معلومات جديدة تكشفها تقارير صحفية كل يوم عن أحد أهم القضايا في مصر حاليا، وهي “المختفين قسريا”، بعد جرائم داخلية الانقلاب تجاه المئات الذين تتم تصفيتهم بدم بارد بين الحين والآخر، لتصوير انتصارات وهمية في حرب السيسي المزعومة ضد الإرهاب، الأمر الذي بات يهدد 60 ألف معتقل في سجون الانقلاب، ويعرضهم للخطر، في ظل وضعهم تحت قبضة نظام فاشي لا يعترف بقانون أو يحترم دستورا. وكشف تقرير منشور على موقع صحيفة “العربي الجديد” اليوم السبت، إنه لا يمرّ شهر واحد على المصريين، إلا وتخرج وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب ببيان عن تصفية مجموعة من “الإرهابيين” في أحد “الأوكار”، وذلك بالكلمات والمفردات ذاتها التي سبق أن أوردتها عشرات المرات في بيانات ماضية، مع اختلاف أسماء القتلى فقط. في حين يظهر لاحقا أنّ بعض أو كل هؤلاء الضحايا من المعارضين المختفين قسرياً، الذين تحتجزهم قوات الأمن داخل مقارها بشكل غير قانوني، وتقتل بعضهم بين آن وآخر بزعم أنهم “إرهابيون”. وأشار التقرير إلى عمليات التصفية التي تتم بحق المختفين قسرياً من بينهم 40 مصريا قتلتهم الداخلية، مؤخرا، في أعقاب الانفجار الذي استهدف حافلة تقلّ سياحا في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة. إبراهيم أبو سليمان ونقلت الصحيفة عن أحد أهالي المختفين وهو المعتقل السياسي، إبراهيم أبو سليمان، الذي وجدوه في مشرحة “زينهم” ضمن ال40 جثة التي تم تصفيتهم، علما بأن “أبو سليمان” كان قد حصل على إخلاء سبيل على ذمة قضية 831 ولم يفرج عنه، هو والمعتقل السياسي أحمد يسري، الحاصل على قرار إخلاء سبيل ولم يفرج عنه أيضا الذي وجده أهله في المشرحة أيضا. جاء ذلك بعدما استقبلت مشرحة “زينهم” قبل أيام، جثامين 45 مصريا قتلوا برصاص قوات الأمن في مدينة السادس من أكتوبر بالجيزة، ومحافظة شمال سيناء، وهو ما دفع رابطة أسر المختفين قسريا، إلى مطالبة أعضائها بالتأكد من وجود أسماء ذويهم المختفين في كشوف المشرحة، خصوصا أنّ إجمالي الذين جرت تصفيتهم بلغ 167 شخصا منذ يونيون 2018، من بينهم 62 مواطنا قتلوا في ديسمبر الماضي، وفقا لبيانات وزارة الداخلية. وتداول حقوقيون وسياسيون مصريون نداءً على مواقع التواصل لأهالي المختفين قسريا، يطالبونهم بالذهاب للمشرحة بالتأكد من عدو وجود ذويهم هناك. شكاوى يومية كانت وقائع التصفية، كشفت قتل الضحايا من مسافات قريبة بطلقات مباشرة في الرأس والصدر، أو في الظهر، علاوة على عدم إعلان إصابة أي فرد من الشرطة خلال المداهمات “المزعومة” منذ وقوع الانقلاب العسكري عام 2013، وهو ما يؤكد زيف الرواية الأمنية بشأن حدوث تبادل لإطلاق النار، وأنها عمليات “قتل جماعي”. وتصل عشرات الشكاوى يوميا إلى المنظمات الحقوقية، ومنها “المجلس القومي لحقوق الإنسان” الرسمي، بشأن تعرّض مواطنين للإخفاء القسري من قبل الأمن، وعدم توصّل ذويهم إلى أماكن احتجازهم رغم مرور سنوات على الإخفاء في بعض الحالات. وهي الظاهرة التي استفحلت مع تولي وزير الداخلية السابق، مجدي عبد الغفار منصبه في مارس 2015، ومن بعده الوزير الانقلابي الحالي محمود توفيق، وكلاهما كان مسؤولاً عن قطاع الأمن الوطني، المتهم الرئيس في ارتكاب جرائم الإخفاء القسري. ونقلت صحيفة “العربي الجديد” عن مصادر أمنية، إنّ تصفية “الإرهابيين” تحظى برضا قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حين تطاول البلاد أعمال إرهابية، موضحةً أنه يطلب بشكل مباشر من الوزير سرعة “القصاص” عقب وقوع أي حادث إرهابي، وهو ما يفسّر إعلان وزارة الداخلية تصفية أعداد كبيرة من المواطنين عقب ساعات قليلة من حدوث أي عمل إرهابي أو اعتداء على الكنائس. الإخفاء القسري ووثّقت منظمات حقوقية محلية ودولية تعرّض الكثير من المصريين للإخفاء القسري، والاحتجاز سرًّا بدون إقرار رسمي، بذريعة أنهم من المتهمين في جرائم الإرهاب، فضلاً عن توثيق تعرّضهم للمعاملة السيئة والتعذيب، من جانب ضباط وأفراد في أجهزة الشرطة والأمن الوطني والاستخبارات العسكرية، لانتزاع اعترافات عن أعمال لم يرتكبوها، ومن ثمّ إحالة المعترفين منهم للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة، مع استمرار إخفاء غير المعترفين. وأدان فريق أممي اعتقال رئيس رابطة المختفين قسريا، إبراهيم متولي، بمطار القاهرة في 3 أكتوبر 2017، وهو في طريقه إلى اجتماع مع الفريق في جنيف، معتبراً أنّ التهم الموجهة إليه تشير إلى عمل انتقامي ضده بسبب تعاونه مع إحدى آليات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، وكذلك إلى عرقلة متعمدة لنشاطه المشروع في مجال حقوق الإنسان، للسعي إلى معرفة مصير ومكان وجود نجله، وغيره من الأشخاص المختفين في مصر. وسبق لمتولي أن أعدّ ملفًا كاملاً عن قضية “الإخفاء القسري” في مصر، لعرضه على مجموعة عمل دولية تناقش القضية، غير أنه اقتيد من المطار إلى مقرّ جهاز الأمن الوطني، وحُرم من الاتصال بذويه أو محاميه، كما جُرّد من جميع ملابسه، وصعق بالكهرباء في أماكن متفرقة في الجسد ، فضلاً عن سكب مياه باردة على جسده، وصعقه مجددا، وتصويره من دون ملابس، حسب رواية أسرته. كما يخضع 17 معتقلاً من “رابطة أسر المختفين قسرياً” للمحاكمة أمام محكمة جنايات القاهرة في القضية رقم 900 لسنة 2017 حصر أمن دولة، بحجة انضمامهم إلى الرابطة وترويجهم أخباراً عن انتشار ظاهرة الإخفاء القسري في مصر، والتواصل مع منظمات أجنبية بغرض الإضرار بالأمن القومي المصري، وترويج “شائعات” من شأنها الإضرار بالمركز السياسي للدولة المصرية. تصفية جسدية ووثّقت “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” نحو 157 حالة تصفية جسدية لمواطنين خارج إطار القانون، خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى يوليو 2017. ويجمع بين تلك الحالات اختلاق روايات وهمية حول مقتلهم تحت دعوى تورطهم في مواجهات مع قوات الأمن. بدوره، وثّق مركز “دفتر أحوال” البحثي المستقلّ في مجال العلوم الاجتماعية، 21 واقعة تصفية جسدية من قبل قوات الأمن النظامية المصرية، أسفرت عن مقتل 45 شخصا. وكشف فريق منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية الدولية، نحو 1989 حالة إخفاء قسري في مصر، في الفترة الزمنية بين أغسطس 2017 وأغسطس 2018، فيما وثّق “مركز الشهاب لحقوق الإنسان” نحو 5500 حالة إخفاء قسري في مصر، خلال الفترة من يوليو 2013 وحتى أغسطس 2017، منها 44 مختفياً قسرياً تم قتلهم خارج نطاق القانون. وفي نهاية أغسطس الماضي، وثّق التقرير السنوي الثالث للحملة ذاتها (أوقفوا الاختفاء القسري) 230 حالة إخفاء قسري جديدة في مصر خلال 12 شهراً، شملت صحفيين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء، لافتا إلى ظهور عدد منهم لاحقا أمام نيابة أمن الدولة على ذمّة قضايا ملفقة، بعد تعرّضهم للتعذيب أثناء الاحتجاز، ومن ثمّ حبسهم احتياطياً لمدد طويلة كنوع من أنواع الاعتقال، فيما تعرّض أصحاب 8 حالات للإخفاء مجدداً أثناء تنفيذ إجراءات إخلاء سبيلهم. 259 سيدة كما تعرّضت 259 سيدة لهذه الجريمة في 2018، حسبما أعلنت حملة “نساء ضد الانقلاب”. وتعدّ البيانات الإعلامية التي تصدرها وزارتا الدفاع والداخلية بحكومة الانقلاب سواء المكتوبة أو المصورة، مصدراً مهماً لعائلات ضحايا الإخفاء القسري لمعرفة مصير ذويهم، إذ يظهر فيها بعض المختفين في مقاطع تبثها تلك البيانات الأمنية، على غرار ما كشفه أخيراً عضو “المجلس القومي لحقوق الإنسان” السابق، أسامة رشدي، بشأن بيان وزارة الداخلية عن تصفية 8 معارضين شباب، والصادر في 20 ديسمبر الفائت. ونشر رشدي عبر حسابه على موقع “تويتر” أنّ منظمة “نجدة لحقوق الإنسان” وثّقت اختفاء اثنين من أربعة أشخاص قالت الداخلية إنها اعتقلتهما أثناء المداهمات، الأول يدعى محمد جمال محمد علي، موظف بوزارة الصحة، ومختف قسرياً من محافظة الشرقية منذ 11 أكتوبر الماضي، والثاني هو عمرو أيمن محمد علي الدين، الذي قبض عليه تعسفيا في 1 نوفمبر 2018، أثناء عودته من عمله في القاهرة إلى منزله بمدينة المحلة الكبرى. اختفاء النجار سبق أن طالبت 9 منظمات حقوقية مصرية سلطات الانقلاب بالإفصاح عن مكان ومصير النائب السابق بمجلس الشعب مصطفى النجار، الذي تشير المعلومات المتوفرة إلى انقطاع الاتصال به منذ عصر يوم الجمعة 28 سبتمبر 2018، وهو في محافظة أسوان، مطالبة سلطات الانقلاب بسرعة إجلاء مصيره، والكشف عن مكانه، بعد أن حملتها المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته. وتوسّعت دولة الانقلاب في استخدام استراتيجية الإخفاء القسري منذ عام 2015 ليس فقط ضدّ المعارضين والمحسوبين على التيارات الدينية والسياسية، بل شمل ذلك أيضاً مواطنين غير منخرطين بالعمل العام، بمن فيهم الأطفال وكبار السن، ومنهم يظهر ويجد نفسه متورط بتهم وقضايا مختلفة. أما من لا يظهر، فتزداد احتمالات موته تحت وطأة التعذيب واختفاء جثته، بادعاء أنها حالة انتحار أو تفجير، فيما يختفي آخرون للأبد ويبقى مصيرهم مجهولا. ويعتبر الإخفاء القسري جريمة لا تسقط بالتقادم وفقا للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري التي تم اعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2010، والتي عرّفت الإخفاء القسري بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”.