في مقاله المنشور اليوم الإثنين في صحيفة “العربي الجديد” بعنوان “المعارضة المصرية والتعديلات الدستورية”، يسوّق الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور خليل العناني لسيناريو المشاركة في مسرحية الاستفتاء على التعديلات الدستورية، رغم أنه اعتبرها في صدر مقاله خطوة كبيرة نحو ترسيخ السلطوية في مصر؛ لأنها سوف تمهد الطريق نحو بقاء شخصٍ واحدٍ في السلطة عشرين عاما (2014 – 2034). كما أنها تمثل تراجعًا عن أحد الإنجازات القليلة لثورة 25 يناير في 2011، التي وضعت حدًا لمدد الرئاسة، بفترتين كحدّ أقصى، كل منها أربع سنوات. كما أنها سوف تسمح للسيسي بترسيخ حكمه السلطوي والهيمنة على جميع السلطات. بل الأكثر من ذلك أن هذه التعديلات سوف تجعل من الجيش وصيًا على الدولة، إذ تنص التعديلات المقترحة على إعادة صياغة نصّ المادة 200 من الدستور الحالي الذي تم إقراره عام 2014، بحيث يكون هناك دور للقوات المسلحة في “حماية وصيانة الدستور ومبادئ الديمقراطية والحفاظ على مدنية الدولة”. يقول العناني: “وناهيك عن التناقض الصارخ في أنه ليس لهذا التعديل علاقة بالديمقراطية أو مدنية الدولة، فإنه سيجعل الجيش وصيًا على الدستور ونصوصه، للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث. وإذا تم تمرير هذه التعديلات كما هو متوقع، فسوف تتحوّل مصر إلى وضعٍ مشابه لما كانت عليه الحال في تركيا طوال القرن العشرين، وفي دول أمريكا اللاتينية، مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي طوال السبعينيات، وفي تايلاند أوائل التسعينيات، وهو ما عطّل عملية الانتقال الديمقراطي في هذه البلدان عقودا”، كما يشير إلى أن هذه التعديلات سوف تمنح الجنرال السيسي وصاية على السلطة القضائية عبر تعديل المادة 185. ويتساءل العناني: هل يمكن وقف هذه التعديلات الدستورية وكيف؟ ليجيب على سؤاله: “لا”، ويعزو صعوبة وقف تمرير هذه التعديلات لعدة شواهد: أولا: السيسي يتحكم في معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها، سواء البرلمان أو الإعلام والقضاء والأمن بشكل كبير. ثانيا: صمت القضاة على هذه التعديلات باستثناء أصوات خافتة، لكن المؤسسات القضائية سواء مجلس الدولة أو نادي القضاة لم تتخذ موقفًا معلنا بالرفض. ثالثا: أن المعارضة المصرية تعاني من القمع والإقصاء والانشقاقات، وهو ما يضعف قدرتها على وقف التعديلات. وقد بدأ النظام حملة قمع وترويع لكل من يتجرأ على رفض التعديلات. فعلى سبيل المثال، اعتقلت قوات الأمن، خلال الأسابيع الماضية، أعضاء من حزب الدستور الذي أسسه الدكتور محمد البرادعي، بسبب رفضهم التعديلات الدستورية المقترحة. ويقوم النظام بحملة دعائية من أجل إقناع الشعب بالتصويت بنعم على التعديلات، بحجة حماية الدولة وضمان الاستقرار. ورغم هذه الصعوبات يرى العناني أن ثمة ما وصفه بأمل في إمكانية وقف هذه التعديلات الدستورية، وذلك من خلال عدة خيارات: الأول: إطلاق حملة شعبية واسعة للضغط على البرلمان، من أجل رفض هذه التعديلات، قبل أن يتم طرحها للاستفتاء العام في مايو المقبل، مشيرا إلى حملة التوقيع على رفض هذه التعديلات والتي وصلت إلى 29 ألف توقيع. الثاني: أن تستغل قوى المعارضة المصرية هذا الزخم، من أجل وضع برنامج سياسي موحد لوقف هذه الكارثة السياسية. وقد يؤدي هذا الزخم إلى إيجاد بيئة جديدة تساعد المعارضة على تجاوز انقساماتها السياسية والأيديولوجية. الثالث: إذا تم تمرير التعديلات في البرلمان أوائل أبريل المقبل، كما هو متوقع، يمكن أن تنتقل قوى المعارضة إلى الخطة البديلة، وهي تعبئة الشارع للتصويت بلا على التعديلات المطروحة للاستفتاء. ورغم ترجيحه لتمرير هذه التعديلات سواء من خلال عملية التعبئة الإعلامية، والشحن الدعائي للنظام، أو من خلال تزوير نتائج الاستفتاء، إلا أن هذه التعديلات قد تمثل بدايةً مهمةً لتنظيم صفوف المعارضة، يمكن البناء عليها لاحقا، وذلك بدلا من عملية التثبيط والتخوين والشقاق التي تهيمن على خطاب وسلوك رموزها وقياداتها. لماذا المقاطعة؟ في المقابل، يرى الداعون للمقاطعة أن النظام سوف يمرر هذه التعديلات بناء على المعطيات الراهنة، شاء من شاء وأبى من أبى، وأن نتيجة مسرحية الاستفتاء معلومة النتائج مسبقا كحال كل تجارب النظام العسكري مع هذه الاستحقاقات الصورية، وأن النظام يريد من المواطنين المشاركة حتى لو صوتوا بلا على التعديلات الدستورية؛ لأن الهدف هو اللقطة وتوظيف المشاركة من أجل الزعم أن الاستفتاء حظي بمشاركة شعبية واسعة، كما أن مشاركة المعارضة سوف تسمح للنظام بوضع أرقام مبالغ فيها حول نسب المشاركة، كما حدث في المرات السابقة منذ انقلاب 3 يوليو 2013م. وبالطبع فإن هناك فريقًا كبيرًا من المقاطعين لا يؤمن أصلا بشرعية النظام وإجراءاته، استنادا إلى قاعدة “ما بني على باطل فهو باطل”، وأن نظام 30 يونيو كله من الألف إلى الياء ما هو إلا باطل، وأن المشاركة في مثل هذه الاستفتاءات الصورية ربما يمنح النظام السلطوي مشروعية يأبى هؤلاء الإقرار بها مهما كانت العواقب. ويوجه هذا الفريق عدة أسئلة للفريق الأول: هل تثقون في منظومة العسكر وأمانتها وشفافيتها في إجراء مثل هذا الاستفتاء والإشراف عليه من الألف إلى الياء؟ ألا تظنون أن النظام تعنيه اللقطة قبل كل شيء وأنه سوف يوظف هذه المشاركة لصالحه؟ هل تظنون أن الشعب في ظل هذه الأوضاع معني بالمشاركة أم أن الرأي الشعبي العام لا يثق بالمنظومة القائمة ولا يكترث حتى بهذه المشاركة؟ وإذا كان التوجه العام للشعب هو المقاطعة كما جرى في مسرحيتي 2014 و2018 ما أصاب النظام بصدمة ودفعه إلى حالة من الهوس والهيستريا، كانت محل انتقادات كبيرة في الإعلام العالمي الذي وصف الإجراء بالديمقراطية المزيفة. خلاصة الأمر، أن لكل فريق الحق في اختيار ما يشاء من مواقف دون اتهام أو تحقير أو فرض وصاية من فريق على آخر؛ فالمعركة مع النظام تحتاج إلى تضافر كل الجهود في الأمور المتفق عليها، وقدر من التسامح حيال نقاط الخلاف.