ليس كل ما يقال في مصر يسهل ترجمته للغات الأخرى، هناك عبارات وجمل يخجل التاريخ من ذكرها وتستعصي على نقلها إلى الفرنسية، من بين هذه العبارات “أنتو ماتعرفوش إنكم نور عنينا ولا إيه”، وهى العبارة التي خدع بها قائد الانقلاب وبئر السهوكة مؤيديه الملهمين بحبه، فبدأ يستجلب عطف ومشاعر المواطنين، وأصبحت أقوى حقنة تخدير للشعوب عرفتها البشرية. وخلال رحلة تطور خطابه، قال السفيه عبد الفتاح السيسي “نجوع ومانكلش”،، فتنوعت لهجة السفيه بحسب المواقف التي يريد فيها خداع المصريين، ورغم حميمية العلاقة بين الرئيس الفرنسي والسفيه السيسي، وأن المرء على دين خليله إلا أن ماكرون لم ينتبه إلى الثراء اللغوي لدى السفيه السيسي، وفاته خلال أزمة السترات الصفراء أن يلتقط منه تلك العبارة تحديداً. اضرب في المليان وعلى خلاف سياسة الضرب في المليان والقتل التي يعتمدها السفيه السيسي مع رافضي الانقلاب، أمر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس حكومته إدوار فيليب بإجراء محادثات مع قادة الأحزاب السياسية، وممثلين عن السترات الصفراء الذين يواصلون احتجاجاتهم للأسبوع الثالث في مدن عدة أبرزها باريس رفضا لسياساته الاقتصادية، وذلك في مظاهرات تعد الأعنف بفرنسا منذ نصف قرن. يقول الناشط السياسي محمود الجيزاوي:” أهل فرنسا الكرام بعد نجاح مظاهراتكم والغاء قانون رفع سعر المحروقات لو جاء واحد وقال لكم انتوا نور عنينا بالفرنساوي طلعوا ميتين أمه بالعربي…”، ويقول الكاتب الصحفي رضا العراقي:” “القلة المندسة” فى فرنسا تجبر حكومتها على التراجع بزيادة سعر البنزين”، ويوافقه الناشط رمضان شريف بالقول:” لغريب أن المظاهرات في فرنسا صاحبتها حرائق وإتلاف ممتلكات وأعمال عنف ولم يصدر وصم لها بقلة مندسة او عملاء او خونة او قابضين او مؤامرة”. وعقد ماكرون الأحد الماضي اجتماعا طارئا لأعضاء حكومته، وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن الرئيس طلب من وزير الداخلية كريستوف كاستانير تهيئة قوات الأمن لمواجهة الاحتجاجات في المستقبل، كما طلب من رئيس الوزراء إجراء محادثات مع زعماء الأحزاب السياسية وممثلي المحتجين، وقال مصدر في الرئاسة الفرنسية إن فكرة فرض حالة الطوارئ في البلاد لم تكن محل بحث. المرة دي تنزل وصرح رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشير أن على الحكومة التخلي عن قرارها زيادة الضرائب على المحروقات، مؤكدا أنه غير مسموح للحكومة حدوث “سبت أسود” ثالث، واندلعت احتجاجات “السترات الصفراء” منذ 17 نوفمبر الماضي تعبيرا عن رفض رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، إذ أغلق المحتجون طرقا في أنحاء مختلفة من البلاد وأعاقوا الدخول إلى مراكز تجارية ومصانع وبعض مستودعات الوقود. وقبل دعوة ماكرون إلى الحوار، زار مباشرة بعد عودته من قمة العشرين في الأرجنتين مسرح أحداث الشغب بالعاصمة باريس، ولا سيما في ساحة “قوس النصر” التي تجمع عندها المحتجون ودخلوا في صدامات عنيفة السبت الماضي مع رجال الأمن، الذين لم يحصلوا على فتوى من أي قسيس فرنسي بجواز قتلهم، لأنهم خوارج وريحتهم نتنة! وبعد 17 يومًا من الاحتجاجات، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، إدوار فيليب، تعليق الزيادات المقررة على ضرائب الوقود لمدة ستة أشهر على الأقل، وهو التراجع الأول الكبير لحكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد 18 شهرا على توليه السلطة، وفي مقارنة بين التظاهر ضد الانقلاب في مصر والتظاهر في فرنسا، يقول الناشط أحمد صيدناوي:” أصل مينفعش ناس بتقراء لديكارت وبتسمع اديث بياف يِتضحك عليهم زي ناس بتتفرج على محمد رمضان وبتسمع حمو بيكا”. دجل صحيفة الباز وبينما خرجت صحيفة الدستور، التي يديرها الصحفي الأمنجي محمد الباز، بمانشيت عريض على صدر صفحتها الأولى يقول “إنهم يهدمون فرنسا”، لم تجرم وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية والخاصة المتظاهرين ولم تتهمهم بالإرهاب أو تفتري عليهم بأنهم ممولين من تركيا أو قطر، يقول الناشط محمود بسيوني:” أهو تراجعوا عن القرار ولم تهدم فرنسا يا رمم”. ودفاعاً عن الثوار المصريين والمتظاهرين وعدم مقارنة الأوضاع في مصر بفرنسا، يقول خبير الطب النفسي عمرو أبو خليل:” يعجبنا الافيه فنروح مشيرين الكلام بدون تدقيق زي حكاية ان اللي بياكلوا كرواسون ارجل من اللي بيفطروا فول وطعمية”، مضيفاً:”طبعا مقارنة ثورة 25 يناير المصرية باحتجاجات فرنسا من اجل ارتفاع سعر البنزين فيه ظلم للطرفين لان الفرنسيين لم يزعموا انهم نازلين يغيروا النظام او يقفوا ضد ألة قمع عسكرية تحكم البلاد والعباد منذ 1952 او يتعاملوا مع اقدم دولة عميقة في التاريخ ومع ذلك نجح المصريين في نيل إعجاب واحترام العالم في ثورة رائعة اضاعتها نخبة هزيلة فاشلة وواجهها تحالف الفساد والطغيان والقمع”. وتابع:”ومع ذلك يظل إنجاز الشعب المصري في ثورته إنجاز لايمكن إهداره لان الدروس المستفادة واللعب ع المكشوف الذي أصبحت تدار به الأمور في مصر بحيث أصبحت القوى الحقيقية المسيطرة على الأوضاع هي الظاهرة في الصورة وليس ستارا مدنيا سيكون له اثاره على المدي الاستراتيجي في تغيير الأوضاع ولو بعد حين”. وختم أبو خليل بالقول :”يبقى الكلام الذي يقلل من شأن إنجاز المصريين في ثورتهم كلام لايليق حتى ولو كان شكله حلو لانه داخل في إطار ان نفقد الامل في تغيير احوالنا وهو امر سيحدث باذن الله اذا أخذنا بالأسباب وعمقنا الوعي لدى الشعب بقيمته وقوته التي ينهزم أمامها اَي طغيان او قمع وليس العكس .استقيموا يرحمكم الله”. ارحل وبعبارات مهينة ومطالبة بمغادرته، تلقى ماكرون نبأ تراجع شعبيته خلال زيارته لمقر بلدية في جنوبفرنسا من أجل تفقد الأضرار التي لحقت به خلال تعبئة قام بها محتجو “السترات الصفراء” السبت الماضي، ورغم ذلك لم يتجه إلى إنشاء عاصمة إدارية جديدة غير باريس ومغادرة قصر الإليزيه، على غرار ما يقوم به السفيه السيسي للاختباء ساعة الخطر من المصريين. وفي الأشهر الأخيرة، تهاوت شعبية ماكرون بصورة كبيرة، فحسب آخر الإحصائيات، فإن الرئيس الفرنسي فقد أكثر من ست نقاط من رصيد شعبيته في غصون شهر واحد، فبعد عام ونصف من وصوله إلى الإليزيه، شكلت أزمة احتجاجات “السترات الصفراء” ضربة قاسية لماكرون، الذي فضل البقاء في الظل، مكلفا رئيس الوزراء إدوار فيليب الإعلان عن التنازلات الأولى. ويأتي تراجع شعبية الرئيس الفرنسي في خضم سلسلة من القضايا التي تتالت في الأشهر الأخيرة، ففي الثامن والعشرين من أغسطس، أعلن وزير البيئة نيكولا هولو استقالته، ما فتح المجال لطرح تساؤلات عدة حول طريقة إدراة ماكرون لحكومته خاصة أن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد بل تلاه استقالة وزير الداخلية جيررا كولومب. وقبل ذلك، في منتصف يوليو، تفجرت قضية المساعد السابق لمدير مكتب ماكرون، ألكسندر بينالا، بعرض فيديو يظهر فيه الأخير وهو يضرب أحد المتظاهرين خلال مسيرة 1 مايو، ما أثار طرح العديد من التساؤلات حول شفافية ماكرون والحكومة الفرنسية، والسؤال الآن اذا ما قورنت شعبية ماكرون بالسفيه السيسي، كم نسبة من لا يزال يؤيد الانقلاب بين المصريين؟