أعادت التسريبات التي نشرتها العديد من الصحف العالمية والتركية وقناة الجزيرة بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول، الاعتبار للتسريبات التي أذاعتها قنوات وطن والشرق ومكملين والجزيرة والجزيرة مباشر مصر. ورأت دراسة للباحث محمد حسن بعنوان “ما لا يقوله العسكر: حديث التسريبات” أن التسريبات لعبت دورا مهما في كشف الرسائل المبطنة ودلالات الخطاب الذي يتداوله السيسي وعباس كامل وقادته الأمنيين ورؤيته للخليج وللشعب المصري ونهمهم لجمع الأموال. وأضاف أنه مع الوقت أصبحت التسريبات جزءا لا يتجزأ من العمل الإعلامي، لدرجة أنه لا يكاد يخلو شهر من تسريب مهم صادر عن صحيفة هنا أو قناة تليفزيونية هناك، أو موقع إلكتروني أو حتى حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وعادة ما تؤثر هذه التسريبات على مسار الأحداث. وأشار الباحث إلى أن التسريبات كونها عملا غير أخلاقي بنظر البعض إلا أنه يمثل الشفافية للوصول للحقيقة، وأن صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت واحدا من تلك التسريبات، وهو تسريب ضابط المخابرات الحربية أشرف الخولي مع عدد من الإعلاميين والفنانين، كما أشارت الصحيفة إلى أن شركة "جي بي فرينش أسوشييتس" المتخصصة في تحليل الأصوات خلصت إلى صحة تسجيلين للسيسي عندما كان وزيرا للدفاع مع عدد من قادة الجيش من بين ثلاثة تسجيلات قام حزب “الحرية والعدالة” بتسليمها إلى الشرطة البريطانية. العسكر بخطابين ولفت الباحث في دراسته إلى أن الفترة من سبتمبر 2013 وحتى خريف العام 2018، شهدت عشرات التسريبات التي كشفت عن الكثير من الأمور الغامضة، لكن أبرز ما كشفته هذه التسريبات-21 تسريبا- التي كانت في معظمها صوتية، وجود خطاب لقادة الجيش الممسكين بمقاليد الحكم في البلاد يختلف إلى حد التناقض مع ذلك الخطاب المعلن. والذي يتم بثه عبر البيانات الرسمية للجيش ومؤسسة الرئاسة أو من خلال الخطابات والأحاديث الإعلامية التي يتم إلقاؤها في المناسبات المختلفة. ورأى أن التسريبات أظهرت التناقض في الخطاب الوارد بالتسريبات في عدد من الموضوعات أهمها رؤية الجيش للدولة وللإعلام وللمنهج الاقتصادي المتبع وللقضاء وللشعب ولدول الخليج. من نوع “التسريبات الفاضحة”، وهي التي تعمل على كشف مساوئ نظام أو شخص نافذ من خلال نشر ما يجري في الغرف المغلقة. حلال علينا البلد ونبه الباحث إلى أن الدولة في خطاب الجيش غير المعلن تعني الاستيلاء عليها عكس الخطاب المعلن بعبارات من قبيل: "لا والله ما حكم عسكر" و"ليس لنا طمع في حكم مصر" و"حماية الشعب أهم عندنا من حكم مصر". وعندما قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة ترشيح السيسي للرئاسة. وفي المقابل أظهرت التسريبات خطابا مختلفا تماما يشير بحسب الدراسة؛ إلى أن قادة الجيش ينظرون إلى الدولة ومواردها كنوع من الغنيمة أو طريق لتحقيق الطموحات الشخصية، ففي فبراير 2015 بثت قناة "مكملين" تسريبا من داخل مكتب السيسي بوزارة الدفاع، قال فيه الأخير للواء عباس كامل عبارة لافتة وهي "حلال علينا البلد". تيران وصنافير وبينما يؤكد قادة الجيش في خطابهم المعلن على أنهم "حماة الوطن"، وأنهم لن يفرطوا في شبر واحد من أرض مصر، يؤكد تسريب بثته قناة "مكملين" في فبراير 2017 على العكس تماما، حيث كشف التسريب الذي كان لمكالمة هاتفية بين وزير خارجية السيسي سامح شكري و إسحق مولخو المحامي الشخصي لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، عن تنسيق بين الطرفين بشأن جزيرتي تيران وصنافير. عسكر ترامادول واعتبر محمد حسن أن التسريبات كشفت عن ممارسات تعتبر شائنة بالمقاييس المصرية، حتى إن اسم اللواء عباس كامل أصبح مقترنا ب"الترامادول" (نوع من الحبوب المخدرة)، عقب نشر تسريب له على قناة "مكملين" الفضائية خلال حديث له مع السيسي، قال فيه: "على فكرة، بنت خالتي امبارح بتسألني إيه الحبايتين دول، فقولتلها بصراحة يعني نظرا للتوتر اللي إحنا فيه، فاحنا كل واحد فينا كل يوم الواحد بياخد حباية ترامدول بيهدي نفسه بيها"!! الشعب عالة واعتبر الباحث محمد حسن أن أخطر ما أظهرته التسريبات فيتمثل في اعتبار القيادات العسكرية أن الشعب عالة على الدولة – التي يتم مختزلة في الجيش – وبالتالي فإن الجيش عليه أن ينفق على الشعب الذي لم يبلغ حد الرشد بعد. ففي تسريب لقناة مكملين وصف اللواء عباس كامل في فبراير 2015 الشعب بأنه "جعان ومتنيل بنيلة، وظروفه أنيل"، وهو ما تكرر كثيرا في خطاب الجيش المعلن والذي أوضحه الباحث في دراسة: تصور الجيش المصري لذاته والدولة والشعب بعد ثورة يناير 2011، المشار لها في المقدمة. إعلام الأذرع وفند الباحث علاقة العسكر بالإعلام ونظرتهم له بواقع خطابات السيسي لا تفتأ تؤكد على أهمية الإعلام ودوره في بناء البلاد. وفي المقابل كشفت محادثة هاتفية مسربة في يناير 2015 بين اللواء عباس كامل، والمتحدث العسكري الأسبق العقيد أحمد محمد علي، كشفت عن تلقين عباس للمتحدث العسكري خطة حملة إعلامية تهدف إلى "تهييج" الناس لمصلحة السيسي، حين كان مرشحا للرئاسة. وكيفية تلبيس الشعب "العمة" حسب قوله. وخلال ندوة نظمها الجيش لوزير دفاعه وقتها عبد الفتاح السيسي قبيل الانقلاب، قال السيسي إن القوات المسلحة تعمل على تشكيل أذرع إعلامية، لكن الأمر يستغرق وقتا طويلا. وعلى لسان عباس كامل وصف الإعلاميين بأنهم "الإعلاميين بتوعنا" مرددا أسماء أحمد موسى ووائل الإبراشي وإبراهيم عيسى وعزة مصطفى وأسامة كمال ونائلة عمارة ومحمود مسلم …. إلخ، ووصف أحد المذيعين ب "الواد يوسف الحسيني". مفيش بلاش وفي تسريبات شكلت توجهات العسكر الأساسية رأى الباحث ان أبرز التسريبات التي كشفت عن توجهات السيسي الاقتصادية فكانت خلال توليه وزارة الدفاع وتم تسريبه في أكتوبر 2013، حيث قال فيه: "لو حكموني هخلي اللي بيتكلم في التليفون يدفع، واللي بيسمعه يدفع.. بما إنكم عندكم استعداد تتدفعوا فلوس، طيب ما ناخد منكم علشان نبني بلدنا"، وقال: "لو هتدفع هوريك اللي مشفتوش.. إنما ببلاش، أنا معرفش حاجه اسمها ببلاش". واستدرك أن البلاد شهدت في ظل السيسي ارتفاعا كبيرا في أسعار الخدمات والسلع دون أن يصاحبها زيادة مماثلة أو حتى قريبة في دخول المواطنين الغير مرتبطين بشكل مباشر بالنظام. الخلاصة وخلص الباحث إلى أن هناك خطابا مزدوجا (سري وعلني) لقيادات الجيش المصري المتحكمين في مصير البلاد. وقد لخصت هذه الدراسة أبرز هذه التناقضات في خطابهم بشأن الدولة والشعب وتعاملهم مع الإعلام والقضاء بالإضافة إلى سياساتهم الاقتصادية وتعاملهم مع الدول العربية وخاصة دول الخليج. وقد أدى هذا التناقض في الخطاب إلى انخفاض ملموس في المصداقية لدى الجماهير المصرية، وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال التقارير الصحفية المحايدة التي ينفذ معظمها صحفيون وباحثون أجانب. ما لا يقوله العسكر: حديث التسريبات