لا تتوقف سلطات الانقلاب عن رفع الأسعار بشكل مستمر، ولا يمر شهر واحد حتى يفاجأ الغلابة بزيادات متكررة، في الوقت الذي تتوقف فيه زيادة الرواتب والمعاشات، وإن اضطر نظام عبد الفتاح السيسي لخديعة المصريين بزيادة المعاشات بنسب ضئيلة، يكون بمثابة حالة انتقامية تصحبها زيادة جنونية في أسعار الغذاء والدواء والمواصلات والمحروقات. هذه نتيجة التحليل الاقتصادي، الذي كشفت نتائجه الإذاعة الألمانية "دويتش فيلة"، اليوم الإثنين، للتعقيب على قرار حكومة الانقلاب بزيادة المعاشات بنسبة 30% الشهر الماضي، وخديعة ملايين المصريين، موضحة أنه رغم أهمية خطوة زيادة المعاشات بالنسبة لقطاع كبير من الغلابة، فهناك خطوات إضافية تدفع لزيادات جنونية في الأسعار. وأشار تحليل الإذاعة الألمانية إلى ما يزعم أنه إصلاحات السيسي الاقتصادية المؤلمة في مواجهة زيادة معاشات موظفي الدولة وصرفها بنسبة 15% اعتبارًا من شهر يوليو الجاري، يضاف إلى ذلك منح علاوتين إحداهما دورية بنسبة 15% تشمل الموظفين، والأخرى خاصة بنسبة 10% للعاملين خارج قطاعات الخدمة المدنية. وتأتي هذه الزيادة بعد ثلاث سنوات من قرارات اقتصادية مؤلمة، شملت تعويم الجنيه ورفع الدعم بشكل جزئي عن سلع وخدمات أساسية كالمحروقات والمياه والكهرباء بشكل أدى إلى زيادة أسعارها بمعدل تراوح بين 50 إلى 130% منذ عام 2016، باستثناء الخبز وبعض السلع الضرورية للحياة اليومية. وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى تآكل القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بشكل يزيد بكثير عن نسبة الزيادة الأخيرة. وشملت آخر زيادة في الأسعار البنزين، أواسط يونيو الماضي، بنسبة أكثر من 50%، وسبق ذلك زيادة أسعار المياه والنقل والكهرباء بنسب عالية أيضا. وقالت الإذاعة الألمانية، إنه على عكس ارتفاع الأسعار مرت زيادة الرواتب والأجور الأخيرة دون ضجة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المصرية والعالمية، رغم أهميتها ورغم نسب التضخم العالية وتراجع سعر العملة المصرية؛ لكونها أضافت إلى رواتب موظفي الدولة نسبة 30% دفعة واحدة. وطالبت بخطوات ينبغي أن تتوالى على نطاق أوسع تشمل زيادات للعاملين في القطاع الخاص، لا سيما أصحاب الدخل المحدود، خاصة وأنهم لا يستفيدون من زيادات الأجور التي تقررها الحكومة لموظفيها بشكل مباشر، إضافة إلى أن متوسط رواتبهم من 800 إلى 1000 جنيه، وهو أقل من مثيله في وظائف الدولة. وأوضحت أنه بالرغم من اكتشافات الغاز الجديدة، والزعم بتراجع عجز الموازنة والميزان التجاري ومعدلات التضخم وزيادة الاحتياطي من العملات الأجنبية إلى أكثر من 44 مليار دولار، ومعدل النمو الذي يتوقع أن يصل إلى أكثر من 5,5 %، إلا أن ذلك لم يحقق ما يأمله الفقراء في مصر. وتساءلت: "إلى أي حدود ينبغي الذهاب بزيادات الأجور وكيف يمكن فرضها على القطاع الخاص؟ فيما يتعلق بالحدود فإنه يمكن الذهاب بها إلى الحد الذي لا تهدد فيه بزيادة كبيرة في معدلات التضخم والأسعار بشكل يهدد استقرار العملة وثقة المستثمرين بها ولا يتعارض ذلك، مع تجنب المبالغة في سياسات التقشف التي يريد صندوق النقد الدولي فرضها عن طريق رفع الدعم والأسعار بشكل يؤدي إلى جمود الطلب في الأسواق، وعرقلة النمو واندلاع الاحتجاجات الاجتماعية. وقالت الإذاعة الألمانية، إن الغريب أن الصندوق يشدد الخناق على الدول النامية في موضوع التقشف في وقت يسكت فيه عن مديونية عدد من الدول الصناعية بنسب تزيد على مائة بالمائة من ناتجها المحلي الأجمالي. وبالنسبة لمصر فإنه بإمكان الحكومة تمويل عدد من المشاريع الإضافية التي تستقطب المزيد من العاطلين عن العمل عن طريق التمويل المشترك بين الدول والقطاع الخاص أو التمويل بالعجز بدلا من رفع الأسعار. ويساعد على ذلك الإيرادات الإضافية المتوقعة من اكتشافات الغاز الجديدة التي يمكن من عائداتها الوفاء بالقروض المطلوبة. كما أن نسبة المديونية الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي ما تزال دون 30%. وتساءلت "أين القطاع الخاص من زيادة الأجور؟"، خاصة وأن القطاع الخاص الذي يشغّل غالبية قوة العمل، فإن على الدولة إخضاع سوق العمل فيه لضوابط يتم من خلالها تحديد الحد الأدنى للأجور وإلزام أرباب العمل بزيادات دورية تغطي نسبة عالية من زيادة الأسعار. كما ينبغي إلزامهم بالمساهمة في تغطية تكاليف الضمان الاجتماعي أسوة بما يفعله قطاع الدولة. وأضافت "لا بد من تنظيم مؤسسات هذا القطاع وحصرها في سجلات الجهات الحكومية المختصة والغرف التجارية والصناعية؛ من أجل تسهيل عملية تقديم الاستشارات والقروض الميسرة لها". وأكدت أن الهدف من ذلك هو توسيع نشاطها وتحسين مستوى الإنتاج فيها بشكل يُسهم في تحفيز الطلب المحلي وزيادة الصادرات المصرية التي تحتوي على قيمة مضافة عالية بدلا من المواد الأولية ذات القيمة المضافة المتدنية. كما أنه من شأن ذلك أن يخلف المزيد من فرص العمل وزيادة القوة الشرائية وتحسين مستوى المعيشة. وفيما يتعلق بتحفيز الطلب المحلي، أوضحت الإذاعة أنه مهم جدا في الوقت الحاضر لإخراج السوق من الجمود ودفع معدلات النمو إلى نسب تصل إلى 7% أسوة ببعض الدول الصاعدة. ويعزز هذا الرأي حجم السوق المصرية التي تضم حوالي 100 مليون مستهلك، بحيث يمكن تحسين القوة الشرائية لنحو 20 إلى 30% منهم دون تكاليف ضخمة على الموازنة. وشددت الإذاعة الألمانية على ضرورة رفع الأجور ودعم أرباب العمل في مؤسسات القطاع الخاص أيضا في الاستقرار الخاص بمؤسساتهم، وتعزيز دور الطبقة الوسطى الذي هو ضعيف بالأصل. وحذرت من أن هذا قد يزيد المشكلة تعقيدا حال تدهور هذا القطاع بشكل واضح خلال السنوات السبع الماضية.