تسود حالة من السخط الشديد بين جموع الشعب المصري؛ على خلفية التسريبات الإعلامية التي كشفت عن خفايا اتفاق السفيه عبد الفتاح السيسي، رئيس عصابة الانقلاب، مع كل من إثيوبيا والسودان، خلال مشاركته في القمة الإفريقية بإثيوبيا مؤخرا، إضافة إلى تصريحاته الكارثية، والتي ادَّعى فيها أنه لا توجد أزمة من الأساس بشأن سد النهضة الإثيوبي. والأخطر في تسريبات الإعلام، تنازل السفيه عن ملء بحيرة السد خلال 6 أو 7 سنوات لتخفيف التداعيات الكارثية للسد، لتفرض أديس أبابا شرطها بملء البحيرة في 3 سنوات فقط، إضافة إلى حرمان مصر من 15 مليار متر مكعب سنويا كانت تأتي من حصة السودان فوق حصة مصر السنوية المقدرة ب"55,5″ مليار متر مكعب!. تصريحات السفيه = تنازل عن حقوق مصر وبحسب مراقبين، فإن رئيس الانقلاب أطلق هذه التصريحات الكارثية لأنه وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، في ظل توقف مفاوضات سد النهضة، مع استمرار إثيوبيا بقوة في عمليات الإنشاء، والتي وصلت إلى 70% مؤخرا، وضغوط داخلية من جانب المعارضين بشأن تفريطه في حصة مصر المائية من نهر النيل؛ بسبب سوء الإدارة السياسية، وتوقيعه على اتفاق المبادئ الذي مثّل اعترافا مصريا رسميا بالسد في مارس 2015، بعد تفريطه في جزيرتي تيران وصنافير لمصلحة السعودية. وأمام تصاعد الضغوط في ظل فقدان القاهرة معظم أوراق الضغط في القضية، ومع اقتراب الاستحقاق الخاص بمسرحية انتخابات الرئاسة المقرر انطلاق التصويت الخاص بها في مارس المقبل، لم يجد السيسي أمامه سوى تقديم مزيد من التنازلات على حساب الحقوق المصرية لإنقاذ نفسه ولو بشكل مؤقت من اتهامات المعارضة له، خصوصًا بعدما رفضت كل من الخرطوموأديس أبابا مقترح القاهرة بإشراك البنك الدولي في المفاوضات كطرف محكّم. الخوف من التناول الإعلامي وبحسب مصادر سودانية ومصرية متطابقة، أكدت أن السيسي- خلال المشاورات- كان أكثر ما علّق عليه هو التداول الإعلامي للأزمة في كل من السودان وإثيوبيا، مطالبا زعيمي إثيوبيا والسودان بضرورة عدم الحديث بشأن تفاصيلها في الإعلام؛ لأن ذلك يعقّد الأمور على الأقل بالنسبة للقاهرة، خصوصا في ظل التوقيت الراهن الذي وصفه بالحساس. وأوضحت المصادر أن السيسي- خلال القمة التي عُقدت في أديس أبابا- قال للزعيمين: "حوارات المختصين المباشرين بالأزمة بإمكانها التوصل لحلول ترضي كافة الأطراف، لكن تصريحات المسئولين المتواصلة للإعلام في الدولتين- أي إثيوبيا والسودان- تؤدي إلى تعقيد الأمور". تنازلات مؤلمة وكارثية وقال دبلوماسي مصري، بحسب صحيفة "العربي الجديد"، إنه "للأسف مصر اضطرت للقبول بسياسة الأمر الواقع، واللجوء للموافقة على حلول تضمن أقل الأضرار، بعدما تساقطت أوراق الضغط واحدة تلو الأخرى، خصوصا في ظل الانحياز السوداني الكامل في صف إثيوبيا". ولفت المصدر إلى أن "كل ما حصلت عليه القاهرة من أديس أبابا مجرد وعود لا نضمن تحقيقها حتى، مثل سابقتها، ولكن للأسف ليس أمام صانع القرار المصري في الوقت الراهن سوى القبول بها". وبحسب المصدر "تحمّلت مصر مزيدا من التنازلات في مقابل وقف مسئولي الدولتين التصريح بشكل يستفزّ المصريين ويضع النظام المصري في حرج، إذ اضطر السيسي للقبول بالتنازل عن حصة الفائض التي كانت تأتي من السودان بطبيعة الحال، نظرا لكون الخرطوم لا تمتلك أي وسائل تقنية في استخدامها، فهي تأتينا سواء وافق السودان أو أبى، وتتفاوت وفقا لمنسوبي الفيضان والأمطار سنويا ب12 إلى 15 مليار متر مكعب من المياه". وأوضح أن "حصة مصر الرسمية من مياه النيل وفقا لاتفاقية 1959 تبلغ 55 مليار متر مكعب، إضافة إلى نحو 15 مليار متر مكعب فائضة عن حاجة واستخدامات السودان، لتبلغ الحصة المصرية الفعلية نحو 70 مليار متر مكعب، وهو ما انحازت فيه الخرطوم بشكل كامل لأديس أبابا، مؤكدة أن وقت احتياجها لحصتها قد حان. ولم يجد السيسي أمام يديه الخاليتين من أوراق الضغط سوى الاستجابة، بحيث تقوم إثيوبيا بملء السد على ثلاث سنوات، متعهّدة بألا تتضرر الحصة الرسمية فقط المقدرة ب55 ملياراً، ما يعني فقدان كامل الحصة الإضافية، مع اتباع مصر وسائل تقنية تمكنها من توفير فاقد المياه المتمثل في سوء الاستخدام، ووقف زراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك من المياه لمدة ثلاث سنوات وفي مقدمتها الأرز، ما يهدد بفقدان مليون ونصف المليون فدان من أخصب أراضي الدلتا بسبب ملوحة التربة، بعد وقف زراعة الأرز. مع وعد إثيوبيا بدون ضمانات لعودة تلك الحصة الفائضة مرة أخرى بعد ثلاث سنوات". حديث الدبلوماسي المصري أكدته تصريحات إعلامية لنائب رئيس المجلس المصري للشئون الإفريقية، السفير صلاح حليمة، بقوله إن إثيوبيا ستقوم بتخزين 15 مليار متر مكعب من المياه سنويا في سد النهضة، وستتنازل السودان عن 7.5 مليارات متر مكعب، ومصر عن 7.5 مليارات لمدة ثلاث سنوات، وهذه المياه التي كان سيزرع بها الأرز، لذلك سيقوم البنك الدولي بتعويض مصر عن هذه المياه، وستدفع إثيوبيا ثمن ذلك من كهرباء سد النهضة بعد ذلك. يأتي هذا في الوقت الذي من المقرر أن يُعقد فيه اجتماع سداسي في الربع الأخير من فبراير الحالي، بين وزراء خارجية ووزراء مياه كل من مصر وإثيوبيا والسودان لوضع التصورات النهائية. لا حل للأزمة ويؤكد الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، أن اللجنة الفنية لسد النهضة، "لم تتوصل لحل لإنهاء هذه الأزمة، ولن تتوصل"، في ظل تعمد الجانب الإثيوبي إخفاء الحقائق. ويشدد الدكتور عباس شراقي، على أن أزمة سد النهضة لن تُحل عن طريق التصريحات الوردية، منوهًا بأن الغرض من غالبية التصريحات التي تصدر عن المسئولين المصريين؛ تهدئة وطمأنة المواطنين، وأيضًا للاستهلاك المحلي.