استيقظ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، على مأزق جديد بتورط نجله ولي العهد محمد بن سلمان في قتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ويبدو أن الملك سلمان الذي قليلا ما يتدخل في حسم أي قضية سعودية إلا بعد انفجار الأزمات التي يسبها نجله بدءا من طرح شركة أرامكو في البورصة والدخول شريكا في صفقة القرن ومشروع “نيوم”، رأى أن الوضع أصبح خطرا، للحد الذي نصحه مقربون منه بالتدخل شخصيا والاتصال بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليطلب منه أن يتعاون معه في حل هذه القضية واعتبارها “طيش عيال”. وأعلنت الرئاسة التركية، مساء أمس الأحد، أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز اتصل هاتفيا بالرئيس رجب طيب أردوغان. وذكرت مصادر الرئاسة أن الزعيمين بحثا، خلال الاتصال الهاتفي، مسألة كشف ملابسات قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وأضافت أن الرئيس أردوغان والعاهل السعودي “أكدا على أهمية تشكيل مجموعة عمل مشتركة في إطار التحقيقات المتعلقة بحادثة خاشقجي”، كما ذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) أن العاهل السعودي شكر، خلال الاتصال الهاتفي، الرئيس أردوغان “على ترحيبه بمقترح المملكة بتشكيل فريق عمل مشترك لبحث موضوع اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي”. وأكد العاهل السعودي “حرص المملكة على علاقاتها بشقيقتها تركيا بقدر حرص جمهورية تركيا الشقيقة على ذلك وأنه لن ينال أحد من صلابة هذه العلاقة”، فيما أكد أردوغان تثمينه للعلاقات الأخوية التاريخية المتميزة والوثيقة القائمة بين البلدين والشعبين الشقيقين وحرصه على تعزيزها وتطويرها”. اللعب مع ترمب بهذا الاتصال، وتفاصيله، توالت التعليقات على السوشيال ميديا والقنوات الفضائية، حول إمكانية تعاون أردوغان مع الملك سلمان لغلق ملف القضية، التي أصبحت حديث العالم كله، في غضون اليومين الماضيين، للحد الذي أصبحت فيه سمعة السعودية على المحك، ودارت الأحاديث حول إمكانية عزل ولي العهد محمد بن سلمان وتعيين بديل عنه، خاصة في ظل تهور الأمير الشاب الذي أخذ دورا أكبر من دوره، ودخل في معارك كبيرة مع الداخل ضد أمراء القصر، وفي الخارج من خلال حرب اليمن والعمل ضد ثورات الربيع العربي، وقتل مواطن في قنصلية بلاده على أرض أجنبية. إلا أنه وبالرغم من هذا الاتصال بين الزعيمين، كشفت “الحرية والعدالة” في تقرير سابق لها أن المستفيد الوحيد من حالة التصعيد العالمي في قضية مقتل جمال خاشقجي، هو الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فقط، في ظل حالة الابتزاز التي يمارسها على النظام السعودي لدفع مئات المليارات مقابل استمرار الحماية الأمريكية، لتأتي قضية خاشقجي وتعطي ترمب شرعية هذا الابتزاز، ويسير معه عدد من دول أوروبا مثل بريطانياوألمانيا وفرنسا وغيرهم، ويعملمون مع ترمب في قضية خاشقجي والنظام السعودي نحو تحقيق مصالح مالية واقتصادية لهم.. وكشفت صحف أمريكية على لسان ترمب نفسه، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تصمت على مقتل خاشقجي وسيكون هناك عقوبات قاسية، لكن حينما سئل ترمب عن إمكانية فرض عقوبات عسكرية بحظر بيع الأسلحة؟، انتفض ترمب ونفى نفيا قاطعا، وقال إنه لا يمكن أن يترك 110 مليار دولار صفقات الأسلحة الأمريكية مع السعودية تذهب لروسيا أو الصين. بعدها تدخل دول أوروبا على خط المواجهة، وتسير على نهج ترمب، في ابتزاز الشاب المتهور، وتطالب بالتحقيق وتقوم بمقاطعة مشروعات سعودية “نيوم”، ثم تصدر بيانا مشتركا، بعد أن التقطت أطراف اللعبة من ترمب، وبات في التفكير هي الأخرى في كيفية الاستفادة من هذا الحدث الذي سيكون المقابل فيه مئات المليارات من الدولارات، حيث تطمع دول مقل ألمانيا وفرنسا وإنجلترا في نيل نصيبها والفوز بحفنة من الدولارات التي ستوزعها السعودية.. هل تعاقب واشنطنالرياض؟ سؤال سأله الكاتب الصحفي والباحث السياسي خليل العناني، هل تعاقب واشنطنالرياض إذا ما ثبت فعلياً تورّطها في اختطاف خاشقجي واغتياله؟. يقول العناني إن الإجابة المبدئية هي ربما، ولكن لن يكون العقاب بالحجم الذي قد يضع حداً لحماقة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وتهوره داخلياً وخارجياً. وذلك لعدة أسباب، أولها أن دونالد ترامب هو من يحكم أمريكا الآن، وهو شخصٌ لا يقلّ حماقة وتهوراً عن بن سلمان. ولو أن جريمة اختطاف خاشقجي قد تمت في عهد أوباما أو أي رئيس آخر أكثر عقلانية لربما اختلف الأمر، خصوصاً وأننا إزاء جريمة اختطاف واغتيال لصحافي مؤثر، تمت على أراضي دولة أجنبية، وجرت تحت عيون المخابرات الأمريكية التي اعترضت اتصالات سابقة بين مسؤولين سعوديين وخاشقجي لإغرائه بالعودة إلى السعودية، من أجل القبض عليه. وأضاف العناني أن ترامب بنى جزءاً مهماً من خطته الاقتصادية الداخلية على ابتزاز “جيوب” الرياض، تحت شعار “الدفع مقابل الحماية”، الذي بات يردّده في جميع لقاءاته الجماهيرية، ويفاخر به كما لو كان أحد إنجازاته في السياسة الخارجية. وهو قطعاً لن يضحّي بمليارات الدولارات التي يأخذها من آل سعود، سواء في شكل مبيعات للسلاح أو استثمارات اقتصادية، فترامب لا يعرف سوى لغة المصالح، وقد قالها صراحة في لقاء تلفزيوني قبل يومين إنه لن يضحّي بالعقود العسكرية بين واشنطنوالرياض، والتي تصل إلى حوالي 110 مليارات دولار، خصوصاً وأنه في موسم انتخابي الآن، وبحاجة إلى الأموال من أجل مواصلة الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي، وتوفير آلاف الوظائف للأمريكيين. كما أن من الصعب تخيّل تقويض ترامب أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة من أجل عيون أي شخص، حتى وإن كان بحجم جمال خاشقجي ووزنه وتأثيره. وتابع أن ترامب بنى استراتيجيته في المنطقة على التحالف الوثيق بين الرياض وتل أبيب وأبوظبي والقاهرة، وذلك في مواجهة إيران. ومعاقبة الرياض على جريمتها بحق خاشقجي قد تدفع بتغير مربع التحالفات في غير صالح هذه البلدان. وفي ظل الدفء في العلاقات بين هذه البلدان، من الصعب عليها أن تترك الرياض وحيدة في مواجهة احتمالات معاقبتها والتأثير عليها. لذا من المتوقع أن تلعب هذه البلدان، خصوصاً تل أبيب، دوراً في التقليل من حجم الضرر الذي قد تتركه أزمة خاشقجي على العلاقات الأمريكية – السعودية. وسوف تستغل تل أبيب علاقاتها داخل إدارة ترامب، خصوصاً مع زوج ابنته وكبير مستشاريه، جارد كوشنير، من أجل مجابهة الضغوط التي يتعرّض لها ترامب من الرأي العام والكونغرس الأمريكي بشأن فرض عقوبات على السعودية. وأكد العناني أن شركات العلاقات العامة واللوبيات التي تعمل لصالح السعودية وأبوظبي في واشنطن، وهي كثيرة، لن تتوقف عن الضغط على أعضاء الكونغرس الذين يطالبون الآن بمعاقبة الرياض، من أجل تخفيف لهجتهم وصرفهم عن ذلك، خصوصاً وأننا في موسم انتخابي ساخن، وهؤلاء بحاجة لكل أشكال الدعم من أجل الاحتفاظ بمقاعدهم في الكونغرس، خصوصاً مجلس الشيوخ. وقال العناني إن المخرج الوحيد من الأزمة الحالية هو حدوث تسوية أو صفقة ثلاثية بين أنقرةوالرياضوواشنطن، بحيث لا يتحمّل بن سلمان، مباشرة، مسؤولية اختطاف خاشقجي واغتياله، وأن يتم توجيه الاتهام لأفراد عاديين في مقابل دفع مبالغ مالية لهم. وفي هذه الحال، سوف يخرج الجميع فائزاً، ما عدا جمال خاشقجي الذي سيذهب دمه هدراً. السعودية تغير معالم السفارة وكانت مصادر أمنية تركية أكدت قيام السعوديين بدهن جدران من مكاتب القنصلية السعودية. وقد تم ذلك بعد يوم من اختفاء خاشقجي، مضيفاً أنه تم أيضاً دهن جزء من منزل القنصل أيضاً هذه الأدلة تؤكد مقتل جمال خاشقجي وحول أبرز الأدلة التي تؤكد مقتل خاشقجي، قال توران: «هناك تسجيلات صوتية لدى السلطات التركية وهذا دليل 100٪ يؤكد أنه تم قتله، وننتظر أن يتم نشر تلك التسجيلات». وأشار توران إلى أن التسجيل الصوتي ليس الدليل الوحيد الذي يثبت مقتل صديقه خاشقجي كذلك روايتهم في انقطاع كاميرات المراقبة التابعة للقنصلية «لقد أتتنا معلومات من الشركة الأمنية المسؤولة عن كاميرات المراقبة. وأكدوا أنه من المستحيل أن تنقطع تلك الكاميرات جميعا، ولم تحدث معهم أبداً، وأنها حتى في حالة انقطاعها لأي سبب فني تستمر بالتسجبل». وأكمل حديثه قائلاً: «سؤال ما إذا كان قد قُتل أم لا إجابته معروفة ومحسومة، لكن ما نريد معرفته هو أين جسده؟ هل تم وضعه في حقائب ورميه في إسطنبول، أما تمت إذابته بحمض كيميائي؟ وعن طريقة القتل كل ذلك يثبته إيجاد الجسد». التاريخ يشير للتسوية ومن خلال تعامل النظام الأمريكي والأوروبي، مع كل الحوادث المشابهة والجرائم المماثلة في الشرق الأوسط ، تشير كل التجارب إلى حدث تسوية قريبة في قضية مقتل خاشقجي. في مصر وحدها سكتت أوروبا وأمريكا على دماء آلاف الشهداء في أكبر حادث إجرامي في التاريخ، وهو فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، ومئات الأحكام من الإعدامات التي نفذ بعضها ومازال بعضها قيد الانتظار. وقامت الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس السابق أوباما والحالي ترمب بفرض عقوبات هزلية بتعليق المعونات العسكرية لفترة قصيرة ثم إعاداتها مرة أخرى، بعدما صرح ترمب بأن للولايات المتحدة مصالح عليا في أمنها القومي تتطلب التعاون مع نظام السيسي. بل أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حينما سئل عن الانتهاكات الحقوقية لعشرات الآلاف من المعتقلين في سجون الانقلاب، قال إنه لن يعطي دروسا لعبد الفتاح السيسي في حقوق الإنسان، وذلك بعد إبرام صفقة الميسترال والطائرات الرافال مع نظام السيسي، وهو نفس الخط التي دخلت فيه ألمانيا. بل أن إيطاليا حينما صعدت من أزمتها مع مصر على خلفية مقتل الناشط الإيطالي جوليو روجيني في مصر على يد بلطجية الداخلية، اكتفت إيطاليا بعد إبرام عدة صفقات تجارية ودفع تعويضات كبيرة بعودة العلاقات، مع سلطات الانقلاب مجددا. ولا ينسى أحد حادثة طائرة لوكيربي الشهيرة التي فجرها نظام الرئيس الليبيب السابق معمر القذافي وكان على متنها أمريكيين، وحينما قامت الدنيا، انتهت القضية بدفع تعويضات مالية كبيرة من ليبيبا لأمريكا لغلق الملف.