مع بداية عام 2019 وانتهاء عام 2018، بكل تفاصيله المؤلمة لعشرات الألاف من المعتقلين، تبرز قضية المختفين قسريًّا، والتي تمثل رعبا في أغلب البيوت المصرية، بعد تصعيد نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، ضد المختفين قسريا، وقتل العشرات منهم بين الحين والأخر، والتي كان من بينها إغلاق ملف 2018 بتصفية أربعين مواطنا منهم، ردا على مقتل 4 فيتناميين في تفجير عبوة ناسفة بالمريوطية. وتصل عشرات الشكاوى يوميًا، إلى المنظمات الحقوقية والدولية، تفيد تعرض مواطنين مصريين للاختفاء القسري على يد رجال الأمن، مع تأكيد ذويهم عدم توصلهم إلى مكان احتجازهم، حتى أصبحت تلك الظاهرة متكررة بشكلٍ يومي، ووصل عدد المختفين قسريا لما يزيد عن 3500 حالة اختفاء قسري بمصر، تمت على يد الجهات الأمنية المصرية خلال الفترة السابقة. وتعرض مواطنون كُثر للاختفاء القسري واحتجزوا سرًا دون إقرارٍ رسمي بذلك، وحُرموا من الاتصال بالمحامين وبأسرهم، وتم احتجازهم على زعم أنهم من قادة التظاهرات، ومتهمين بجرائم متعلقة بالإرهاب، لمدد تصل إلى 90 يومًا دون إشراف قضائي، وتعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة من جانب ضباط المخابرات العسكرية وأفراد الشرطة وجهاز الأمن الوطني لانتزاع “اعترافات” إكراهًا لأعمالٍ لم يرتكبوها ولا تمت لهم بصلة. انتقام سياسي وقالت تقارير حقوقية صادرة من الأممالمتحدة والاتحاد والبرلمان الأوربي: إن تلك الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان بشكلٍ عام، والجرائم المُتعلقة بالاختفاء القسري والتعذيب بشكلٍ خاص، هي نتاج منهجية متعمّدة، واسعة الانتشار، ووفق سياسية دولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ مَّا يؤكد أن هذا نهج متصاعد في هذه الجريمة، أصبحت بفعل تلك الممارسات الأمنية القمعية ظاهرة، وأنه استمرار للضرب بعرض الحائط بالدستور المصري القوانين المحلية، فضلاً عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بمصر من قبل السلطات، وأن هذه السلطات قد اتخذت من الاختفاء القسري وسيلة قمع وتخلص من معارضيها. وذكرت التقارير أن بعض الأشخاص بعد ظهورهم لا يعودون لمنازلهم، فيعرضون على نيابات ترفض تسجيل أي تفاصيل عن اختطاف الحالة الماثلة أمامها وإخفائها لشهورٍ وتعرضها لضروبٍ من التعذيب، والبعض الآخر قد يُصاب بعلة مستديمة، فقد سجلت بعض الحالات أصابتها شلل كلي، وأخرى بشلل نصفي، وأخرى أصابها عجز في أداء الوظائف الجسدية كالنطق والحركة بسبب ما لاقوه أثناء اختطافهم. ولفت إلى أن بعض الحالات ممن اختفى قسريًا ثمَّ لُفقت له العديد من القضايا، وبعد حصوله على البراءة يُعاد معه الاختفاء القسري، مثل الشاب أنس البلتاجي. وكشفت التقارير أن جريمة الاختفاء القسري تعد من قبيل الانتقام السياسي لدولة الانقلاب الذي طال الجميع، في غيبةٍ تامةٍ لحقوق الإنسان ومبادئه، ومع ذلك لم يتوقف النظام عن التنكيل بهم وبأسرهم، حيث توجد بعض الحالات ربما يلقى المختطف فيها مصير آخر “كالموت”، إما تحت وطأة التعذيب، إذ سُجلت قرابة مائتي حالة لقت حتفها نتيجة التعذيب المستمر في أماكن احتجاز مجهولة تابعة لقوات الأمن، أو لتوريط الضحايا في تهم مُلفقة بعد قتلهم لكي لا يتمكنوا من إنكارها، ودلل على ذلك بما حدث للطالب إسلام عطيتو؛ حيث اختطف من لجنة الامتحان وتم تصفيته بالرصاص الحي ثم إشاعة انتمائه لتنظيم إرهابي، وسبقه عشرات الحالات بنفس السيناريو، أو أن يتم تفجيره كحادث بني سويف الذي أودى بحياة خمسة أشخاص، وسابقه في الشرقية أدت إلى وفاة ثلاثة طلاب جامعيين، وكان المشهد واحدًا رغم اختلاف توقيت ومكان الحادثين، فقد تم اختطافهم من قِبل عناصر الشرطة وقتلهم وتفجير قنبلة بجوار جثثهم واتهامهم بالضلوع في تفجيرات. وأكدت التقارير أن هذه الجريمة الآن باتت سلاحًا مستخدمًا في أيدي السلطات المصرية بلا أدنى تورع، فبشكل يومي ودوري تُسجل حالات اختفاء قسري لمعارضين، بعضهم يظهر بعد فترات متفاوتة لحسن طالعه، والآخر يلقى مصير الموت أو المجهول. 230 حالة اختفاء كانت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري” قد أصدرتت قريرها السنوي الثالث، والذي كشف عن 230 حالة اختفاء قسري جديدة في مصر، تم توثيقها بين 15 أغسطس 2017، و1 أغسطس 2018، ليصل عدد من تم توثيق اختفائهم قسريًا منذ انقلاب 2013، إلى 1520 شخصًا. ورصدت الحملة 64 حالة أخرى، لكن لم تتمكن من توثيقها نتيجة صعوبات في التواصل مع أسر الضحايا، أو بسبب تعطل العمل نتيجة مخاطر أمنية تعرض لها العمل الحقوقي بشكل متكرر في هذه الفترة. ودعت الحملة المتعاطفين مع ضحايا الاختفاء القسري للتدوين عن هذه الجريمة وضحاياها، وإبراز معاناة ذويهم الباحثين عن معرفة مصيرهم. وأوضح تقرير الحملة أن الحالات الجديدة التي تعرضت للاختفاء القسري لا تزال رهن الاختفاء منها 32 حالة، و51 من المختفين قيد الحبس الاحتياطي بعد ظهورهم أمام النيابات، وهناك 10 أشخاص تم إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا، كما تم إطلاق سراح 11 شخصًا دون مثولهم أمام أي جهة قضائية، و126 حالة غير معلوم مصيرها. وقالت إن “أهم ما يميز حالات الاختفاء القسري في هذه الفترة، هو استخدام هذه الجريمة ضد صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء، ومن ثم ظهورهم أمام نيابة أمن الدولة على ذمة قضايا ملفقة، كما جرت العادة أن يتعرض الضحايا للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم لإرغامهم على الإدلاء بمعلومات، أو الاعتراف بجرائم، أو للتنكيل بهم، ومن ثم إيداعهم في السجون، وحبسهم احتياطيا لمدد طويلة كنوع من أنواع الاعتقال. كما وثق التقرير 8 حالات تعرض أصحابها للاختفاء القسري أثناء تنفيذ إجراءات إخلاء سبيلهم. ومثّلت نيابة أمن الدولة العليا النسبة الأكبر بإجمالي 38 حالة، وفي المرتبة الثانية النيابات العامة بإجمالي 24 حالة، وأقسام الشرطة بإجمالي 8 حالات، تليها السجون بإجمالي 6 حالات. جرائم ضد الإنسانية كانت الفترة الرئاسية الأولى للسيسي قد شهدت ممارسة واسعة لجريمة الاختفاء القسري؛ وسجلت حملة الاختفاء القسري معدلات مرتفعة لأعداد الضحايا، الأمر الذي يشير إلى إطلاق يد الأجهزة الأمنية في ممارسة هذه الجريمة دون محاسبة. وترى حملة أوقفوا الاختفاء القسري أن استمرار الجريمة بتلك المعدلات التي رصدتها في جميع المحافظات على مدار خمس سنوات قد يرقى إلى توصيف الجرائم ضد الإنسانية. وأوصت التقارير بضرورة “الإفصاح عن أماكن احتجاز المختفين قسريا، وتجريم الاختفاء القسري في قانون العقوبات المصري كجريمة لا تسقط بالتقادم، ومعاقبتها بما يتلاءم مع جسامة هذا الانتهاك، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006، والانضمام لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998، والانضمام للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 2002”. نصوص القانون نصت المادة 40 على: “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانونًا، كما تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا”. ونصت المادة 42 على: “لا يجوز حبس أي إنسان إلا في السجون المخصصة لذلك ولا يجوز لمأمور أي سجن قبول أي إنسان فيه إلا بمقتضى أمر موقع عليه من السلطة المختصة، وألا يُبقيه بعد المدة المحددة بهذا الأمر”. فرغم أن تلك المواد القانونية يُفهم منها “بمفهوم المُخالفة” تجريم الاختفاء القسري وعدم إمكانية حبس أي شخص إلا بأمر قضائي مُسبب وإلى مُدة مُحددة، إلا أن الدولة لا تلتفت إلى تلك المواد القانونية التي شُرعت منذ سنوات طويلة، وفي كل يوم يتم مخالفتها من قبل من هم من المفترض منوط بهم حماية القانون وتطبيقه، والأمر لا يقتصر فقط على رجال الضبط القضائي بل إنه طال أعضاء النيابة العامة الذين كلفهم القانون في هذا الشق الخاص بالاختفاء القسري ضرورة إشرافهم على السجون وأماكن الاحتجاز للتأكد من عدم وجود أي شخص بصفة غير قانونية. وذلك ما تم النص عليه المادة 42 على: “لكل من أعضاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية زيارة السجون العامة والمركزية الموجودة في دائرة اختصاصهم، والتأكد من عدم وجود محبوسين بصفة غير قانونية، ولهم أن يطلعوا على دفاتر السجن وعلى أوامر القبض والحبس وأن يأخذوا صورة منها”. كما ذكرت المادة 43 من ذات القانون أن: لكل من علم بوجود محبوس بصفة غير قانونية، أو في محل غير مخصص للحبس، أن يُخطر أحد أعضاء النيابة العامة وعليه بمجرد علمه أن ينتقل فورًا إلى المحل الموجود به المحبوس وأن يقوم بإجراء التحقيق، وأن يأمر بالإفراج عن المحبوس بصفة غير قانونية وأن يحرر محضرًا بذلك”. ونص قانون العقوبات المصري على جزاء مخالفة السلطات المنوط بها ضبط المواطنين شروط القبض؛ حيث نصت المادة 280 على: “كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوي الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه”.