عدة رسائل ودلالات تحملها جريمة اغتيال الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده السعودية في تركيا، فبخلاف أن الجريمة تمثل اعتداءً سافرًا على تركيا وإحراجًا للرئيس رجب طيب أردوغان، وإظهاره بعدم القدرة على حماية الأجانب في بلاده، خاصة المهاجرين من أنصار ثورات الربيع العربي، فإن الجريمة توجّه تهديدًا مباشرًا لكل المعارضين السعوديين بأن النظام بات يضيق صدرًا بأي صوت للمعارضة حتى لو كان معتدلًا مثل خاشقجي. من الرسائل والدلالات كذلك من عملية الاغتيال القذرة، أنها تنصب فخًّا للعلاقات التركية السعودية وتضعها على حافة التصعيد والتوتر الذي يمكن أن يفضي إلى الانهيار والقطيعة، حتى تكون مبررًا لتصعيدٍ في المنطقة ربما يطول الشقيقة قطر، في ظل تهور محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ورفيقه محمد بن زايد، أحد أهم أذرع الخيانة والعمالة للمشروع الصهيوني بالمنطقة. وإزاء هذه الجريمة النكراء، يرى بعض المحللين أن أحد الأسباب وراء اغتيال خاشقجي هو مكانته الصحفية المرموقة وعلاقاته المتشعبة بالكثير من الكتاب والصحفيين وأصحاب الرأي والأكاديميين في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا، وهو ما يهدد حملات الدعاية البيضاء وغسيل السمعة التي ينفق عليها ابن سلمان المليارات من أجل إظهاره في صورة المصلح، بينما علاقات خاشقجي تكشف الصورة الصحيحة عن ولي العهد السعودي باعتباره أحد طغاة العرب المستبدين. وكان خاشقجي يكتب مقالا أسبوعيا في الواشنطن بوست، منذ إقامته الاختيارية بالولاياتالمتحدةالأمريكية منذ عام مضى، انتقد خلاله السياسات والتوجهات السعودية فيما يتعلق بالحرب في اليمن وحصار قطر، وتعاملها مع الحركات الإسلامية السنية، وكذلك ملف حقوق الإنسان، واعتقال العشرات من الدعاة والعلماء لمجرد التعبير عن تحفظهم على بعض مواقف وسياسات النظام. وقال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كونتكيت، كريس مورفي، في تعليقه على الخبر: "إذا كان الأمر صحيحا (أي اغتيال جمال خاشقجي)، فيعني هذا أن السعودية خدعت شخصا مقيما في الولاياتالمتحدة وقتلته داخل قنصليتها. يجب أن يُحدث هذا تغييرا جذريا في علاقتنا مع السعودية". وقال الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست"، المحلل في شبكة "سي إن إن"، في تغريدة له: "أنا في قمة الغضب والصدمة من هذا الخبر، الذي تفيد فيه السلطات التركية بأن زميلي جمال خاشقجي قُتل في قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول". أما رئيس قسم الأخبار المسئولة عن البيت الأبيض في صحيفة "واشنطن بوست"، فيليب راكر، فقال: "ببساطة إنه خبر مروع– تركيا تفيد بأن الصحفي البارز جمال خاشقجي الكاتب في صحيفة واشنطن بوست وناقد الحكومة السعودية قتل في قنصلية بلاده". وأضاف: "إنها جريمة مخطط لها". بدوره، قال مدير مكتب صحيفة "ذا إنترسيبت" الأمريكية، معلقًا على الخبر: "إن صعود محمد بن سلمان كان في الغالب من عمل السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، الذي أنفق الملايين على النخبة السياسية في واشنطن العاصمة. لقد تم الترويج إليه كمصلح، قتل للتو الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" (جمال خاشقجي)”. الأستاذ في جامعة "رايس" الأمريكية، كريستيان أولريتشسيان، قال: إذا تذكر أحد، فإن الجزء الذي دعا السعودية لتصب غضبها على كندا كان بسبب أن الخارجية الكندية كتبت تغريدة بالعربية، يمكن ببساطة التخيل أن قرار واشنطن بوست بنشر مقالات جمال خاشقجي أثار ردود فعل مشابهة في الرياض". ونشر تغريدة أخرى لفعالية في أمريكا معلقا عليها: "كنت أتطلع لمشاركة جمال خاشقجي المنصة في هذه الفعالية للحديث عن منطقة الخليج". وكتبت مسئولة صفحة الآراء العالمية في "واشنطن بوست"، وزميلة خاشقجي في الصحيفة كارن عطية: "أنا جدا متأسفة يا جمال. أنت لا تستحق ذلك. أنت لا تستحق ذلك. أنت لا تستحق ذلك. أنت لا تستحق ذلك". وقال المحرر السابق في "واشنطن بوست"، ماركوس بروشلي: "إنه أمر كبير، غضب مطلق، إذا كان صحيحا. إنه تهور من المملكة السعودية ومحمد بن سلمان". والكاتب الصحفي في "ذا نيويوركر" لورنس رايت: علق على الأمر فقال: "المملكة العربية السعودية قتلت صوت الاعتدال". بينما علقت الصحفية إيما بيلز على الجريمة بقولها: "إنه أمر فظيع، ليس فقط لمحبي جمال، بل للصحافة، للمنطقة، ولفكرة أننا نعيش في عالم قائم على القوانين". البروفيسورة في جامعة ميامي رولا جيبرئيل قالت: "أنا مرعوبة ولست متفاجئة؛ نظرًا لعدم تسامح (محمد بن سلمان) مع النقاد (….) لقد تم إعدام "جمال" وبتنظيم وأمر من قبل الرجل الذي أطلق عليه البعض "الإصلاحي". الكاتبة الصحفية في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية بيل ترو قالت: "يجب أن يشعر الجميع بالذعر والقلق إذا صحت الأنباء عن مقتل خاشقجي. لقد عرفته لسنوات أنه كان دائما حذرا للغاية في انتقاد السعودية. إن اختفاءه (موته؟!) يشكل سابقة مرعبة”.