جاء الحكم الذي أصدرته ما تسمى بمحكمة جنايات القاهرة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بمنطقة سجون طرة، اليوم السبت 28 يوليو 2018م، بإحالة أوراق "75" من قيادات الإخوان المسلمين في القضية المعروفة إعلاميا باسم "فض اعتصام رابعة" ليؤكد أن مصر بعد 30 يونيو تتجه نحو الانتحار الإجباري على وقع توجهات وسياسيات النظام العسكري الذي سطا على الحكم عبر انقلاب دموي مدعوم أمريكا وصهيونيا وخلجيا. وصدر الحكم برئاسة المستشار المشبوه حسن فريد بعضوية المستشارين المشبوهين فتحى الروينى وخالد حماد، وسكرتارية أيمن القاضى ووليد رشاد. وتضم القضية 739 شخصا، فى مقدمتهم د.محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان، وعصام سلطان، ود.باسم عودة، و"أسامة" نجل الرئيس محمد مرسى، والمصور الصحفى محمد شوكان والدكتور محمد البلتاجي وصفوت حجازي وآخرين. وفي هذا التقرير نرصد أبرز الملاحظات: أولا، الحكم طال عددا من قيادات الجماعة وحزب الحرية والعدالة، الذي فاز بالأكثرية في انتخابات مجلس الشعب بعد ثورة 25 يناير كما فاز رئيس الحزب الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية ما يؤكد أن هذه الأحكام صدرت من أجل الانتقام من هذه القيادات لدورها في ثورة يناير ضد نسخة حكم العسكر في عهد الجنرال حسني مبارك، ما يعني أن المؤسسة العسكرية تنتقم من المدنيين الذين شاركوا في الإطاحة بالجنرال السابق حسني مبارك. وهي رسالة تهديد مباشرة لكل مدني يفكر مجرد التفكير في التنافس على حكم مصر حتى لو بالطرق الديمقراطية وإرادة الجماهير لأن النظام العسكري يفرض وصايته على مصر ويهيمن على كل مفاصلها ولا يسمح ولن يسمح لأي مدني بالاقتراب من الحكم. ثانيا، الحكم طال العشرات من قيادات الجماعة و الإسلاميين وثورة 25 يناير وعلى رأسهم الدكتور عصام العريان والدكتور محمد البلتاجي والدكتور أحمد عارف والدكتور صفوت حجازي وغيرهم، لكنه لم يشمل فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع! وتفسير ذلك أن فضيلة المرشد العام والذي يصنف كأحد أفضل مائة عالم عربي، سوف يصدر بحقه أحكام أخرى في قضيتين غدا الأحد، الأولى أحداث البحر الأعظم حيث قررت ما تسمى بجنايات القاهرة برئاسة حسين قنديل في جلسة 27 مايو الماضي مد أجل النطق بالحكم في القضية إلى جلسة الأحد 29 يوليو والتي يحاكم فيها فضيلة المرشد و8 آخرين من قيادات الجماعة على رأسهم الدكتور باسم عودة. والقضية الثانية التي يصدر فيها الحكم غدا ما تسمى بأحداث "العدوة"، حيث تصدر ما تسمى بمحكمة جنايات المنيا، برئاسة المستشار سليمان عطا الشاهد، غدا 29 يوليو أحكامها على فضيلة المرشد العام و682 آخرين. ومن المتوقع أن تصدر أحكاما انتقامية على غرار حكم اليوم. ثالثا، حكم اليوم والأحكام الانتقامية التي صدرت من دوائر الإرهاب سابقا تؤكد إصرار القضاء على التورط في الدماء البريئة عبر حزمة من الأحكام المسيسة التي تفتقد لأدني معايير النزاهة والعدالة ، كما تؤكد أن منظومة القضاء في مصر فقدت استقلالها منذ مشاركة رئيس القضاء الأعلى في مشهد انقلاب 03 يوليو 2013م تابعا ذليلا للجنرالات في مشهد يخالف المبادئ والأسس التي يقوم عليها أي قضاء نزيه وعادل وهو زج للقضاء في مشهد السياسة والانحيازات السياسية التي يتنزه القضاء السليم عن التورط فيها في النظم الديمقراطية؛ لأن دور القضاء هو حماية الدستور والدفاع عنه وليس المشاركة في مشهد تعطيله والانقلاب عليه. رابعا، حكم اليوم وغيره من الأحكام الجائرة، تفتقد أدني معايير النزاهة والعدالة، وتؤكد أن منظومة القضاء باتت تتلقى الأحكام من جهات أخرى تسمى "سيادية" تماما كما يتلقى الإعلاميون في فضائيات العسكر أوامر وتوجيهات الرقيب العسكري، وبات القضاة يدركون حجم سيطرة السلطة التنفيذية على مؤسسة القضاء منذ التعديلات التي أجراها الجنرال السيسي على قانون السلطة القضائية والتي أطاحت بمبدأ الأقدمية ومنحت الجنرال سلطة اختيار رؤساء المحاكم بل والتنكيل بأي قاض مارس استقلاليته وأصدر أحكاما مثلت إحراجا للنظام العسكري كما حدث مع قاضي حكم مصرية "تيران وصنافير" المستشار يحيى الدكروري الذي تم تجاوز حقه في رئاسة مجلس الدولة وتعيين غيره رغم إجماع القضاء عليه. ويؤكد عدم عدالة هذه الأحكام البيان الصادر اليوم السبت 28 يوليو من منظمة العفو "أمنيستي" التي وصفت قرار محكمة جنايات القاهرة اليوم ، بإحالة أوراق 75 معارضاً لنظام عبد الفتاح السيسي إلى المفتي، لاستطلاع رأيه في إعدامهم، بأنه يفتقر إلى أدنى ضمانات العدالة. خامسا، لم تتضمن أوراق المحاكمة اتهام أي من القتلة من عصابات السيسي في الجيش والشرطة، فإذا كانت تهمة قيادات الإخوان وثورة يناير أنهم نظموا اعتصاما كبيرا تزعم سلطات الانقلاب أنه كان مسلحا فأين القتلة من قوات الجيش والشرطة الذين قتلوا أكثر من ألف مصري في يوم واحد؟ فالسيسي نفسه هو المتهم الأبرز في هذه الدماء فلماذا لم تتم محاكمته ولماذا خلت أوراق القضية من أي أتهام لأي ضابط على الإطلاق؟ وهل يعقل أن يحاكم القاتل الضحية ويحكم عليه أيضا بالإعدام في استكمال لجريمته بمساندة القضاء المسيس والقضاة الخونة؟! وهو ما أشارت إليه منظمة العدل الدولية في تغريدتها اليوم على تويتر حيث قالت: «"بينما تم تأجيل الحكم اليوم على المصور الصحافي محمود أبوزيد، شوكان، إلى 8 سبتمبر القادم وإحالة أوراق 75 شخصا إلى المفتي في قضية فض رابعة في محاكمة جماعية تفتقر لأدنى ضمانات المحاكمة العادلة، فحتى الآن لم تتم محاسبة أحد من قوات الأمن على مقتل ما لا يقل عن 900 شخص خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة". سادسا، هذه الأحكام أولية وهي قابلة للنقض، لكنها يمكن أن تكون وسيلة يسعى بها النظام لمساومة قيادات الإخوان وثورة يناير لغلق ملف الشرعية الذي يؤرق النظام، خصوصا مع إسهال المبادرات التي باتت تنطلق من كل جانب وكلها تستهدف تكريس سلطوية النظام العسكري وتشديد قبضته الأمنية مع تحسين طفيف في مستوى الحريات لا توجد حتى أدنى ضمانات لالتزام النظام السلطوي بها. يعزز من هذا التفسير تزامن هذه الأحداث مع صفقة القرن الأمريكية، والتي تسعى لإعادة رسم خريطة المنطقة والتحالفات بها والتركيز على دمج الكيان الصهيوني في المنظومة الإقليمية برعاية عواصم خليجية شديدة الثراء مثل الرياض وأبو ظبي والقاهرة، دون معارضة تذكر من جانب الشعوب، كما يتزامن ذلك مع ضغوط من الإدارة الأمريكية على جماعة الإخوان ببحث لجنة الأمن القومي وضع الجماعة على لوائح الإرهاب الأمريكية والضغط على حركة حماس من أجل الاعتراف بالكيان الصهيوني وكلها أوراق ضغط متوازية من أجل القبول بالصفقة في إطار تسوية تضمن تكريس الحكم العسكري أو الملكي السلطوي وتضمن حماية ودمج الكيان الصهيوني وضمان استمرار المصالح الأمريكية. سابعا، يستهدف النظام بمثل هذه الأحكام الانتقامية ابتزاز ومساومة قيادات الجماعة وثورة يناير ، وبذلك هو يعمل على مسارين: الأول الضغط على الجماعة وقيادات ثورة 25 يناير بمثل هذه الأحكام والتنكيل بكل النشطاء للتسليم بالواقع وتكريس سلطوية النظام وهيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد والحكم وكل شي في مقابل تخفيف أجواء الاستبداد والتسلط دون ضمانات كما ذكرنا لالتزام النظام بها. والمسار الثاني هو تنفيذ بعض هذه الأحكام إذا فشل في المسار الأول من أجل مزيد من الضغط؛ لكن الواقع يؤكد أن الدماء لا تجلب أمنا ولا أمانا؛ وهو ما يفسر تباطؤ النظام في تنفيذ مثل هذه الأحكام الجائرة على قيادات الجماعة. لكن النظام كان قد نفذ حوالي 28 حكم إعدام منذ 03 يوليو 2013 حتى اليوم كان أكثرها مع نهاية العام الماضي 2017م، بخلاف اغتيال عشرات الشباب والنشطاء المعتقلين بزعم تبادل إطلاق النار. وبقى المشهد المصري يمضي نحو مزيد من التضييق والاستبداد، وبات مستقبل البلاد في ظل هذا الانقسام المجتمعي يمضي نحو مزيد من الغموض والمجهول في ظل مخاوف جمة من أن يفضي هذا المسار البائس سياسيا واقتصاديا نحو تفكك البلاد وانهيارها في غضون سنوات قليلة.