يضع المفكر والكاتب الدكتور محمد عباس، عددا من السيناريوهات المحتملة للوضع الحالي في مصر؛ وهي السيناريوهات التي تتفاوت في درجة شدتها، إلا أنه ومن جانبه يستبعد الاتجاه ناحية العنف واستدراج البلاد إليه، حيث ينبه علي أن الشعب المصري عليه أن يدفع من دماءه كل يوم في سبيل تجنيب البلاد ذلك المنزلق. وأضاف د.عباس، اليوم الخميس، في تصريحات خاصة للحرية والعدالة، أن ما فعله الانقلابيون وأعوانهم "خيانة"، في تأكيد من جانبه علي أن عدد من الكوارث قد لحقت بالبلاد من جراء تلك الخيانة. ثلاثة سيناريوهات قال محمد عباس، أن السيناريو الأول المتوقع إنما هو لحقن دماء الشعب والأمة والمحافظة عليها من الخراب والدمار، بل والمحافظة علي شرف وكرامة الجيش المصري، ومفاده أن تكون هناك خلية عاقلة في الجيش تدرس الأزمة؛ فتُدرك الخيانة الهائلة التي ارتكبها قادة الانقلاب وعلي رأسهم الفريق عبد الفتاح السيسي؛ وتتصرف لإنهاء الانقلاب بناء علي ذلك الإدراك. أما السيناريو الثاني، فهو ألا تستيقظ تلك الخلية إلا بعد نزيف من الدماء تغرق البلاد، حتي يستيقظ ضمير تلك الخلية، وتتقدم لوقف هذه الكارثة، التي يئن منها الوطن. أما السيناريو الثالث، وهو سيناريو الدمار الغير مستحب، هو أن ينسحب من الأحزاب الإسلامية ربما مئات الآلاف من الشباب بعد أن يئسوا من صندوق الانتخابات الذي آمنوا به وينضمون إلي أطراف لم تدخل المعركة بعد؛ ولا تؤمن إلا بالصراع المسلح وهنا نكون قد بدأنا في سيناريو سوريا أو ليبيا، وإن كانت الحقيقة تقول أن هناك فارقا كبيرا بيننا وبين الدول الأخري، وهو أن الغالبية الإسلامية في بلادنا تزيد عن ال80 فلا أمل أمام الانقلابيين سوي الاستسلام لمطالبهم، ولكن في خضم ذلك سيتقسم الجيش وبالتالي يخرب الوطن. وحول أي السيناريوهات يرجح أو التي من الأفضل للجميع أن يدفع في اتجاهها يقول: «أظن أن هناك خلية داخل الجيش ربما لا يهمها حتي الإسلام، ولكن يهمها وحدة الجيش لأنه مهدد بالتقسيم، ولذا فمن مصلحة الجيش نفسه أن تنشط تلك الخلية فيه لتمنع استمرار الانقلاب، وطريق ذلك أن يظل المصريون يدفعون من دمائهم حتي يستيقظ ضمير تلك الفئة». وأضاف عباس، في هذا الإطار هناك الآن شيء هام ربما لم يتنبه إليه البعض؛ وهو حالة الانتفاضة للمجتمع ككل، وحالة الصحوة، فضلا عن إدراك أن الإسلام هو المستهدف وأن الحرب عليه بشكل مباشر، ولذا نجد أن المظاهرات تزيد كل يوم عن الذي قبله، أما النقطة التي يحاولون استدراجنا إليها هي أن نستخدم العنف وهو ما لا يجب فعله أبدا، فليسقط منا العشرات والمئات بل والآلاف، فهناك شعوب لا تدين بالإسلام كديننا، شعوب لا تعرف قيمة الشهادة ولا معناها ولا قيمة الشهيد عند ربه سبحانه وتعالي، ومع ذلك قدمت الآلاف من الضحايا في سبيل تحقيق رفعة أوطانهم؛ فلنبذل نحن أيضا الآلاف من الشهداء، حتي يستيقظ ضمير الجيش. إلى كل وطني شريف وفي السياق نفسه، ولأن الأمر لم يضر فقط الباحثين عن الهوية الإسلامية، وإنما أضر أيضا بمصالح الفئات الباحثة عن العيش والحرية والعدالة الإجتماعية؛ خاصة لما لمسناه سريعا من فساد وتراجع في إنجازات وزارة تهم المواطن البسيط كوزارة التموين. وتابع د. عباس مؤكدا، أنه وبخلاف تلك الهوية الإسلامية المستهدفة، ولو حدث هذا الانقلاب في دولة من دول أمريكا اللاتينية التي لا تعرف الإسلام أساسا، فإنه من الواضح والجليّ للعيان أن هدف الانقلاب الرئيس هو استمرار عبودية مصر للكيان الصهيوني ولأمريكا، ومنع تحقيق استقلال حقيقي للبلاد، وعليه يكون علي كل وطني شريف أيا كان اتجاهه أو دينه، أن يسعي لوقف هذا الانقلاب ومقاومته؛ لأن استمراره يعني منع مصر من الترقي اقتصاديا و سياسيا واجتماعيا أو علي أي مستوي آخر؛ لتظل دائما خاضعة تابعة ذليلة تحصل علي الصدقات والمعونات من هنا وهناك، بل سيكون غير مسموح لها بالنهوض أو أن تكون رائدة. وضع كارثي وحول رؤيته للوضع الكارثي الذي قام به انقلاب السيسي وأعوانه، قال د.عباس: «أولا ما حدث ليس له توصيف سوي الخيانة؛ فهي خيانة متعددة الأطراف للدرجة التي لو أننا استبعدنا الدكتور مرسي بالكامل بل والإسلام كله من المشهد؛ فإن الجريمة مع ذلك ستظل جريمة خيانة عظمي في أعلي مستوياتها». وأضاف، «فهي بداية تهدم الضبط والربط والنظام الذي اشتُهر به الجيش المصري، وتدخله المعترك السياسي، الكارثة الثانية هدم نظام الدولة وإدخالها في سيناريوهات تُعد لها من الخارج منذ زمن طويل، ومنها ما هو معلن ومشهور في الدوريات الأمريكية؛ حيث تقول تلك الدوريات أنه قبل عام 2015 لابد أن تُقسم مصر؛ والطريقة الوحيدة لهذا التقسيم؛ هي صدام الكتلة الصلبة في الجيش بالكتلة الصلبة للمجتمع-وهي الاتجاه الإسلامي-». وتستطرد تلك الدوريات في القول، أنه وفي خلال عشرة شهور من هذا الصدام، فإن كل طرف سيقضي علي الآخر، وتصبح مصر ساعتها فريسة إلي التقسيم المزمع منذ زمان طويل؛ تمهيدا لتقسيم باقي الدول العربية وعلي رأسها المملكة العربية السعودية.-وهو المنزلق الذي لا نود له أن يكون إذا حافظنا علي سلمية تظاهراتنا-. يردف عباس، «أما الكارثة الثالثة التي صنعها السيسي وقادة الانقلاب، هي محاولته ذرع الفتنة الطائفية في مصر، فلأول مرة في التاريخ المصري يشترك بابا النصاري في عزل أول رئيس مصري منتخب، وحافظ للقرآن، كما أننا شاهدنا كيف أن الاعتماد الرئيس علي "البلطجية" يأتي من المناطق المسيحية، وهذا متعمد تماما لزرع فتيل تلك الفتنة؛ ذلك لأن تلك النخبة الخائنة من القادة في الجيش لا يهمها الدين ولا الدولة ولا الأمة؛ ولا يهمها أي شيء آخر غير مصالحها ومنافعها الشخصية». وتابع «ومن المحزن تماما أن يتم استدراج البابا لتلك الخدعة، و الحقيقة أنه من المؤكد أن هناك من الأخوة المسيحين من هم ضد ما فعله البابا، بل ويؤاخذوه عليه، ويقفون ضد الانقلاب قلبا وقالبا، بل إنه ومما انطبع في ذاكرتنا- إبان ثورة 25 يناير- ذلك المشهد الرهيب حين قام رجال الشرطة برش المتظاهرين بالمياه الساخنة وهم يُصلون، فقام المسيحيون بمحاولة حمايتهم من هذه المياه، فهناك مسيحيون أشراف دافعوا ومازالوا يدافعون، وأذكر من بينهم علي سبيل المثال الدكتور -رفيق حبيب- الذي أعتبر كتاباته تتفوق علي كتابات الكثير جدا من غيره من المفكرين المسلمين». وفي السياق نفسه ولأن شيخ الأزهر كذلك قد شارك في الانقلاب والخيانة، يضيف -د.عباس-: الحقيقة أن شيخ الأزهر لا يمثل الأزهر ولا يمثلنا؛ فهو لا يمثل إلا نظام مبارك، في حين أن علماء الأزهر الحقيقيون موجودون الآن في ميادين الاعتصام المختلفة. ومن المعروف أن نظام مبارك كوّن داخل الأزهر كتيبة تسانده لا تقل سوءا عن مباحث أمن الدولة أو مثقفي أمن الدولة التابعين لها في الصحف.فمبارك جعل في الجيش كتيبة كبيرة لحمايته، وجعل في الصحف كتائب لا لنشر الحقيقة وإنما لطمسها، وكذلك شيوخ أمن دولة ليست مهمتها أن تُجلي حقائق الدين بل أن تزيفها في سبيل الدفاع عن مبارك. يذكر أن الدكتور عباس، من أبرز كٌتاب المقال السياسي والثقافي، فضلا عن القصة والرواية، ومن أبرز كتبه:"الوعي ينزف من ثقوب الذاكرة"، " بل هي حرب على الإسلام"، "إني أرى الملك عاريا" و "بغداد عروس عروبتكم".