تتعرض جماعة الإخوان المسلمين -هذه الأيام- لهجمة إعلامية ظالمة، يقف وراءها المعادون للفكرة الإسلامية، بهدف ألا يسود الإسلام، وألا تتولى حكوماته أمور البلاد، فى مصر وغيرها، ونؤكد لهؤلاء المتربصين أنه لن يكون خير إلا لدين الله تعالى، ولدعاته وللجماهير العريضة التى تدين بالولاء له والانتماء لحضارته الإنسانية الراقية. ومهما فعل المفلسون للصد عن سبيل الله، فسوف تكون العاقبة للمتقين، والخسران والبوار للفاسدين المخربين، {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]، فالإخوان المسلمون يعملون لتحيا من جديد دولة الإسلام، ولتقوم فى الناس حكومة مسلمة، تؤيدها أمة مسلمة، تنظم حياتها شريعة مسلمة أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فى كتابه؛ حيث قال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِىُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18، 19]، ومن ثم فلن يجف عود هذه الجماعة -بإذن الله- ولن يسقط ورقها. إن تلك الهجمة غير الأخلاقية التى تحاول النيل من الجماعة ليست الأولى فى تاريخها، ولن تكون الأخيرة، والإخوان أنفسهم يتوقعون هذا الكيد، وقد بايعوا على ذلك، فما من دعاة يفهمون فهمهم ويعتنقون مبادئهم إلا أوذوا، فهم لذلك لا ييأسون؛ لعلمهم أن اليأس ليس من أخلاق المسلمين، وأن حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، كما يعلمون أنه لا يزال فى الوقت متسع، ولا تزال عناصر السلامة قوية عظيمة فى نفوس الشعوب المؤمنة، رغم طغيان مظاهر الفساد، وأن الضعيف لا يظل ضعيفًا طوال حياته، وأن القوى لا تدوم قوته أبد الآبدين {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]. والإخوان على استعداد دائم، ليقينهم بأن الدور عليهم فى قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وأن العالم ينظر إلى دعوتهم، دعوة الهداية والسلام، لتخلصه مما هو فيه من آلام.. ولقد صارح المرشد المؤسس -عليه رحمة الله- إخوانه منذ البداية بمشقات الطريق ووعورته فقال لهم: «أحب أن أصارحكم بأن دعوتكم لا تزال مجهولة لدى كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات». ومنذ الأربعينيات صارت الدعوة وصاحبها خطرًا على المستعمر، والأحزاب، وأنظمة الحكم.. فكان منطقيا أن تتألب هذه القوى على الإخوان، وأن تكيد لهم، وأن تصطنع معهم حروبًا، كلٌّ على شاكلته.. فلم يتركوا اتهامًا إلا ألصقوه بالجماعة، ولم يتركوا مجالا دخل فيه الإخوان إلا ضيقوه عليهم.. لقد اتهموهم بالعمالة، وبالحزبية، وبالسعى إلى الحكم، وبالإرهاب، وبالعمل بالسياسة!! وهى تهم -كما نرى- متناقضة!! ولقد تعرض الإخوان فى عهد عبد الناصر لعدة محن، لو وقعت على الجبال لهدَّتها، حتى لقد ظن الناس أن الإخوان كانت فكرة ثم انتهت، وقد اعتقد كثير من الإخوان أنفسهم هذا الظن، وهم أسرى السجون.. حتى إذا خرجوا من سجونهم فى بداية السبعينيات بدءوا فى الالتقاء بالشعب.. فنشطت الفكرة، ونمت، وترعرعت، وصارت أكبر مما كانت، وأوسع انتشارًا مما كانت.. لقد تخطت القطر، وصارت موجودة فى أكثر من سبعين قطرًا، بأسماء أخرى، لكنها الفكرة نفسها، المؤسس واحد هو حسن البنا، والمعتقدات واحدة، والتصورات واحدة، والعاطفة هى العاطفة. إن الدماء التى أريقت فى سبيل نشر هذه الدعوة، وإن المعذبين من أبناء الجماعة من يوم نشأتها حتى اليوم، وإن التضحيات الغالية التى قدمها المنتمون لهذه الحركة -على مدى تاريخها- هى التى جعلت العقيدة الإسلامية راسخة فى قلوب المسلمين، وهى التى وحدت المشاعر وقوَّت الرابطة الإسلامية، ووجهت الأنظار إلى أعداء الأمة الحقيقيين، وهى التى أفرزت من الأمة عناصر قوية فتية مجاهدة، قادرة على دحر المعتدين وجلد الظالمين.. وإن جماعة بهذا التاريخ وهذا الحجم وهذا التأثير لا بد لها من أعداء، على قدر هذا الحجم وهذا التأثير، وهؤلاء الأعداء يعادون -فى حقيقة الأمر- الإسلام الصحيح كما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يدركون أن هذا خطر عليهم وعلى مصالحهم.. وأى خطر.. وإن الذين يعارضون الإسلام هم المتأثرون بالأفكار الغربية، الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، والذين لم يمارسوا شعائر دينهم ولم يدرسوا شرائعه.. وهناك الذين يعتنقون الفلسفات الهدامة والأفكار الشخصانية، من العلمانيين وغيرهم، وهناك الملحدون الذين يعدّون الدين خرافة.. وأخيرًا أعداء الدين من اليهود وأصحاب الديانات المحرفة الذىن يعتبرون الإسلام عدوهم اللدود.. هؤلاء جميعًا، كانوا -ولا يزالون- يشنون حربهم على الإخوان، حتى صار الإخوان عدوًّا مشتركًا، فأينما وُجدت الجماعة وُجدت الأَسِنَّةُ مشرعة فى وجوه أبنائها!!