إن الأخلاق تُعتبر من أهم القيم المعنوية فى الحياة، ومن أهم المقومات الحضارية، بل من أهم الأسس الإنسانية للنجاح الاجتماعى لأن النفوس جُبلت على حب من أحسن إليها وبُغض من أساء إليها. والأخلاق من أهم عوامل النجاح الاجتماعى؛ فما من مصلح أو قائد أو زعيم أو عظيم أو أى إنسان إلا كانت الأخلاق من صفاته الرئيسة، فلا يستطيع أحد أن يؤثر على الآخرين إلا إذا كان ذا أخلاق رفيعة. فالأخلاق هى شكل من أشكال الوعى الإنسانى، كما تُعتبر مجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة؛ بحيث ترتقى إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب لتكون سندا قانونيا تستقى منه الدول الأنظمة والقوانين، وهى الطباع والأحوال الباطنة التى تُدرك بالبصيرة والغريزة، وبالعكس يمكن اعتبار الخُلق الحسن من أعمال القلوب وصفاتها، وأعمال القلوب تختص بعمل القلب بينما الخُلق يكون قلبيا ويكون فى الظاهر. أما أخلاقيات الإدارة فهى مجموعة من القواعد والأسس التى يجب على المهنى التمسك بها والعمل بمقتضاها، ليكون ناجحا فى تعامله مع الناس، ناجحا فى مهنته ما دام قادرا على اكتساب ثقة عملائه والمتعاملين معه من رؤساء ومرءوسين. ولكن للأسف يَظن الكثير منا أن العمل والإدارة لا علاقة لهما بالأخلاق، إذن فأين تكون الأخلاق؟ إن لم يكن العمل مرتبطا بالأخلاق فأين نلتزم بالأخلاق؟ هل الأخلاق هى شىء نَلتزم به فى المساجد ودور العبادة فقط؟ كيف تكون أمينا إن لم تكن أمينا فى عملك؟ هل يقال عنك إنك صادق إن كنت صادقا مع أهلك وأصدقائك وكذابا فى عملك؟ ألا يقال لمن يغش فى البيع إنه غشَّاش؟ ألا يقال لمن يُطفف فى الكيل والميزان بأنه من المُطففين؟ وهناك من يعتقد أنه من السَذَاجة أن نتحدث عن الأخلاقيات فى مجالى العمل والتجارة ويستشهد على ذلك بمقولة: هذا عمل وتجارة وكل شىء مباح فيهما. أهذا منطق للتفكير؟! وكأنه يريد أن يقول إن التجارة والعمل هما فى مفهوم الأجانب لا علاقة لهما بالأخلاق وبالعواطف كذلك، وفى الحقيقة فإن هذا خلاف الواقع؛ ففى الجامعات الأجنبية تهتم بتدريس مادة تتعلق بأخلاقيات العمل والإدارة لدارسى الإدارة بل فى التخصصات الأخرى مثل الهندسة والطب، فالأخلاق فى الإدارة أمر مطلوب فى العالم المتقدم بل أى مخالفة لذلك تقابل باستهجان كبير من الشخص العادى. أحيانا ننظر إلى الأمور فى إطار ضيِّق فنقول: يا أخى هذا أمر بسيط ولا توجد مشكلة من التلاعب فيه، فى الواقع فإن أى مخالفة أخلاقية صغيرة تؤدى إلى مشاكل كبيرة، على سبيل المثال إن التلاعب فى رقمٍ واحد فى تقرير يومى يؤدى إلى تغير متوسط هذا الرقم على مستوى اليوم وعلى مستوى الشهر ويؤدى إلى أن تكون التقارير الشهرية والسنوية غير معبرة عن الحقيقة بل تؤدى إلى فشل عمليات التحليل والتطوير؛ لأن الأرقام لا علاقة لها بالواقع. ويجب أن نعلم جميعا أن الإدارة لا تفترض أن الموظفين ليس لديهم أى مشاعر أو أنهم ليسوا بشرا، بل الإدارة تتعامل مع طبائع البشر واحتياجاتهم، فكيف تستطيع تحفيز العاملين إن لم تتعامل معهم بوصفهم بشرا لهم احتياجات ومشاعر؟ هل تتصور أن عدم احترام العاملين شىء مقبول لأنه يأتى فى إطار العمل؟ هل تتصور أنه من الصواب أن تطلب من أحد العاملين ألا يذهب لحضور جنازة أقرب أقاربه أو أن تمنعه من أن يأخذ إجازة ليعتنى بابنه أو زوجته المريضة؟ إن كنت تستشهد بالأجانب فهم لا يفعلون ذلك، ألم تسمع أن رئيس وزراء بريطانيا السابق تونى بلير قام بإجازة طويلة عندما رُزق بمولود؟ إن العمل عمل.. نعم، ولكن ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن تعطى كل ذى حق حقه فلا تجعل مشاعرك تجاه شخص ما تتحكم فى قراراتك فى العمل، لا تتحامل على شخص ما لأنه لا يخالف لوائح عمله لكى يُرضيك، لا تتنازل عن حقوق شركتك لكى تُجامل الآخرين، العمل يهدف للربح ولاكتساب المال ولكن من خلال إطار أخلاقى، فليس معنى العمل أن تخدع أو تخون الأمانة أو ترتشى أو تسرق أو تكذب أو تظلم أو تتلفظ بالبذىء من الأقوال أو ترتكب الشنيع من الأفعال. إن أخلاقيات العمل أصبحت حاجة ملحة فى مواجهة الفساد الإدارى، تعبر عن المسئولية متعددة المستويات بدءا من المسئولية الذاتية على مستوى الفرد والمسئولية الأخلاقية فى الولاء للمُثل العليا والمسئولية المهنية والمسئولية العامة وصولا إلى المسئولية الوطنية والقومية والمسئولية الدولية. إن الإدارة بالأخلاق فلسفة إدارية يتفق عليها ومعها الجميع لأنها تمثل أهم الركائز ومتطلبات العمل والتعامل الإنسانى كالاستقامة والتسامح والوفاء والصدق والإخلاص والانتماء والنجاح والعدالة والرضا وغيرها من الأخلاق والقيم النبيلة والسامية التى قامت عليها الأخلاق الإنسانية، وإن الاحتكام إلى هذه القيم يؤدى إلى الأداء والإنجاز والتميز.. وعليه يجب على الجميع العمل بروح الفريق الواحد والبحث عن هذه القيم وهى موجودة فى داخلنا، وما علينا إلا إيقاظها وتفجيرها والعمل بها؛ لأن الفرد الاجتماعى والثقافى والأخلاقى القيمى يستطيع أن يسهم فى حل مشكلاته ومشكلات مجتمعه، وأن يسهم فى حركة الإصلاح الإدارى وإعداد وتهيئة أسس سلوكية ترصد أفعال الناس فى حياتهم الخاصة وفى أماكن العمل بهدف الوصول والنجاح والاتصال والارتباط والمشاركة والاندماج وإعطاء الحياة قيمة وأهمية، لذلك فإن الإدارة بالأخلاق والمثل مرساة للنجاح، ونحن اليوم فى أمسّ الحاجة لها أكثر من أى وقت مضى، لأننا نعيش مرحلة تحديثية وتطويرية جديدة، ونحن بأمس الحاجة إلى القيم وإلى الرؤية التطويرية، وأن من يتسلمون المواقع الأمامية فى المجتمع يجب عليهم أن يشكلوا عامل القدوة فى ممارستهم الإدارية، فالقيم موضع احترام من قبل الجميع وهى التى يلتقى حولها الناس كجماعات وهى تدفعهم للعمل معا بغية الوصول إلى أهداف مشتركة، والقيم بمنزلة القوة الجاذبة، وهى المنظومة التى تملك تأثيرا على الجماعات. إننا المصريين لا ينقصنا ولله الحمد قيم ولا مبادئ أخلاق.. نحن نفاخر بما لدينا من قيم وأخلاق رائعة وعريقة، والأروع كونها محل اتفاق وإجماع، وأن هذه الأخلاق والقيم هى مضمون مشروعنا التحديثى والتطويرى الذى يجب أن يكون بالمستقبل القريب.. وما علينا إلا تحويلها إلى سلوك يومى فى حياتنا الخاصة والعامة وفى مؤسساتنا وبيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، وتقوية وعى كل الناس بأهميتها، وكذلك تعليمها للأجيال بالقدوة حتى تسود وتصبح السمة الغالبة على طبائعنا وهى إن احتاجت فهى تحتاج إلى مزيد من الاقتداء والعمل المنظم، وإلى القليل من البيروقراطية والمحسوبية والفساد والتسويف والمماطلة. والله الموفق لما فيه الخير لمصر الحبيبة.