان من يختاره هو مجلس القضاء الأعلى”. وأضاف: “يمتد الأمر لتحجيم دور مجلس الدولة في مراجعة القوانين، وهو تطور متوقع بعد الحكم التاريخي للمجلس في قضية تيران وصنافير”. التطور الأخطر هو إعادة تعريف دور ومهمة القوات المسلحة، فبدلًا من النص على أن مهمتها هي حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، يتم إعادة تعريف ذلك بإضفاء دور دائم لها في إدارة الشئون الداخلية للبلاد تحت مسمى دورها في حماية الدستور ومبادئ الديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة، بما يحولها عمليًّا إلى رقيب عام على كل أمور البلاد على نحو غير موجود في أي دولة ديمقراطية معاصرة، هذا مع التوسع في دور القضاء العسكري بحيث يمكن أن يطال الكثير من الممارسات والأفعال”. العصا والجزرة وبتكرار علي عبدالعال رئيس برلمان العسكر أنه “لا مساس باستقلال القضاء في التعديلات الدستورية” وأن “رسالة ميزانية القضاء قد وصلت” في إشارة للترضية وفق الميزان السياسي “العصا والجزرة”. حيث تلوح السلطة التنفيذية بالجزرة بمواجهة القضاة، عبر الوعد برفع مكافأة الإشراف على الاستفتاء وانتخابات مجلس الشيوخ المزمع إنشاؤه عقب إقرار الاستفتاء، تهدئة لغضبهم من عدم رفع رواتبهم. يأتي هذا في الوقت الذي استبعدت فيه مصادر تبني نادي القضاة موقفا ضد التعديلات الدستورية، موضحة أن النادي في ظل هذه الأوضاع أضعف من تبني موقف قوي أو رافض لهذه التعديلات، خاصة أنه فشل فشلا ذريعا في اختبار تعديلات قانون السلطة القضائية قبل أكثر من عام، وفشل حتى في عقد جمعية عمومية للقضاة.