على الرغم من إهدار مليارات الجنيهات على فضائيات وبرامج ومذيعي الانقلاب العسكري، منذ 30 يونيو 2013، إلا أن تلك القنوات والبرامج فشلت في تحقيق أهدافها، ودفعت الجمهور إلى متابعة قنوات الثورة في الخارج، مثل قنوات “مكملين” و”الشرق” و”وطن”، التي تبث من تركيا وتحظى بمتابعة واسعة وصلت ذروتها في عام 2018 الذي أوشك على الانتهاء بعد أيام. وفي مايو 2017، كشف تقرير شركة “إبسوس” العالمية لأبحاث التسويق، عن تصدر قنوات الثورة بالخارج قائمة الأعلى مشاهدة، مقابل تراجع قنوات مصرية تبث من الداخل موالية للانقلاب، وهو ما اعتبره مراقبون انتكاسة لجهود السيسي في صنع “أذرع إعلامية” ذات مصداقية. إعلام ترامادول وهو ما جاء على لسان السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي نفسه في أكثر من مناسبة، كان آخرها في منتصف الشهر الجاري، خلال مداخلة هاتفية له مع الإعلامي شريف عامر على قناة إم بي سي، حين اتهم الإعلام بتقديم صورة غير الواقع الموجود في مصر، وكشف أحد المحاسبين في أحد البنوك التي يصرف منها العاملون في بعض القنوات المملوكة للمخابرات رواتبهم، عن أن الحساب المسجل لديهم تابع “للقوات المسلحة”، وهو ما يؤكد امتلاك المخابرات لتلك القنوات فعليًّا. وقال مصدر مطلع، إن ملف الإعلام كان في يد “الرئاسة” إبان فترة حكم المخلوع مبارك، ولكنه انتقل إلى المخابرات الحربية في عهد وزير الدفاع آنذاك، السفيه السيسي، في أعقاب الانقلاب العسكري، وتحديدا في يد رئيس مكتبه اللواء عباس كامل، الشهير بتسريبات الترامادول، ثم انتقل معه إلى المخابرات العامة في يوليو الماضي، عندما انتقل رئيسا للجهاز الأهم في مصر. وخلال عام 2018، أغلقت عدة قنوات من بينها قناة أون لايف الإخبارية، ودي إم سي سبورت، وسي بي سي العامة، وقناة “إل تي سي”، و”العاصمة”، واستقال عدد كبير من المديرين التنفيذيين والفنيين، وتم منع ظهور إعلاميين آخرين ووقف برامجهم، من بينهم إبراهيم عيسى، ويوسف الحسيني، وأماني الخياط، وتامر عبد المنعم، وغيرهم من الوجوه. وتعليقا على ما شهدته الساحة الإعلامية من تغييرات، قلل الخبير الإعلامي “حازم غراب” من شأن سيطرة الجيش على الإعلام، قائلا: إن “التجربة فشلت بشهادتهم، ومحاولة امتلاك القنوات بدل امتلاك أصحابها هو الطريق المختصر، ولكن تناسوا أن هناك فضاء مفتوحا لا يقدرون على حظره أو ملكه، حيث يستطيع المصريون مشاهدة وسماع ما يريدون”. وأضاف أن أكبر دليل على فشل إعلامهم العسكري “هو الهجوم على شركة “إبسوس” لأبحاث التسويق وإغلاقها، بعد كشفها عن تراجع تأثير قنوات الإعلام لصالح قنوات الثورة؛ فالناس باتت تدرك تدليس وكذب إعلام النظام، وفقدوا المصداقية في كل أحاديثهم”. وأكد أن “أذرع السيسي الإعلامية خسرت شرف المهنة من أجل السلطة أو الشهرة وتحولوا إلى مطايا في يد أسيادهم يملون عليهم ما يقولون، وضللوا المصريين بتدليس الحقائق، وأهانوا مهنة الإعلام والصحافة، ولذلك فشلوا مع ماليكهم الجدد في تقديم مادة حقيقية تعبر عن الواقع والحقيقية”. قنوات فاشلة من جهته أكد مدير عام قناة مكملين التي تبث من تركيا، أحمد الشناف، أن “كل مساعي نظام السيسي من خلال الجيش لامتلاك الإعلام نجحت، ولكنها فشلت في امتلاك الجمهور، الذي أدرك أن هناك جهودا من أجل صرف نظره عن قضاياه الحقيقية، ومشاكله اليومية”. وأبرَزَ مدى قدرة قنوات الثورة في الاستحواذ على مشاهدات المصريين بالقول: “لعل أكبر دليل على إنفاق مليارات الجنيهات دون طائل هو انصراف الجمهور عن القنوات الموالية للنظام، ومتابعة قنوات الثورة في الخارج، كما أكد ذلك كتابهم ومفكروهم في أكثر من مقال ومناسبة”. واستبعد الشناف قدرة الانقلاب على استيعاب الحقائق ونقلها، وبالتالي نيل مصداقية المصريين، قائلا: “لا شيء يمكن أن يقدمه الإعلام أفضل من الحقائق، وافتقار النظام لها يؤكد بلا شك أنه غير قادر على مواجهة الشعب بمشاكله وهمومه، وطريقة معالجتها فيلجأ إلى قضايا فرعية فنية كانت أو رياضية، المهم أنها لا تعبر بشكل من الأشكال عن واقع الناس”.