كشفت جولة جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه للمنطقة "جيسون غرينبلات" حاليا في المنطقة، عن بعض خفايا "صفقة القرن" المشبوهة، والتي تقضي بتخلي الفلسطينيين عن القدس لتكون عاصمة للصهاينة، والقبول بقرية أبو ديس عاصمة لدولة فلسطينية منزوعة المقومات، مع تعهدات أمريكية بضخ حزمة أموال تحفيزية تسهم في تحسين معيشة الفلسطينيين مستقبلا. الصفقة- وفق هذه المعطيات- تعني تصفية القضية الفلسطينية وتفريغ الجهاد الفلسطيني من محتواه، كما تمثل نهاية لمسار مفاوضات السلام المزعوم الذي تبنته السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو 1993م، ويؤكد أن المفاوضات كانت مجرد تكتيك من جانب الصهاينة والأمريكان والغرب عموما؛ لتكريس احتلالهم وبسط المستوطنات على مساحات كبيرة من الضفة الغربية، وهو ما تكفَّلت به مرحلة السلام المزعوم الذي بنت عليه السلطة الفلسطينية شرعيتها وحاربت مسار المقاومة بكل عناد واستكبار. ولعل هذا ما يفسر الرفض الذي يبديه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، للصفقة ورفضه لقاء المبعوث الأمريكي وكبير مستشاري ترامب، رغم الضغوط التي تمارسها عواصم عربية عدة على أبو مازن من أجل التسليم بالصفقة والقبول بها؛ باعتباره الطرف المهزوم الذي يتوجب عليه تلبية شروط المنتصر "إسرائيل" المدعومة أيضا من أمريكا. وكانت وسائل إعلام عبرية، كشفت عن قبول مسئولين كبار بمصر والسعودية والإمارات والأردن بصفقة القرن الأمريكية، وأكدت صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الإثنين، أن هؤلاء المسئولين أكدوا لجاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولمبعوثه للمنطقة جيسون غرينبلات، دعمهم للخطة الأمريكية، بغض النظر عن موقف السلطة الفلسطينية المتحفظ، وأعربوا عن استيائهم لإصرار محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية، على رفض لقاء كوشنر وغرينبلات. وكان كوشنر قد هاجم رئيس السلطة الفلسطينية، خلال حواره مع صحيفة "القدس" الفلسطينية، أمس الأحد، وشدد على أنه سيتم طرح الخطة الأمريكية "صفقة القرن" بموافقته أو بدونها!. وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية باتت أكثر تصميمًا على طرح الخطة التي يطلق عليها "صفقة القرن"، بعد الجولة المكوكية التي قام بها كل من كوشنر وغرينبلات في المنطقة. تفاصيل الصفقة واعتبر الخبير في الشأن الفلسطيني صالح النعامي أن كوشنر، في حواره مع صحيفة القدس الفلسطينية، لم يترك مجالا للشك بأن الخطة العتيدة تمثل في أحسن الأحوال نمطا من أنماط الرشوة الاقتصادية، التي يتنازل الفلسطينيون بموجبها عن حقوقهم الوطنية والتاريخية، مقابل تحسين أوضاعهم الاقتصادية، ولم يتردد في الزعم بأن الفلسطينيين جاهزون لقبول هذه الرشوة. ويستدل النعامي، في تقرير ترجمه، بتصريحات كوشنر "أعتقد أن الشعب الفلسطيني أقل اكتراثا بنقاط الحوار بين السياسيين، وأكثر اهتماما بما يمكن للصفقة أن توفره له وللأجيال المقبلة، من فرص جديدة والمزيد من الوظائف ذات الأجور الأفضل، وآفاق للوصول إلى حياة أفضل". وبحسب النعامي، فإن كوشنر واصل مقاربته مستخفا بالوعي الوطني الجماعي للفلسطينيين، قائلا: إن "الشعب الفلسطيني إذا حصل على استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وتدريب مهني وتحفيز اقتصادي، يمكن أن يصبح من قادة العصر القادم". وينتهي النعامي إلى أن الواضح أن نقاط "الخلاف الأساسية" التي يطالب كوشنر الشعب الفلسطيني بتجاهلها وعدم الاكتراث بها، تتعلق بالقضايا الرئيسية التي تشكل جوهر الصراع مع الاحتلال: القدس، اللاجئون، الأرض، السيادة، مستقبل المستوطنات وغيرها، والاستعاضة عنها بالاهتمام بواقعهم الاقتصادي والمادي. فمن خلال حرصه على الاستخفاف بمعالجة قضايا الصراع الرئيسية، فإن كوشنر يضفي صدقية على التسريبات التي زخرت بها وسائل الإعلام الأميركية والإسرائيلية بشأن الصفقة، والتي أشارت إلى أنها تطالب الفلسطينيين بقبول بقاء جميع المستوطنات في الضفة الغربية، وتنازلهم عن حق العودة، والقدس، والسيادة وغيرها. انبطاح سعودي من ناحيتها، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في افتتاحيتها اليوم، إن السعوديين باتوا أكثر استعدادا لممارسة الضغوط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على التعاون مع الخطة الأمريكية؛ بسبب خريطة المصالح المشتركة بين الرياض وتل أبيب. وأوضحت الصحيفة أن السعودية باتت ترى في معالجة التهديدات التي تمثلها إيران أكثر إلحاحا من الاهتمام بالقضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن كلا من السعودية وإسرائيل تتعاونان بشكل متزايد وبشكل أكثر وضوحا، بسبب مواجهتهما "أعداء مشتركين"، ولا سيما إيران، معتبرة أن "سماح نظام الحكم في الرياض لطائرات الخطوط الجوية الهندية المتجهة إلى إسرائيل بالتحليق في الأجواء السعودية يعكس التحول الذي طرأ على طابع العلاقة". توقعات بفشل الصفقة من جهته، حذّر مناحيم كلاين، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "بارإيلان"، من أن "فشلا مدويًا" ينتظر الجهود الأمريكية الإسرائيلية الهادفة إلى إرغام الفلسطينيين على قبول "صفقة القرن"، من خلال الاستعانة بالضغوط السياسية التي تمارسها الدول العربية والإغراءات المالية التي يمكن أن تقدّمها. وفي مقال نشره موقع "محادثة محلية" اليساري الإسرائيلي، اليوم، قال كلاين إن "نتنياهو وترامب وقادة الدول العربية لم يتعلموا من التاريخ، حيث أظهر تاريخ الصراع أن الإغراءات المادية والقمع الوحشي لم ينجحا في الماضي في التأثير على الوعي الوطني الفلسطيني، ولم يسهما في دفع الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم". وأعاد كلاين للأذهان حقيقة أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة "في الفترة الفاصلة بين عامي 1967 و1987 كانوا يعيشون ظروفًا اقتصادية أفضل بكثير مما يعيشونه حاليًا، في حين أن الأنشطة الاستيطانية كانت متواضعة مقارنة بما هي عليه الأوضاع اليوم، ومع ذلك فإن هذا الواقع لم يؤثر على الوعي الوطني الجمعي للفلسطينيين، ولم يحل دون تفجر الانتفاضة الأولى". وأشار إلى أنه عندما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود براك، والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، إرغام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في مؤتمر كامب ديفيد عام 1999، على تقديم تنازلات "لم يتردّد الفلسطينيون بالردّ على ذلك بتفجير الانتفاضة الثانية". وأشار كلاين إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتشبث ب"صفقة القرن"؛ لأنها "تمكّن إسرائيل من مواصلة السيطرة على الضفة الغربية للأبد". وحسب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "بارإيلان"، فإن رئيس حكومة الاحتلال دفع ترامب لعرض "صفقة القرن" بعدما أقنعه بأن طابع العلاقات التي تراكمت بين إسرائيل وكل من السعودية والإمارات يسمح بتوفير بيئة إقليمية مناسبة للخطة الأمريكية.