فشلت الآلة الإعلامية للانقلاب في تضليل عقول المصريين تجاه الخراب الذي يقوده السفيه عبد الفتاح السيسي، على الرغم من استمرارها في هذا السلوك بلا كلل، ولا ملل، فسائق التوكتوك في مقابلته الشهيرة مع الإعلامي عمرو الليثي، أفاد بأن من يشاهد التلفزيون يشعر أن مصر أصبحت مثل فيينا، بينما الواقع يوضح أنها ابنة عم الصومال، وبعيدًا عن السجال السياسي، فرجل الشارع هذه المرة يستمد معلوماته من الواقع المعيش. وأمام دجل الانقلاب وجد المصريون أنفسهم أمام معضلة اقتصادية حقيقية، من حيث دخولهم المحدودة، والأسعار التي تتزايد بمعدلات متسارعة في أوقات زمنية متقاربة، ويصاحب ارتفاع الأسعار قلة فرص العمل، حيث تتجاوز معدلات البطالة 13%، وسوف تتفاقم مشكلاتا التضخم والبطالة من حجم شريحة الفقراء، حيث يشكل الفقراء 27% من السكان. ولقد سعت سلطة الانقلاب العسكري في مصر للسيطرة بشكل مباشر على العديد من وسائل الإعلام المتاحة للقطاع الخاص، وبخاصة في مجتمع تصل فيه الأمية إلى 30%، فأنشأت محطات الإذاعة واشترت العديد من المحطات الفضائية، ووظفت العديد من البوابات والمواقع الإلكترونية. ولم تكتف بهذا بل سيطرت على ما تبقى من وسائل إعلام حكومية بشكل مباشر من خلال إعداد التشريعات واللوائح بهذه المؤسسات، لتعمل المؤسسات الإعلامية المختلفة في الإطار المرسوم لها من قبل حكومات الانقلاب العسكري، فكيف يستطيع القارئ أو المشاهد تجنب تضليل إعلام العسكر؟ عسكر كاذبون يجدر بالعاقل ألا يتلقى كل خبر بالتصديق المطلق، خاصة إذ كان خبرا مهما أو خطيرا، كما أن عليه أن يقدر حجم الاهتمام به والتغطية المرافقة له، وأن يلاحظ مدى منطقيته وانسجامه مع ملامح العصر ومقتضياته، فلا يمكن مثلا اكتشاف علاج جديد لعدة أنواع من السرطان ثم لا تجد خبرا عنه إلا في صفحة مجهولة على فيسبوك حتى لو تابعها الملايين، أو أن تجري دولة ما استفتاء على الإنترنت لوضع قانون مهم فيها وتترك المشاركة فيه مفتوحة لكل من يصله الرابط. والمقصود هنا أن يمحّص المرء ما يقرأ أو يسمع، ولا يعني ذلك أن يصاب بوسواس التشكيك ورهاب الافتراء، بل أن يكون كوصف المغيرة بن شعبة لعمر بن الخطاب: "له عقلٌ يمنعه أن يُخدَع"، يقول الناشط أسعد الشرعي:" ضحكة الرئيس ترفع أسهم البورصة وتزيد سعر العملة. هكذا يقول إعلام السيسي عن ضحكته.لماذا لا يستفيد اردوغان من خبرة السيسي ويطلع في التلفزيون يعمل بعض الضحكات والقفشات من شان يرتفع سعر الليرة.إلا السخافة أعيت من يداويها". من ينقل لك الخبر؟ تعتمد سلطات الانقلاب في عمليات التضليل الإعلامي على إخفاء مصدر المعلومة أو إبهامه، متهربة من ذكره بالتعتيم أو التعميم، كأن تقول "ذكر خبراء" أو "أثبتت دراسات" أو "صرّح مسئولون"، دون أن تسمي هؤلاء الخبراء أو المسئولين، أو توضح من الذي أجرى هذه الدراسة وأين نشرت؟ لذلك، قد يحتاج القارئ أحيانا أن يراجع المصدر الأصلي، فإذا كان الخبر منقولا مثلا عن منظمة الصحة العالمية أو وزارة خارجية دولة ما، فإنه يكون غالبا منشورا على موقعها الإلكتروني أو معرّفاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا تظهر أهمية أن يكون لك حساب على تويتر حتى إن لم تكن من المواظبين على التغريد. يقول الحقوقي المصري بهي الدين حسين:" بعد اعتراف السيسي علنا بعجزه عن إقناع المصريين بصواب سياساته وشكواه من ارحل يا سيسي، مصادر تكشف عن الاتجاه لإلغاء عدد كبير من البرامج السياسية في قنوات التليفزيون المخابراتية واستبدالها ببرامج ترفيهية!". السم في العسل كثير من المنصات الإعلامية التابعة للعسكر ومؤيدي الانقلاب هي منابر للأجهزة الأمنية وعلى رأسها المخابرات الحربية، وإن لم تذكر ذلك صراحة فإنه يكون معروفا لاقتراب خطها التحريري منها لذلك؛ كن حذرا من التوجيهات والأجندات الخفية. وليس مستغربا أن تمرر فضائيات الانقلاب أخبارا تؤذي خصومها من الدول الرافضة للانقلاب، أو تسكت عما يضرها أو يزعج حلفاءها، فقد تحتفي بعض الصحف مثلا بخبر يسيء لقطر أو تركيا، أو تضخم بعض المواقع قيمة دراسة عن حكام مصر العسكريين، أو غير ذلك مما على القارئ أن يفهمه في سياق الوسيلة الإعلامية التي أوردته. ووجود أجندة انقلاب للوسيلة الإعلامية لا يعني بالضرورة أن الخبر الذي تورده مطعون فيه، لكن قد تتدخل فيه الصياغة الصحفية من التركيز على زاوية بعينها، أو إغفال وإخفاء بعض التفاصيل والخلفيات، أو الاجتزاء من السياق وتغييره؛ أو غير ذلك مما يكوّن انطباعا لدى القارئ مخالفا للحقيقة، وإن كان نص الخبر ذاته ليس كاذبا. تقول الناشطة جهاد محمود:" لم تتأخر وسائل إعلام الانقلاب عن القيام بدورها في استغفال المصريين ومحاولة إقناعهم بأن رفع الأسعار حتمي وفي صالحهم"، ويرد الناشط محمود كامل:" من سنين فاتت اعلام السيسي اقنع الكائنات السيساويه ان قناه السويس الجديده هتدخل فى 100مليار دولار فى السنه وأقنعوهم أن (مصر بتفرح) والنهارده نفس الاعلام بيقنع نفس الكائنات ان حالة مصر الاقتصادى صعبه جدا وان يستحملوا القرارات الصعبه اللى السيسي هينفخهم بيها". لا تقف عندهم ولأن سماع الرواية من الطرف الثاني ستدخلك في دوامة "أيهما أصدّق؟" فيفضل أن تتجه إلى طرف ثالث محايد، وربما رابع وخامس وسادس بحسب أهمية الموضوع ممن لا تكون أجندته الخاصة مؤثرة في الخبر الذي تبحث فيه، ولأن الأحداث المهمة غالبا لا تنفرد بتغطيتها منصة واحدة، حتى لو حققت فيه سبقا صحفيا وكانت أول من ينشره، فإن تنافس المنصات الإعلامية للشرعية يجعلها تحاول التفوّق على منصات الانقلاب في التحقق من الحدث وتفاصيله وإيضاحاته، وسماع آراء محللين متنوعين له؛ وهذا التنافس سيصب في فائدة المتلقي، فلا تحرم نفسك منها. ولا تغتر بالعناوين التي تعد من أساليب الإثارة والجذب وأن "تجعل من الحبة قبّة"، وهو ما تتجه إليه كثير من العناوين على منصات الانقلاب الإعلامية بحيل متنوعة، كإثارة سؤال أو تحدٍّ، أو استخدام كلمات تفيد الغموض كالسرّ والسبب والحقيقة، أو اجتزاء النص والإيهام بمعنى غير المقصود، أو الإغراب، أو غير ذلك مما يثير الفضول. وأغلقت سلطات الانقلاب جميع القنوات التي لم تؤيد انقلاب الثالث من يوليو 2013، وكان أبرزها قناة "مصر 25" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، بينما استمرت صحيفة (الحرية والعدالة) التابعة لحزب الجماعة في الصدور رغم التضييق الواسع الذي تعرضت له، قبل أن يتم إغلاقها تمامًا إثر مداهمة الشرطة لمقرها في 25 ديسمبر 2013 على خلفية صدور حكم قضائي بحلِّ الجماعة وحظر أنشطتها. وفي يوم 5 يوليو 2013، عادت قناة مصر 25 للبث مجددًا من داخل اعتصام رافضي الانقلاب في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة، لكن هذه المرة باسم "أحرار 25″، وكان البث من خلال ترددين مختلفين أحدهما من داخل مصر وتحديدًا مقر الاعتصام، والثاني من لبنان، وقد استمر البث حتى فضَّت قواتُ الانقلاب الاعتصامَ في مجزرة بشعة يوم الرابع عشر من أغسطس 2013، قبل أن تتوقف عملية البث من مصر وتستمر من غرفة البث في لبنان من خلال مواد معظمها مسجل. وفي 28 أغسطس 2013، بدأ البث الحي من بيروت واستمر حتى 8 فبراير 2014؛ إذ حُذِفَت القناة من القمر الصناعي "غلف سات" الذي يُبَث من البحرين بسبب شكوى من حكومة الانقلاب، ثم عادت القناة باسم "الميدان" بعدها بأيام واستمرت حتى تم اعتقال المدير العام للقناة، مسعد البربري، في مطار بيروت وتسليمه إلى سلطات الانقلاب في العاشر من أبريل عام 2014. وبعد إغلاق استمر عدة أشهر عادت القناة للبث بنفس الكوادر البشرية تقريبًا مع إضافة موظفين آخرين، من تركيا باسم "مصر الآن" في 17 نوفمبر 2014، وتعرضت القناة للتشويش ومحاولات الإغلاق عدة مرات، قبل أن تُغلق بشكل نهائي في 7 سبتمبر 2015. وفي مارس 2016، أسست جماعة الإخوان المسلمين قناة "وطن"، كما قررت إطلاق قناة فضائية دعوية باسم "دعوة" التي لا تغطي الشأن السياسي مطلقًا. مكملين بالتزامن مع ذلك، ظهرت عدة قنوات مصرية معارضة في الخارج، ومن تركيا تحديدًا، بتمويل رجال أعمال عرب، مثل قناة "الشرعية"، وقناة "رابعة" التي تحولت إلى قناة "الثورة" في مايو 2015، لكنها لم تستمر طويلًا، غير أن أهم مشروعين ظهرا بجانب قناة وطن كانا قناتي "مكملين" و"الشرق". وخرجت قناة مكملين على يوتيوب أولًا، حيث كان يتم إنتاج المحتوى المرئي وبثه من مدينة إسطنبول التركية بتمويل عدد من رجال الأعمال المصريين والعرب، ثم بدأ البث الفضائي للقناة بعد أشهر قليلة من أحداث 3 يوليو 2013، وبالتحديد في 11 فبراير 2014، معتمدًا على الأشرطة المسجلة، وتم تدشين البث المباشر لبعض البرامج بعد أربعة أشهر، قبل أن تصل إلى مرحلة البث الكامل من خلال أربعة أقمار فضائية تغطي مساحة واسعة من العالمين العربي والإسلامي. ومع زيادة مدة البث المباشر بالقناة، بدأت قناة "مكملين 2" بالبث في 23 يناير 2017، كمساحة إضافية توفر إعادة لبرامج "مكملين" الرئيسة في أوقات مناسبة للجمهور، واشتهرت ببث العديد من التسريبات التي خرجت من داخل مكاتب عصابة العسكر ومنها تسجيلات للسفيه السيسي نفسه. وهي القناة الوحيدة من ضمن قنوات المعارضة في الخارج الأكثر استقرارًا على المستويين المالي والإداري، وتتميز بصغر أعمار العاملين بها؛ إذ لا يتجاوز معظمهم الثلاثين عامًا، وليست لديهم خبرات صحفية سابقة، وهو ما دفع بإدارة القناة إلى الاهتمام بعملية تدريب كوادرها في مراكز تدريب كبرى وانتداب مدربين لإقامة دورات داخل القناة. Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-08-01 12:32:44Z | | 3⁄4ÿÿ3⁄4øÿ¿BöÿB ̧Â?b الأكثر مشاهدة وخلافًا لقناة "مكملين"، كان أبرز ما يميز قناة "الشرق" التي انطلقت بدورها من إسطنبول هو عدم الاستقرار المادي والإداري، حيث تأسست في أبريل 2014، برعاية رجل أعمال يدعى "باسم خفاجي"، حاول الترشح لانتخابات الرئاسة أمام الرئيس محمد مرسي لكنه فشل، لكن القناة توقفت في يوليو 2014، ثم عادت للعمل في أغسطس من نفس العام، قبل أن تتوقف مجددًا في مارس 2015. سارع "خفاجي" الذي تحوم حول مواقفه الغموض إلى تدشين اكتتاب عام بهدف تمويل القناة، غير أنها ما لبثت أن تعثرت مجددًا قبل أن تتنقل ملكيتها في أغسطس 2015 إلى المعارض أيمن نور، زعيم حزب غد الثورة ذي التوجه الليبرالي، وتعود للبث في سبتمبر من نفس العام، واشتُهرت القناة بانفتاحها على كل التيارات السياسية الرافضة للانقلاب العسكري في مصر. وبحسب تقرير لشركة إبسوس العالمية للأبحاث، والمعنية برصد نسبة مشاهدة الفضائيات، فإن قناة "مكملين" كانت ضمن القنوات الأكثر مشاهدة في مصر خلال شهر رمضان، وهو ما أثار ضجة في أروقة سلطات الانقلاب، وتكرر الأمر ذاته لكن مع قناة الشرق هذه المرة، حيث حصلت القناة على المركز الرابع من بين القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة في مصر، كما أن البرنامج الرئيسي في القناة "مع معتز" يعد من ضمن أكثر البرامج التي يتم متابعة بثها المباشر على فيسبوك ويوتيوب، بعد برنامج الإعلامي محمد ناصر على قناة مكملين.