لم يكن ما حدث مع الفنان والإعلامي هشام عبدالله من جانب شرطة الإنتربول الدولية في تركيا جديدا بل للمرة الرابعة يتكرر نفس السيناريو بعدما تم القبض من قبل على الإعلامي أحمد منصور في يونيو 2015 في ألمانيا وتوقيفه والتحقيق معه والإفراج عنه، ثم مع عبدالرحمن عز في ألمانيا أيضًا، ومع الدكتور محمد محسوب وزير الشؤون القانونية في عهد الرئيس محمد مرسي منذ أسبوعين في إيطاليا. الإفراج المتكرر عن المطلوبين من جانب نظام العسكر في مصر والمدرجين على قوائم الشرطة الدولية "إنتربول" للاعتقال والتسليم لمصر، في أكثر من دولة أوروبية، وتسليم دول أخرى كأسبانيا أثار عدة تساؤلات كان أبرزها لماذا ترفض معظم دول أوروبا تسليم الموقوفين إلى نظام العسكر في مصر؟. كان رئيس الانقلاب قد أعلن في أحد المؤتمرات عن استفزازه من ممارسات إعلام الثورة الذي يبث من الخارج ومن قيادات ثورة يناير والشرعية التي تتحرك بكل سهولة أوربيًا دون عائق٬ وقال الطاغية السيسي صراحة: "نحن سنحضرهم"٬ وهو ما دفع البعض إلى ربط التوقيفات التي جرت مؤخرا باعتبارها جزءا من حراك تقوده الخارجية بحكومة الانقلاب٬ والقضاء٬ والداخلية والإنتربول. ويصل عدد الدول الأعضاء في الإنتربول إلى 190 دولة، ويعمل بها ما يزيد على 700 شخص، بميزانية تبلغ حوالي 113 مليون يورو. يحدد القانون الأساسي للمنظمة أهدافها في تأمين وتنمية التعاون المتبادل على أوسع نطاق بين سلطات الشرطة الجنائية كافة، وإنشاء وتنمية المؤسسات القادرة على المساهمة الفعالة في الوقاية من جرائم القانون العام ومكافحتها. ويتركز عمل المنظمة في مكافحة جرائم الإرهاب، والجرائم الإلكترونية، والإتجار بالمخدرات، والإتجار بالبشر، والجرائم المرتكبة ضد الأطفال، والأعمال الفنية المسروقة، والجرائم البيئية، حسبما أوضح التقرير السنوي الأخير للمنظمة والصادر في 2015. ورغم الكثير من النجاحات التي حققتها المنظمة في مجال مكافحة الجريمة المنظمة وإسقاط العديد من شبكات الإجرام الدولية، إلا أن أصابع الاتهام لا تزال توجه لها أحيانًا، باعتبارها تساعد «الحكومات غير الديمقراطية» في ملاحقة المعارضين السياسيين الذين لم يرتكبوا جرائم حقيقية، أو كما وصفها الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقال له بصحيفة الإندبندنت بأنها «تقوم بعمل الطغاة، لكن بلطف أكبر". ويمكن تفسير عدم تسليم المطلوبين للنظام العسكري بعدة أسباب منها: السبب الأول: عدم ثقة معظم الحكومات الأوربية في النظام العسكري في مصر حتى لو كانت ترتبط به بمصالح اقتصادية، لكنها تدرك أنه نظام ديكتاتوري استبدادي تأسس على انقلاب عسكري دموي أطاح بنظام ديمقراطي منتخب. يعزز من هذه التصورات الانتقادات الحادة التي يتعرض لها النظام من جانب مؤسسات حقوقية دولية لها سمعة كبيرة دوليا في هذا المجال مثل هيومن رايتس ووتش والعدل الدولية وغيرها. السبب الثاني: عدم الثقة في منظومة القضاء الموالية لنظام الانقلاب، والذي باتت سمعته في الحضيض خصوصا مع تدني ترتيب القضاء المصري في مؤشر العدالة الدولي الأخير، الذي صدر في يوليو الماضي، حيث تذيّلت مصر قائمة الدول العربية والإفريقية في الترتيب العالمي الذي تصدّرته الدنمارك والدول الأوروبية. وحلت مصر في المرتبة 110 من مجموع 113 دولة من حيث نزاهة القضاء وسيادة القانون، حسب مؤشر مشروع العدالة العالمية (WJP)، الذي صدر في 20 يوليو 2018م، ويستند في تقييمه إلى 44 مؤشرا، منها: السيطرة على الحكومة، وغياب الفساد، والحقوق الأساسية، والنظام والأمن، والعدالة المدنية، والعدالة الجنائية. أما الدول التي حلّت بعد مصر وفق المؤشر فجاءت كالآتي: أفغانستان في المرتبة 111، وكمبوديا في المرتبة 112، وفنزويلا في المرتبة 113 والأخيرة. وسبقت مصر دول مثل الكاميرون، وزيمبابوي، وإثيوبيا، وباكستان، وأوغندا، وبوليفيا، وبنغلاديش، وهندوراس، ونيكاراغوا، وكينيا. السبب الثالث : معيار المصالح، فبعض الدول وليس كلها التي تحكمها مصالح سياسية واقتصادية مع نظام العسكر هي فقط من يمكنها تسليمهم وهناك أيضًا دولًا أوربية يمكن أن تمتثل لمطالب النظام وفقا لمصالحها الاقتصادية مع مصر٬ غير أن هناك دولا أخرى تمنع قوانينها تسليم مواطنين دولة ينفذ فيها حكم الإعدام. السبب الرابع : يعزو البعض أسباب ذلك إلى أن الأنتربول يبعد نفسه عن القضايا الدينية والسياسية والعنصرية، والتهم الموجهة لقيادات الثورة بالخاارج تهمة سياسية ملفقة ومضحكة ولا يعترف بها الإنتربول الدولي. من جهته، رأي الناشط الحقوقي جمال عيد أن ما حدث مع الدكتور محسوب في مجمله انتصار للعدالة: وقال عبر حسابه في تويتر: مع كل ملاحظاتنا على الحكومة الايطالية، فالقضاء قضاء، ومن ثم تم الافراج عن محمد محسوب، ويبقى في ايطاليا، ولا عزاء لمن غلبت كراهيتهم انسانيتهم. السبب الخامس: يعود إلى الدور الذي مارسته قوى الثورة في الخارج وتواصلها المستمر مع منظمات حقوقية شهيرة تدافع عن المظلومين والمضطهدين من النظم الاستبدادية، حيث تم التواصل مع عشرات المنظمات الكبرى ومناشدتهم التدخل بالضغوط على كل من إيطاليا وكوريا وهو ما تحقق بالفعل حيث تم الإفراج عن الدكتور محسوب والناشط أحمد المقدم الذي كان محتجزا في كوريا الجنوبية.