حالة غضب عارمة بين مزارعى مصر، عقب إعلان حكومة الانقلاب العسكرى عن سعر تلقى محصول القمح، الذى وصل فى أفضل حالاته إلى 600 جنيه للإردب، بينما يطلب المزارعون 800 جنيه، فى حين بلغ سعره وفق زراعة الانقلاب 4 آلاف جنيه للطن، بينما طلب المزارعون 5500 جنيه. يأتى ذلك فى الوقت الذى أعلنت فيه "الهيئة العامة للسلع التموينية" عن مناقصة لشراء كمية غير محددة من القمح للشحن، فى الفترة من 15 إلى 25 أبريل المقبل من عدة دول، على رأسها (الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وروسيا وقازاخستان وأوكرانيا). وزعم الدكتور علي المصيلحى، وزير التموين بحكومة الانقلاب، أن المستهدف استلامه من القمح هذا العام يبلغ 4 ملايين طن. وأضاف فى مؤتمر صحفى بمقر مجلس الوزراء، أمس الأربعاء، أنه تم تحديد سعر إردب القمح ب600 جنيه لدرجة نقاوة 23.5، و585 جنيها لدرجة نقاوة 23، و670 جنيها لدرجة نقاوة 22.5. ووسط حالة من الغضب، أعلن عدد من الفلاحين عن عدم زراعة محصول القمح العام القادم؛ بسبب تدنى سعره، وعدم وفاء حكومة الانقلاب بالأسعار. مافيا الاستيراد وتتردد أنباء قوية عن علاقة جنرالات العسكر بملف استيراد القمح، أهم محصول للمصريين، وارتباطهم بشراكة مع رجال الأعمال المستحوذين على سوق استيراد القمح فى مصر. وتعد شركة "فينوس إنترناشيونال" لأحد رجال الأعمال المقربين من الانقلاب، وهو محمد عبد الفضيل، رئيس الجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكازاخستاني ومستشار وزير الصناعة السابق، من أكبر الشركات المتخصصة في استيراد القمح، حيث تتعامل تجاريا بنحو 3 ملايين طن سنويا، أي نصف ما تستورده البلاد تقريبا. في المرتبة الثانية يأتي رجل الأعمال رفعت الجميل، صاحب شركة "حورس"، الذي أصبح يستورد الآن ما يقرب من مليون طن سنويا من القمح، بجانب استيراد الذرة وبعض المحاصيل الأخرى، وتقدر أرباحه بما يقرب من نصف مليار. وتدخل شركة علوان عبدون- الإماراتي الجنسية- المنافسة حيث يستورد مليون طن سنويا، ثم حمدي النجار، صاحب شركة النجار لاستيراد الحبوب، ويمتلك 18 شركة تعمل في مجال استيراد اللحوم والعصائر، وتوجد أيضا شركة رجل الأعمال عاطف أحمد حسن، والذي يمتلك شركة لتجارة الغلال، ويشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة مطاحن الأصدقاء. قمح فاسد فى المقابل، كشف الخبير الاقتصادي محمد فاروق عن أن المناقصات التي تدخلها هيئة السلع التموينية يجب أن تأتي بعد استلام القمح من المزارعين المحليين، خاصة أن سعر البيع محليا أقل بكثير من الشراء عالميا، موضحا أنه كان يجب أن يكون دعم مزارع القمح على أولويات واجبات الحكومة؛ لزيادة المحصول المزروع وزيادة نسبة القمح المحلي لتتراجع معدلات الاستيراد، ولكن ما يتم هو عرقلة واضحة مقصودة للمزارعين لإبعادهم عن القطاع واستيراد النسبة الأكبر من الخارج. وطالب فاروق، فى تصريحات له، الحكومة بالتوقف عن عرقلة المزارعين ودعمهم، وزيادة أسعار شراء القمح منهم لزيادة الزراعة والإنتاج المحلي، مما يساعد على تراجع استيراد مصر للقمح من الخارج، والتعرض لمؤامرات تدمير صحة المواطنين بسبب الأقماح الفاسدة. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة قامت خلال عام 2017 بالسماح لشحنة قمح روسية ملوثة بفطر الإرجوت السام، حيث أقام أحد المحامين دعوى ضد الحكومة، وقال إن فطر الإرجوت ثبت علميًا خطورته البالغة على الصحة العامة وتسببه في أمراض عدة للإنسان، وأن الحكومة تصر على تمرير شحنات قمح قادمة من روسيا مصابة بهذا الفطر، رغم سابقة رفضها تسلم الشحنات ذاتها. "القمح فى ذمة الله" عنوان صادم أصدرته منذ أعوام صحيفة "الأهرام الزراعى"، بعد إعلان وزيري الزراعة والتموين السابقين انتهاء عصر زراعة القمح فى مصر، وذلك عقب قرار مجلس وزراء الانقلاب تحديد سعر شراء فدان القمح من الفلاح ب1300 جنيه فقط وبحد أقصى 25، "أقل من السعر العالمى للقمح والمقدر ب200 دولار للفدان"، ما تسبب فى خسائر كبيرة للفلاح جعلته يهجر زراعة المحصول الاستراتيجى لمصر، التى تتربع على عرش مستوردى القمح على مستوى العالم. وكانت الحكومة تشترى سابقا إردب القمح من الفلاح بسعر يصل إلى 420 جنيها، ولكن بعد قرار حكومة الانقلاب سينخفض السعر إلى نحو 300 جنيه للإردب. الرئيس مرسى والقمح كان الاكتفاء الذاتى من القمح أحد الأهداف الرئيسية للرئيس الشرعى محمد مرسى، بل كان من الأسباب الرئيسية فى الانقلاب عليه؛ بسبب دعوته المتكررة بإنتاج مصر لغذائها وسلاحها ودوائها كى تملك قرارها، كما أعلنها مدوية خلال الاحتفال بعيد العمال 2012، وسط عمال شركة الحديد والصلب بحلوان "اللى يطلب من غيره .. مبيمتلكش إرادته". وخلال العام الذى حكم فيه الرئيس مرسى زاد إنتاج مصر من القمح بنحو 30%، كما أعلنها خلال الاحتفال بموسم حصاد القمح عام 2013، قبل شهور قليلة من الانقلاب الغاشم. وكانت وزارة التموين في عهد الرئيس مرسي، وبقيادة الوزير المعتقل باسم عودة، حريصة على إنشاء صوامع جديدة للغلال، واستيراد أفضل أنواع البذور من القمح، كما قامت الحكومة برفع سعر الإردب للسعر العالمي؛ لحث المزارعين على انتشار زراعة القمح في كافة الأقطار. باسم والقمح وكان وزير التموين السابق، الملقب بوزير الشعب، قد أعلن في النصف الأول من عام 2013، عن مخططه لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لمصر، قائلا: "إنه بالعمل الجاد سيتم تحقيق ذلك خلال ثلاث أو أربع سنوات على أقصى تقدير"، وذلك بعد نجاحه في القضاء على طوابير الخبز، وتوفيره بجودة عالية للمواطنين، ومراقبته للمخابز والمطاحن. وفي العديد من المؤتمرات التي عقدها عودة، تحدث عن تحقيق الاكتفاء الذاتي ووسائل تحقيق ذلك، لافتا إلى مافيا الدقيق ومافيا الاستيراد، واصفا إياها بأنها أحد أهم خصوم الاكتفاء الذاتي من القمح. كما أشار باسم عودة إلى أن من أولى خطوات الاكتفاء أن "الدولة قدمت للفلاح سعرا عادلا ومحترما ب400 جنيه للإردب، أي أن سعر طن القمح 2680 جنيها، وهذا أعلى من السعر العالمي بحوالي 15 في المئة، وأعطته أسمدة جيدة أنتجت منتجا أكثر وفرة، وسهلت عليه عملية التوريد إلى صوامع غلال أنشأتها الوزارة".