لا يمكن أن نمرر العدد الثانى الذى صدر يوم الجمعة 4 فبراير من جريدة "الفتح" الأسبوعية ذات الوجه السلفى، والتى يرأس تحريرها الكاتب الصحفى طلعت رميح، دون أن نتوقف على ما تضمنته من مواد اشتمل أغلبها على العديد من الانتهاكات والخروج على مقتضيات العمل الصحفى، كما حملت الجريدة العديد من الاهتمامات للأقباط مما سنعرض له لاحقًا. الجريدة سخرّت أغلب مادتها لتخوين المثقفين والسياسيين المصريين ممن لا يتفقون مع أفكارهم، أو يختلفون فكرياً مع مرجعية كتاب الجريدة، واتهامهم بالعمالة لأمريكا تارة وتارة للغرب وتارة للصهيونية. كل هذا يمكن أن يمر، ولكن أن تصل الأمور للتكفير تصريحا، فهذا لا يمكن أبدا أن نقبله، ولكى لا يكون كلاما فى الهواء نبدأ بعرض مقال د.محمد عباس فى الصفحة الأخيرة المعنون ب "أنا لست أقرئك السلام فلا سلمت"، بداية من عنوان مقاله، هل هذا من خلق الإسلام، وعلى حد معلوماتى القليلة فى الدين، أن الرسول كان يقرئ السلام الجميع، هذا ديننا الذى نعرفه ونعتنقه، دين المحبة دين "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، لا دين "أنا لست أقرئك السلام فلا سلمت" ولا دين "إذا خاصم فجر". هذا عن عنوان مقال "عباس" الذى خصصه للهجوم على وثيقة المبادئ فوق الدستورية التى أعلنها د.على السلمى، وفيه يكيل الاتهامات لمن كتبها، فحسب نصه "الذى كتبها (أى الوثيقة) لا يمكن أن يكون عربيا ولا مسلما ولا نصرانيا يحب وطنه، هذه الوثيقة مكتوبة خارج مصر فى أوكار المخابرات التى تريد تفتيت مصر والقضاء على الإسلام.."، وفى موضع آخر "جلهم علمانيون أو ملحدون أو نصارى أو من معتوهون أو مسلمون مخدعون، فهذه الفئة الضالة تريد لرأيها العميل أن يعلو على صوت الأمة كلها، أن يعلو على القرآن والسنة.. فهذه المجموعة التى لا أشك فى خيانتها وعمالتها وضعت هذه الوثيقة أو على الأحرى جاءتها هذه الوثيقة من أوكار الموساد والسى آى إيه"، هذا هو نص كلام عباس والعديد من الاتهامات والتخوين والمقت البعيد عن أى حوار حقيقى. مقبول جداً بل مهم وضروى أن تشهد وثيقة المبادئ الدستورية التى أعلنها الدكتور على السلمى نقاشا حاداً وجدالاً كبيراً بين حالة الرفض والقبول، والرغبة فى التعديلات، والضغط الشعبى، وإيجابى جدا أن تشهد هذه الوثيقة حالة من الاهتمام بما تضمنته، وأن تتيح مساحة واسعة للحوار حول المواد المتضمنة فيها، وخاصة المواد السياسية، مثل كيفية اختيار رئيس الجمهورية، وموقف القوات المسلحة فى الدستور، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن نصادر على أى رأى، أو نعترض على من يرى عدم جدواها وأنها التفاف على إرادة الشعب، ولكن غير المقبول أن نتهم الذين توافقوا عليها بأنهم يعملون ضد الدين أو أنهم مجموعة من الملحدين أو المعتوهين، أو أنهم خونة وعملاء، على حد كلام د. عباس. الأخطر وما يجعلنا نخشى ونأخذ حذرنا جيداً، أن نقد د. "عباس" لا ينصب على المواد السياسية، فهو لا يعنيه كيف يأتى رئيس الجمهورية مثلا، ولا موقف القوات المسلحة من الدولة، ولكنه يعترض على المواد التى لا يخلو منها أى دستور فى العالم، ولا يختلف عليها اثنان، يعترض على مواد الحرية والمساواة، فحينما يبتلع د.محمد عباس على مضض مواد مثل "السيادة للشعب وحده" ويتبعها بثلاث علامات تعجب ويكتب "سنعبر هذه"، لابد أن نخاف وأن نتوقف، مادة أخرى وهى مادة "تكفل الدولة لجميع المواطنين حرية العقيدة وتضمن حرية ممارسة العبادات والشعائر وحماية دور العبادة" يتعبها عباس ب(هل يشمل ذلك البهائية والبوذية).. ومادة "لكل مواطن حق المشاركة فى الحياة الثقافية بمختلف أشكالها وتنوع صورها، ويتضمن ذلك الحق فى حرية الاختيار وحرية الرأى، يضيف لها عباس متهكما و"حرية الردة والكفر"، وكثير من المواد الأساسية التى يتوافق عليها المجتمع قبل أن توضع فى أى دستور، وهو ما يجعلنا نطرح سؤلا هل يمكن العبث فى هذه المواد المتفق عليها بالضرورة، ويجعل من الأهمية بمكان أن نعرف كيف يريد هؤلاء كتابة الدستور. لم يقتصر الأمر عند ذلك، أضع بين أيدى القراء نص كلام د. محمد عباس اللجنة العليا التى ستشكل لكتابة الدستور الجديد لمصر، يقول وهذا نص كلامه (...فالمطالبات التى يرعاها دعاة تعهير المرأة.. فإن الكنيسة ستمثل بثلاثة، لكل طائفة ممثل، أما الإسلام فيمثل بشخص واحد فقط هو شيخ الأزهر، ولما وجدوا أن الوقاحة تجاوزت حد الفجور أضافوا المفتى ليكون اليهود ممثلين بواحد والمسلمون بممثلين والكنيسة بثلاثة)، على حد علمى أنه ليس هناك فى اللجنة التأسيسية للدستور ممثل لليهود، ثانيا حينما يستخدم كاتب "اللام ويكون" (ليكون) فالمؤكد أن التالى يتبع اللاحق بمعنى أنه حينما يكتب "أضافوا المفتى ليكون اليهود ممثلين بواحد" tهذا معناه أنه يقصد أن المفتى ممثلا لليهود، وهو ما إن صح تعد فاحش على أحد أكبر المناصب فى الإسلام لا يقبله أحد، وأتمنى أن لا يكون به أى قصد، وإلا فهل وصل التطاول لهذا الحد وهذه الوقاحة. نعود مرة أخرى للمواد الصحفية التى شملتها الجريدة، التى تصر على تسمية الأقباط بالتسمية التى لا يحبونها "النصارى"، ويعترض أحد كتابها (محمد عباس) على الاعتزاز بالتاريخ القبطى لمصر، فهو يرى "أن فكرة التاريخ القبطى مغلوطة، فليس لمصر تاريخ قبطى، فالنصارى لم يحكموا مصر أبدا" حسب كلامه، غافلا بذلك عن جانب كبير من تاريخ مصر، وتاريخ نضال المصريين المسيحيين ضد القمع الرومانى، ولغة قبطية كتبت بها العديد من نصوص الحضارة المصرية، والعديد من الإسهامات الحضارية العظيمة التى تركها أقباط مصر. لا تتوقف الإساءة لأقباط مصر عند هذا المستوى، ولكن تعدى لاتهامهم بأن هناك جهات تعمل على تسليحهم لتكوين دولة مستقلة لهم فى مصر، فى الصفحة 7 ينشر "خالد يوسف" تحقيقا تحت "مخطط تقسيم مصر"، الخطير فى الموضوع الخريطتان المرفقتان مع الموضوع، والتى لم يذكر ما هى مصدر الخريطة الأولى فيهما، والتى تخص مصر، بالطبع لا يمكن أن يكون هناك عدو بهذا الغباء الواضح ليضع خارطة تقسم مصر ل 5 دول، أكبرها على الإطلاق الدولة النصرانية، وعاصمتها الإسكندرية، وأصغرها على الإطلاق الدولة الإسلامية، الخارطة قسمت مصر ل 5 مناطق هى: (المنطقة الأولى سيناء وتقع تحت النفوذ اليهودى المنطقة الثانية القطاع الأكبر من شرق النيل وحتى ليبيا ومن الإسكندرية شمالا وحتى أسيوط (الدولة النصرانية)، القطاع الثالث من البحر الأحمر وحتى حدود ليبيا ومن أسيوط شمالا وحتى حدود السودان (الدولة النوبية)، القطاع الرابع الدلتا وتقع تحت الحكم الإسلامى، والقطاع الخامس جزء من الصحراء الشرقية ويدخل نطاق إسرائيل الكبرى)، ولا ينسى كاتب الموضوع أيضا أن يكمل حبكته، فيبدأ من مقال لرالف بيترز بعنوان "حدود الدم" منشور فى مجلة القوات المسلحة الأمريكية، حسب كاتب التحقيق، وهو طرح لخطة أمريكية لتقسيم العالم الإسلامى، المقال لا يأتى به أى ذكر لتقسيم مصر، فضلا عن أنه لا توجد هناك رابط بينه وبين الخريطة التى هى بالطبع من خيال خالد يوسف.. تصور معى أيها القارئ كم الكراهية والطائفية التى من الممكن أن تغزو قلوب الشباب الصغير من المتدينين حينما يقرؤون هذا الموضوع ويرون هذه الخارطة الكاذبة لتقسيم مصر، والجزء الأكبر منها لدولة مسيحية، وكل هذا غير صحيح، فكلنا نعرف مدى حرص أقباط مصر على وحدة هذا البلد. الأدهى والأخطر هو الذى يورده كاتب الموضوع عن وسائل هذا التقسيم الذى تسعى إليه القوى الغربية، هو، حسب كلامه، تسليح المسيحيين المصريين بصورة فعالة فى غيبة الدولة، هكذا بيقين يحسد عليه يتحدث الأخ "يوسف"، ويجعلنا نرجوه ونقبل يديه أن يتقدم ببلاغ للنائب العام مرفق به أدلته على هذا الاتهام الخطير للإخوة الأقباط، والذى لا يمكن السكوت عليه، وإلا فليسامح الله الأخ "خالد" ورفاقه الذين يعبثون بوحدة هذا الوطن، وليتقوا الله أولا فى ديننا الحنيف، وفى وطننا الواحد المحروس. نعود مرة أخرى للمادة المنشورة فى الجريدة الأسبوعية، حيث نال المثقفون والكتاب والليبراليون الجانب الأكبر من الهجوم، ومن الإساءات.. المضحك هو أننا لو حذفنا "ضمير الغائب هم" من الجريدة لنقصت نصف حجمها، الأنكى أنك بعد أن تطالع هذا الكم من المقالات والموضوعات التى تهاجم الليبراليين، لابد أن تتساءل من هؤلاء الليبراليين وأعتقد أنك لن تجد إجابة إلا أنهم هم "اللهو الخفى".. طلعت رميح رئيس تحرير الجريدة فى مقاله على صفحة كاملة يرى أن دعاة الليبرالية الجدد، (هؤلاء اللهو الخفى) الذين هم فى رأيه أداة إعادة البلد للوراء، وأداة تفكيك البلاد وإنفاذ الخطة الغربية الصهيونية، دعاة الليبرالية الغربية، متمترسون عند مواقف معادية للإسلام تحت دعايات المواطنة ورفض حكم رجال الدين، وهم سن رمح المستعمر فى غزو بلادنا وهدفهم حرب الإسلام، ويهدفون لتحويل الجيش إلى جيش يحمى العلمانية الغربية، حسب كلامه. ادعاءات رميح لا تتوقف عند هذا الحد، ولكن تتطور لتؤكد أن (اللهو الخفى) أعداء الإسلام كانوا أداة الغرب لإحداث انقلاب (مخططهم الانقلابى)، الذى هو بالطبع (ثورة يناير)، الليبراليون الجدد أيضا، على حد كلام السيد رميح، وصل بهم الحد للاعتداء على مقارات الجيش وقتل بعد أفراده، وأحد هؤلاء الليبراليين دعا لأن يستعد الجيش المصرى لمواجهة الإرهاب وكيفية التعامل مع الحرب الأهلية، أى حرب أهلية يتحدث عنها صحفى كبير ورئيس تحرير فى حجم طلعت رميح، لابد أنه يعرف جيدا أن كلاما خطيرا كهذا لابد أن يُعلم قائله، ولا يترك هكذا للهواء. الكاتب جلال مرة، أنهى مقاله أيضا بمعزوفة من الاتهامات لليبراليين فهم "باعوا الأوطان.. باعوا الأعراض.. باعوا الشرف.. باعوا الدين" بالطبع لابد أن تأتى مقدمة لهذه البذاءات فيأتى بتصريحات لمصدر رفيع المستوى فى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بأن قد أُخطرت السلطات المصرية بأنها ستقتطع مبلغ 165 مليون دولار من المعونة الأمريكية وتوزعها مباشرة على الجماعات المشاركة فى الانتفاضات العربية وقال المسئول (مجهول الهوية بالطبع) أن الوكالة وزعت 63 مليون دولار على جماعات مصرية مناصرة للديمقراطية، لم يكشف بالطبع "مرة" عن مصدر معلوماته، ولا وضعها رهن الصواب والخطأ، ولكنها طالما فيها اتهام لأعداء الإسلام دعاة الديمقراطية فى وجهة نظره، فهى صحيحة، ولا غبار عليها، وكأن الله لم يضع إحدى أهم مقتضيات العمل الصحفى "إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، بالطبع لم يذكر الأستاذ من هذا المصدر، ولم يتبين من صحة كلامه إن كان فاسقا أم لا، طالما أن كلامه يصلح أن يكون وسيلة للهجوم على أعداء سياسيين، فلا مانع أن يكون خاطئا، ولكن الأهم أن يشوه صورة شرفاء هذا الوطن، ويظهرهم فى مظهر الخونة أتباع الصهيونية ودعاة الرذيلة والفجر، فهم بائعو الأوطان.. بائعو الأعراض.. بائعو الشرف.. بائعو الدين. مقال "وجهة نظر" لمحمد عياد بالطبع يطرح سؤلا لماذا يرفض الليبراليون الدولة الإسلامية، فهم نشأوا فى بيئة لا يحكم فيها شرع الله، إلا أنهم يبغون حياة بلا ضوابط وحرية بلا حدود، بالطبع لم يحدد كاتب المقال أيا من الليبراليين يقصد، وأى منهم يرفض الدولة الإسلامية، من هى البيئة التى نشأوا فيها وهى لا تحكم شرع الله، لا يذكر أى شىء محدد يمكن أن تطرح لنقاش محدد، فقط اتهامات دون دليل يمكن لأى عاقل أن يفندها ويرفضها. مقال "مصر الشعب فى مواجهة النخبة" لسعيد محمد حمام رصد فيه الممارسات الغريبة التى تقوم بها طائفة من المصريين تسمى نفسها "النخبة المثقفة"، فحسب كاتب المقال هذه النخبة (اللهو الخفى) تسعى للانقلاب على الثورة وتعمل ضد الشعب المصرى، وتسفه منه وتمارس عليه الوصاية، لينهى مقاله باستخدام النص القرآنى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، وهنا نساءل كيف يسمح هؤلاء لأنفسهم باستخدام النصوص القرآنية بهذه السفه، وفى غير موضعها، لا حول ولا قوة إلا بالله، ألا يعد هذا تحريفا لكلام الله القدير، حينما نقول إن هذه "الفئة" أو غيرها تمكر على الله، وتعمل ضد دينه، ألا يعد هذا اتهاما يلزم أن يكون محدداً ومرفقاً بأدلة قاطعة تدينهم، حتى نقول إنهم يعادون هذا الدين، وليس مجرد خلاف سياسى أو خلاف يتعلق بأمر من أمور الدنيا، التى طبعها الاختلاف أصلا، لنجعلهم خارجين عن الإسلام وأعداء الله على الأرض.. للأسف هؤلاء نفر منا استباحوا لأنفسهم الحقيقة المطلقة والمعرفة الوحيدة وهم فقط الموكلون بتفسير كتاب الله واستخدامه فى المواضع التى تتفق مع سياساتهم ومشاريعهم الدنيوية.