أسوأ ما فى انقلاب 3 يوليو 2013 أنه أنتج "طبعة رخيصة" لكل أنواع الدعاية والكذب فى أذهان الجهلاء الذين يقودهم عماهم المعرفي إلى تصورات خرقاء حول المشهد السياسي الراهن، بإدراك حسي معطل وغيبوبة تامة عن الواقع. فى ريف مصر وفى محافظات "الأكثرية الفلولية"، كالشرقية والمنوفية مثلا، ترى بوضوح أن مركب الجهل والفقر حوّل قطاعا من الناس إلى آلات صماء تردد ما تقوله وسائل الإعلام الانقلابية، وأخطر من ذلك أن أصبح لديهم نزوع حقيقي نحو العنف ضد جيرانهم وأقاربهم من مؤيدى الشرعية، مع معرفتهم التامة بأن هؤلاء- بحكم طول المعايشة- لا يقدمون إلا الخير ولا يضمرون شرا لأحد، وبين هؤلاء وأولئك علاقات نسب وجوار وقرابة ممتدة لمئات وآلاف السنين. نحن فعلا أمام حالة تغييب عقلي وإدراكى غير مسبوقة، نجح الإعلام الانقلابى فى صناعتها عبر رسائل متكررة زادت من الشحن والكراهية، وتخطت حدود السياسة إلى وضع الجميع على حافة الاعتراك وشفا الحرب الأهلية. الكارثة الحقيقية هى أن كافة الرسائل السلبية لإعلام التضليل تتجاوز حدود الجهل والفقر أحيانا إلى فئات متعلمة تعانى "أمية ثقافية وسياسية"، كما تم استخدام هذه الرسائل-على خطورتها- ضمن حملة توعوية لأفراد القوات المسلحة تستهدف تغيير عقيدتهم وتوجهاتهم الاستراتيجية، بتحويل الأنظار عن الأعداء الحقيقيين خارج الوطن، ورسم صورة وهمية ومغلوطة عن أعداء داخل الوطن من أبناء هذا الشعب اسمهم "الإخوان المسلمون"، رغم إدراكهم أن الشعب المصري بكل أطيافه ومكوناته يعترض على الانقلاب والإرهاب الذى لازمه من اللحظة الأولى، ودون النظر إلى تبعات هذا العبث على بنية المجتمع المصرى والأمن القومى للبلاد، الذى يتذرعون به فى خلق هذه الأوهام والأباطيل. هذه الظاهرة غير المسبوقة من "الشحن المجتمعى"، التى صنعها الإعلام الفاسد بإيعاز ودعم من المخابرات ما كان لها أن تكون لولا تدخل قيادات الجيش فى لعبة السياسة وانحيازهم لطرف على حساب آخر، حتى انتهى المشهد إلى انقلاب دموى على الشرعية الدستورية والسلطة المنتخبة، وهو ماينذر بخطر عظيم إذا استمر الحال على ماهو عليه، سواء على المستوى السياسى والأمنى والاقتصادى أو على المستوى الاجتماعى، بما يعنى أننا أمام حالة من تعمد خلق دولة فاشلة منهارة، وهذا عين مايتمناه الصهاينة والأمريكان ومن سايرهم. هذا التجريف للوطن لصالح أعدائه يؤكد أننا أمام فئة حاكمة لاتعرف للرشد سبيلا، ولاتقدر عواقب ماتفعل وتعميها مصالحها الخاصة وأمجادها الشخصية الزائفة عن المصالح العليا للوطن وكرامة أبنائه، ولو أدرك هؤلاء أن سفينة الوطن ستغرق بالجميع وأنهم سيكونوا فى مقدمة الغرقى لما تصرفوا بهذا الشكل الإجرامي غير المسبوق فى تاريخ المصريين. إن زوال الانقلاب فريضة سياسية وأمنية وضرورة مجتمعية لابديل عنها، وأن عودة الشرعية والاحتكام إلى الآليات الديمقراطية هى السبيل الوحيد لاستقرار الدولة، وليتحمل كل مخطئ تبعات ما فعل، وإلا سنمضى إلى دمار شامل، وهذا ما لايرضاه عاقل لوطننا.