في الوقت الذي استأسد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على كندا وقام بطرد سفيرها من المملكة العربية السعودية وسحب السفير السعودي، لحديث وزير الخارجية الكندي عن الانتهاكات التي تحدث في السعودية، تتلقى الرياض الصفعة تلو الآخرى، من الولاياتالمتحدةالأمريكية، خلال حملات الهجوم المستمرة من قبل الإدارة الأمريكية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، والتي تصدر بشكل دوري، حتى أن هذه الانتهاكات السعودية أصبحت مادة خصبة على صفحات الجرائد الأمريكية، ومع ذلك لم تنطق السعودة ببنت شفة تجاه الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي استعرضت فيه عضلاتها على كندا. و قالت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية، إن على السعودية أن تفهم أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية قيم عالمية، وليست ملكاً للملوك والديكتاتوريين ليقوموا بشكل عشوائي بمنحها أو منعها. وتابعت الصحيفة في افتتاحيتها، أن الرد السعودي القوي على كندا بسبب دعوتها للإفراج عن معتقلات سعوديات، محاولة سعودية لدفع العالم إلى النظر بالجانب الآخر، وعدم رؤية ما يجري بالسعودية من اعتقالات وانتهاكات لحقوق الإنسان. وعلقت الصحيفة على أن وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، كتبت التغريدة التي دعت فيها إلى الإفراج عن سمر بدوي، شقيقة المدون السعودي رائف بدوي، الذي يقضي عقوبة السجن عشر سنوات بسبب إدارة موقع على شبكة الإنترنت كانت ينتقد فيه السلطة الدينية الصارمة في السعودية، ليأتي الرد السعودي العنيف والمتمثل بطرد السفير الكندي، وقطع العلاقات التجارية والاستثمارية، ووقف خطوط الطيران، واستدعاء الطلاب السعوديين المبتعثين، والرسالة التي تريد أن توصلها الرياض للدول الأخرى هي: "اهتموا بأنفسكم واتركونا". انتقائية سعودية أم جبن؟ وبالرغم من الهجوم السعودي على كندا، لم تجرؤ إدارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على التعليق على بيان الإدانة الأخيرة الذي صدر من الخارجية الأمريكية بشأن الانتهاكات السعودية. وينتظر روّاد مواقع التواصل الاجتماعي ردَّة فعل السلطات السعودية على مطالبة واشنطن بمعلومات حول النشطاء المعتقلين مؤخّراً، متسائلين: "هل ستواجه واشنطن نفس الإجراءات التي واجهت الرياض بها كندا وتطرد السفير الأمريكي وتعتبر مطالبة بلاده بمعلومات عن المعتقلين تدخّلاً في شؤونها الداخليَّة؟". وحثت أول أمس الاثنين، واشنطن السلطات السعودية على احترام الإجراءات القانونيَّة وتوفير المزيد من المعلومات عن النشطاء الحقوقيين الذين تعتقلهم، بسحب ما نقلت وكالة "رويترز" عن بيان لمسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية. وجاء الموقف الأمريكي بعد يوم من تجميد السعودية العلاقات التجارية مع كندا وطرد سفيرها؛ رداً على انتقاد وزارة الخارجية الكندية تعاطي الرياض مع النشطاء الحقوقيين. وأضاف المسؤول الأمريكي: "نواصل تشجيع حكومة السعودية على احترام الإجراءات القانونية ونشر معلومات حول وضع القضايا القانونية"، واصفاً المملكة وكندا بأنهما "حليفان مقرَّبان". ولم يتَّضح ما إن كانت الرياض ستتَّخذ إجراءات انتقاميَّة ضد الولاياتالمتحدة على غرار الخطوات التصعيدية التي أعلنتها في الساعات الماضية تجاه كندا. وسألت الإعلامية في قناة الجزيرة، غادة عويس، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن الإجراءات التي ستتَّخذها بلاده ضد تدخّل الولايات المتّحدة في شؤون بلاده الداخلية. وقال خلال تغريدة على "تويتر": "مرة أخرى أستاذ جبير لو سمحت لي أنقل إليك ما قاله مسؤول أمريكي لرويترز: الولاياتالمتحدة طلبت من الرياض تفاصيل عن اعتقال نشطاء. أرجو منك أستاذ جبير أن تقول لنا ماذا قلتم للمسؤول الأمريكي، وهل تركتموه يتدخل بشؤونكم، ولماذا لا تعلنون موقفا من واشنطن مثل موقفكم من كندا؟؟". وكتب الناشط جمال عيد، عبر "تويتر": إن "الأزمة بين السعودية وكندا نشبت بين مالك النفط ومالك الإنسانية، وبين الاستبداد والتحرّر والنور، وبين المتاجر بالدين وبين من يمارسون قيم الدين، بين حكام يظنّون أنهم يملكون البشر وبين من تم انتخابهم لخدمة البشر.. أنا منحاز لكندا"، بحسب تعبيره. وأعرب مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ساترفيلد، في وقت سابق، عن استمرار قلق الولاياتالمتحدة من مجريات بعض الأمور في السعودية؛ منها انتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن واشنطن "بكل تأكيد لا تلزم الصمت إزاء قضايا حقوق الإنسان في حواراتها مع السعوديين"، كما أعربت الخارجية الأمريكية، قبل نحو شهرين، عن قلقها بشأن اعتقالات شنَّتها السلطات السعودية ضد ناشطين وناشطات من المدافعين عن حقوق المرأة. وقالت متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية: إن "واشنطن قلِقة بشأن سجن واعتقال عدة ناشطين وناشطات في الرياض"، مؤكّدة أن "إدارة البيت الأبيض تتابع الأمر من كثب". إلا أن السلطات السعودية لم تعلِّق على قلق الولاياتالمتحدة ولم تعتبره تدخّلاً في شؤونها الداخلية، بل التزمت الصمت حيال هذا الموقف، على عكس ما فعلته مع كندا، واعتبر ناشطون حينها أن الرياض لم تعلِّق على الموضوع خشية تعرُّضها لإجراءات عقابيَّة أمريكية قاسية. وكانت السلطات السعودية طردت السفير الكندي، 6 أغسطس الجاري، وحدَّدت له مهلة 24 ساعة لمغادرة أراضيها، بينما استدعت سفيرها لدى كندا للتشاور. كما قرَّرت تجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة هناك. وأعلنت السلطات السعودية أيضاً استدعاء 8200 من طلبتها يدرسون في جامعة كندا وبرفقتهم 6400 من عائلاتهم. وتحدَّث التلفزيون السعودي عن "خطَّة عاجلة" لوزارة التعليم لنقل هؤلاء الطلاب من الجامعات الكندية إلى جامعات دول أخرى. كما أعلنت الخطوط الجوية السعودية، مساء الاثنين (6 أغسطس 2018)، توقّف رحلاتها من وإلى مدينة تورنتو في كندا، اعتباراً من 13 أغسطس الجاري. كما أصدر الديوان الملكي السعودي أمراً يقضي ب"إيقاف علاج المرضى في كندا ونقلهم إلى دول أخرى حسب رغبتهم".