تتعالى بعض الأصوات النشاز من هنا وهناك بدعوات غير قانونية أو دستورية أو شعبية بالمطالبة بإسقاط الرئيس المنتخب لأسباب واهية ومختلقة ومعبرة عن مجموعة أمراض مزمنة تعانى منها بعض التيارات المسماة بالسياسية زورا وبهتانا. إذ كيف يستقيم أن تدعو لانقلاب على الديمقراطية لمجرد اختلاف فى وجهات نظر أو أداء مختلف عليه أو رؤى وأطروحات أو فى طريقة التعامل مع حدث ما. فكيف لمن يلقب نفسه بالسياسى والشعبى أن يدعو للخروج على الشرعية كلما اختلف مع المنتخب؟! وكيف له أن يحاول إما فرض رأيه أو يشيع الفوضى هنا وهناك؟! إن محاولة البعض الانقلاب على الشرعية والديمقراطية وفرض الرأى وإشاعة الفوضى هى محاولات يائسة بائسة بعد فشلهم الذريع فى الاحتكام للإرادة الشعبية ونيل ثقتها، وأصبحوا بكل أسف أداة فى يد بقايا نظام وأرامل مبارك يحركونهم ويوظفونهم وهم يشعرون أو لا يشعرون. إن هذا النمط الفاسد والطائش من المعارضة إذا جاز لنا أن نسميها معارضة هو الفشل بعينه؛ لأنهم يحاولون إجهاض العملية الديمقراطية وينقلبون على الشرعية وعلى الرئيس المنتخب باستخدام سيناريو متكرر وفاشل وعاجز باستخدام بعض وسائل الإعلام مدفوعة الأجر. والسؤال المهم هنا: أين الحكومة والدولة من هذه السوق المنعقدة لهدم الدولة وإشاعة الفوضى والدعوات الصريحة للعنف الذى بدأ بالفعل؟ أليس فى تلك الدعوات اعترافات صريحة بالدعوة لقلب نظام الحكم؟ وأليس فيها تهديد للأمن والسلم الاجتماعى؟ أليس فيها دعوات لتعطيل الدستور والقانون؟ أليس فيها دعوة للانقلاب على الشرعية؟ إذن فأين مؤسسات الدولة العديدة فى التصدى لكل تلك الخروقات القانونية؟ وأين هى من التصدى لتلك الدعوات الهدامة والفاسدة والتعامل معها بالقانون؟ وأين هم من حماية الوطن والمواطن من مثل تلك الدعوات الموتورة والمشبوهة والممولة؟ ولا بد أن نفرق هنا بين أمرين حتى لا يحدث خلط فى الأوراق أو مزايدات رخيصة؛ فليست هذه التساؤلات دعوة لتقييد الحريات أو الانقلاب على القيم والمثل التى قمنا بالثورة من أجلها، ولكنها لإعمال صحيح القانون لحماية البلاد والعباد من عبث العابثين والداعين للفوضى والعنف، خاصة أن تلك الدعوات جرم قانونى واضح وبيّن. وفى هذا فرق واضح بين التعبير عن الرأى والمعارضة البناءة وبين إشاعة الفوضى وقلب نظام الحكم المنتخب بإرادة حرة. إن المتصدرين لتلك الدعوات هم بعض بقايا النظام السابق والمنتفعين منه وبعض مدعى الليبرالية والديمقراطية والعلمانية والمدنية، وبعض معتنقى الشيوعية واليسارية والاشتراكية التى عفا عليها الزمن، وبعض الكارهين للمشروع الإسلامى، وبعض دعاة الطائفية البغيضة، بالإضافة لبعض الممولين من بعض الجهات الأجنبية المشبوهة لإشاعة الفوضى فى مصر الثورة حتى لا تستعيد مصر مكانتها ودورها. إن هذا التحالف المهترئ والمطلق للرصاص على كل دعوات الحوار المتحضر والراعى للعنف وأهله والمانح لهم الغطاء السياسى، هو من أدخل أذناب النظام السابق للحياة السياسية من جديد، وهو من أعطاهم قبلة الحياة وبعث فيهم آمال عودة نظام المخلوع من جديد. وهو من يحاول أن يمارس ديكتاتورية الأقلية وبفرض رأيه على الجميع، وهو ما لن يسمح به المخلصون من أبناء مصر على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم. إن الواهمين بأن باستطاعتهم إسقاط رئيس منتخب وله ظهير شعبى واسع بمجرد حشد هنا أو حملة إعلامية هناك، هم عابثون لا يجيدون قراءة التاريخ وموازين القوى الشعبية الحقيقية، وأعماهم غضبهم عن مواد القانون والدستور والإرادة الشعبية الحقيقية. إن على هؤلاء المتوهمين ضرورة إدراك إرادة الشعوب وحقيقة قواهم الواقعية والقبول بقواعد الديمقراطية وتداول السلطة واحترام الدستور والقانون وإعلاء الإرادة الشعبية وتعظيمها والنزول عليها وعدم الالتفاف أو التحايل عليها. إن الشعب لن يقبل بأن يكون هناك أحد فوق إرادته أو وصيا عليه أو متحدثا باسمه وهو لم يختره ولم ينتخبه ولم يعطه ثقته مرات عدة، ولن يقبل أبدا بمن يسفّه إرادته أو لا يحترمها. فالشعب أوعى بكثير من هؤلاء الرافضين للاحتكام له ولإرادته والمتاجرين بدماء الشهداء والباحثين عن إعادة إنتاج النظام السابق. ومن عجب أن يطالب البعض بعدم نزول مؤيدى الرئيس للشارع حتى لا يحدث صدام، وكأن الشارع أصبح ملك من يسبق فى النزول أو حكرا على فئات معارضة، فهل من المنطق والمعقول أن يدعو البعض لإسقاط الرئيس المنتخب بكل الوسائل لأغراض فى نفوسهم وفى الوقت ذاته يلزم بقية أفراد الشعب من مؤيدى الرئيس أو الرافضين لحجج تلك الجماعات بأن يلزموا بيوتهم ويجلسوا فى مقاعد المتفرجين حتى ينهوا مهمتهم وينقلبوا على الشرعية ويهدروا الإرادة الشعبية. إن فى تبنى تلك الجهات للعنف والتهديد به والسماح به استدعاء للتجارب الجزائرية واللبنانية فى أسوأ صورها، وهو المشهد الغريب على الساحة المصرية، وهو ما لن يسمح به أى مخلص غيور على بلده ووطنه. إن الشعب المصرى، وفى القلب منه قواه الحية، لن يسمح بمحاولة الانقلاب على الشرعية وإهدار الإرادة الشعبية، ويخطئ من يظن أن الرئيس سيقف وحيدا فى مواجهة تلك المحاولات الفاشلة، وعلى الباغى تدور الدوائر. كما أن الحكومة مطالبة باستعادة الهيبة وتطبيق القانون وحماية الشرعية والديمقراطية، كذلك حماية حق المعارضة السلمية فى التعبير عن رأيها بعيدا عن العنف وجميع أدواته. فالاختلاف فى الرأى ووجهات النظر يجب أن يكون من أجل البناء لا الهدم، وأن يكون بالتعبير السلمى لا بالعنف واستخدام الرصاص والخرطوش والمولوتوف. إن على قوى المعارضة الوطنية التبرؤ من الممارسات التخريبية التى يستغلها فلول الثورة المضادة لإجهاض ثورة يناير المجيدة؛ بعدما لبس بعضهم مسوح الثوار وزايدوا على الثوار الحقيقيين بسبب الغطاء السياسى الممنوح لهم من بعض تلك القوى. إن مصر تحتاج منا للتوحد لإعادة البناء واستعادة الأمجاد وليس للانقلاب على الشرعية وإهدار الإرادة الشعبية، وتحتاج منا لمزيد من الجهد والعطاء وإنكار الذات وليس للبحث عن مجد وهمى وزعامة مزيفة. حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.