من السابق لأوانه وضع توقعات لتبعات قتل الصحفي السعودي البارز “جمال خاشقجي” على بلدان الربيع العربي قابلة للثبات، ولكن الهزة السياسية التي يعيشها النظام السعودي نتيجة عملية الاغتيال، لن تكون بلا نتائج على المنطقة، وخاصة على البلدان التي اعتبرها النظام السعودي معادية له أو مثيرة للقلاقل، والتي لا يريد أن يعترف بأنها عاشت ربيع تأسيس الديمقراطية التي لا تسمح بنشر الناس بمناشير. يقول الراحل “خاشقجي” في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست في وقت سابق، أن المملكة العربية السعودية تدفع ثمن “خيانتها” للربيع العربي، وإن ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز وقف موقفاً متشدداً من ثورات الربيع؛ خشية اندلاع تحركات مشابهة في شبة الجزيرة العربية. ومنذ شتاء 2011، حين كانت الثورة التونسية تقدح نارها في هشيم الأنظمة العربية فتشتعل مصر واليمن، وتقوم مظاهرات لأول مرة في بلد آل سعود، انحاز النظام السعودي إلى الجبهة المعادية للثورة العربية وأعلن عليها الحرب، وكانت أهم حركة معادية للثورة هي دعمه للانقلاب العسكري في مصر. ثم صرف جهده إلى إفشال الثورة في كل قُطر بدأ عملية التغيير الديمقراطي، ولقد طرحت بوابة “الحرية والعدالة” السؤال: هل يكون جمال خاشقجي هو بوعزيزي السعودية؟، نحن الآن في وضع مراقبة ارتدادات العملية، فالعملية ستكون لها ارتدادات مهمة في الداخل؛ ستنعكس بدورها على موقف النظام في الخارج تجاه بلدان الربيع العربي بالذات. من جهته يقول الكاتب الصحفي صبحي بحيري:”ذهب بعض دراويش المعارضة فى الداخل والخارج الي ان أزمة خاشقجي ستكون حلا لكل مشاكل وأزمات المنطقة بعضهم قال إن أردوغان لابد أن يطالب بفك الحصار على قطر و عزل محمد بن سلمان وإطلاق سراح الرئيس مرسي ودفن صفقة القرن وإنهاء الحرب فى اليمن، مستندين إلى ان الجريمة التي ارتكبها السعوديين في تركيا والأوراق التي يملكها اردوغان كفيلة بذلك”. مضيفاً:”تركيا دولة لها حساباتها ومصالحها، وأردوغان يتصرف فى هذه الأزمة وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية وهو يعلم أن محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 كانت برعاية خليجية وان90% من الأزمات التي تعيشها المنطقة مصنوعة بأموال أو أفكار المحافظين الجدد في جزيرة العرب”. وشدد بحيري:”أقول قولي هذا قبل يوم من كلمة أردوغان المرتقبة والتي ينتظرها نصف سكان المعمورة على الأقل، أردوغان لن يحارب معركتك فلا تنتظر منه مائدة المن والسلوى في ظروف دولية وإقليمية يحكمها قانون” الرز” الخليجي”. بينما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، آخر مقال كتبه الإعلامي السعودي جمال خاشقجي قبل اختفائه في 2 أكتوبر الجاري، بعد زيارته للقنصلية السعودية في إسطنبول، وفي مقاله الذي جاء بعنوان ” أَمَسُّ ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير”، بدأ خاشقجي بالإشارة إلى تقرير من مؤسسة “فريدم هاوس” عن الحريات في العالم لعام 2018، الذي أظهر أن دولة عربية واحدة مصنفة “حرة”، وهي تونس، ويليها الأردن والمغرب والكويت في المرتبة الثانية بتصنيف “حرة جزئيا”، وباقي الدول العربية “غير حرة”. وبعد تأكيد اغتياله في القنصلية، ستبدأ العائلة الحاكمة في السعودية مرحلة تنازلات قاسية، وستنقذ ما يمكن إنقاذه، أي أنها ستفرط في ما يمكن التفريط فيه، سيكون هناك خاسرون، وأولهم ولي العهد الذي يختفي الآن من الصورة، ويسمح لأبيه ببدء الترميم عبر مجاملة تركيا والتراجع عن التصعيد الإعلامي الذي بدأته ماكينة محمد بن سلمان الإعلامية، فلا قِبل للعائلة بمعاداة العالم، أو حتى مجرد التلميح باستعمال سلاح النفط في وضع اقتصادي عالمي مضطرب. هل نكتب في الأيام القادمة أن قناة التطبيع قد أغلقت، وأن نتنياهو فقد صديقه المبجل؟ يمكننا الكتابة منذ الآن أن “الرز السعودي”، قد انقطع عن السفيه السيسي ورفيق الانقلاب الليبي خليفة حفتر، فشفاطة ترمب لا ترتوي من “الرز السعودي”. لنتحدث عن أثر الفراشة، لقد أحرق خاشقجي عباءة الأمير والملك، والنار الآن تلتهم أثاث قصره، وربما تأخذ في طريقها لوحة المخلص؛ فالمسيح المخلص استعمل المنشار في الخشب ككل نجار طيب، لكنه لم يستعمله في عظم الإنسان، وبين الرياض وواشنطن تحالف بدأ منذ عقود وبقي متماسكاً لم تهزّه الخلاف حول ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011 ولا الانقلاب العسكري الذي دعمته السعودية في مصر في 2013، ولا حرب اليمن التي رافقتها المآسي الإنسانية. لكن قضية “خاشقجي” تهدد بتصدع هذا التحالف، فإذا توَّجب عليك اختيار عامٍ مُحدد حيث بدت تناقضات العلاقة الأمريكية السعودية أكثر عرضةً لأنَّ تُفضي إلى أزمة على مدى العقد الماضي، فلن يكون عام 2018 هو خيارك الأمثل، حسب تقرير صحيفة The New York Times الأمريكية، رُبما تختار عام 2011، حين أجبرت احتجاجات الربيع العربي الولاياتالمتحدة على دعم حركات الديمقراطية في الشرق الأوسط، والتي اعتبرتها الحكومة السعودية بمثابة تهديدات مُهلكة. أو رُبما تختار عام 2013، حين دعمت السعودية انقلاباً عسكرياً دموياً في مصر كانت الولاياتالمتحدة حاولت منع حدوثه، وهو ما كان مؤشراً على نهاية حالة الديمقراطية في المنطقة، أو ربما حتى ستختار عام 2016، الذي بحلوله أصبحت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية منذ أعوامٍ، وحربٌ علقت في شباكها فيها الولاياتالمتحدة نفسها. لكن، قد تكون مخطئاً فعوضاً عن ذلك، وصل التحالف غير الرسمي إلى ذروة الأزمة هذا العام، فيما تبدو الظروف والملابسات وكأنَّها تٌشير إلى تعزيزه؛ إذ يتَّفق البلدان بشأن كل قضية سياسيةٍ مهمة، ولاسيما قضية إيران فحكام البلدين أقرب إلى بعضهم من أي وقتٍ مضى.