قام أتاتورك بمعاونة من شياطين العالم، خاصة الصهاينة، بسلخ تركيا عن دينها وتاريخها وحضارتها وقيادتها سنة 1923م، حتى وصلت إلى مستنقع اقتصادى دنىء جعلها تستجدى وتستدين من دول العالم، وتعيش عالة على القروض والمساعدات، فاستلمها أردوغان وعليها 23 مليارا من الدولارات، ودخْل الفرد لم يزد فى العام عن ثلاثة آلاف دولار، فصعد بها أردوغان لكى تكون الدولة الثامنة فى العالم اقتصاديا، وتتخلص تماما من ديونها المرهقة المذلة، فالدَّين هَمّ فى الليل وذل فى النهار، وجعلها فى الصدارة –الثامنة- من دول العالم اقتصاديا، حيث زاد الرصيد الاحتياطى فى البنك المركزى على 130 مليارا، بعد أن كان 27 مليارا فقط عام 2002م، ووصل دخل الفرد فى المتوسط إلى أحد عشر ألف دولار، وانتقل حجم التجارة من 250 مليارا سنة 2002م إلى 900 مليار دولار الآن؛ فى مشوار من الإرادة والتحدى والعمل الدءوب من أجل تركيا المسلمة، لقد أنهى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية التى رفض قائدها السلطان عبد الحميد وعد "بلفور" وضغوط الصهاينة أن يسمح بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، قائلا: "إن أرض فلسطين أرض وقف لا يجوز لأحد أن يتنازل عن شبر منها"، فلما هُدد قال: "لن أتنازل عن شبر من أرض فلسطين حتى لو خسرت كرسى الخلافة وقُطعت إربا"، واستُعمل أتاتورك لهدم الخلافة، وتحطيم التاريخ، وتحول المسار من الحضارة الإسلامة إلى الحضارة الطورانية، ومن عبادة الله إلى عبادة الدب الأبيض، ومن ساحات المساجد إلى خانات الخمور، فسعى إلى تغيير الشكل والمضمون لتركيا، حيث مَنع الأذان والقرآن والسنة والمدارس الدينية وألغى المحاكم الشرعية، ومَنع لبس الطربوش والعمامة، وروَّج للباس الغربى، وألغى الألقاب الدينية، وتبنى التقويم الدولى، وكتب قوانين مستوحاة من الدستور السويسرى، وفى عام 1928م ألغى استخدام الحرف العربى فى الكتابة، وأمر باستخدام الحرف اللاتينى، فى محاولة لقطع ارتباط تركيا بالشرق والعالم الإسلامى، وقد سار فى هذا المشوار من الضلال إلى الدرجة التى سمعت فيها أذناى ورأت عيناى لأول مرة رجب الطيب أردوغان فى سنة 1992م فى مدينة إسطنبول وكان يومئذ يسعى إلى أن يكون عمدة إسطنبول، حيث قال الطيب أردوغان: "عندما نصل إلى الحكم لن نطبق الشريعة الإسلامية"، فأثار اندهاش كل الحاضرين فى المؤتمر، وكانت الإجابة أكثر اندهاشا، وأوسع نظرا، وأعمق حكمة، حيث قال يومها: "إن النظام العلمانى قد خلف فى إسطنبول وحدها 300 ألف امرأة مسلمة عندها ترخيص رسمى من الحكومة بممارسة الدعارة والزنا، ولها ملف فى هيئة الضرائب"، لقد قال: "لقد أعددنا عددا كبيرا من الداعيات المسلمات لإقناعهن بترك الرذيلة، وأقنعنا رجال الأعمال بقبولهن فى الوظائف حتى لا يضطرهن الفقر إلى الزنا"، وألقى قنبلة أخرى فقال: عندما قام حزبنا بدأنا باستبيان على مُصلِّى الجمعة وليس لمرتادى الفنادق: "هل تريدون إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية فى تركيا؟"، فكانت الإجابة من مصلى الجمعة بنسبة 95%: "لا نريد تطبيق الشريعة" بسبب التشويه الإعلامى والتعليمى لتاريخ وأصالة تركيا الإسلامية، يقول: "عندما نحكم سنجعل الناس يطالبوننا بتطبيق الشريعة، ولن نفرضها عليهم"، لقد صار فى تركيا على منهج أتاتورك أن مَن تتجرد ثيابها وعفتها مكرمة، ومن تتشبث بحجابها وعفتها مجرمة، فسجنت وفصلت طالبات ومدرسات من المدارس والجامعات فقط لارتداء الحجاب، حتى جاء أردوغان يناقش الأمر من باب الحرية الشخصية، فعاد الشعب التركى فيما يزيد عن 65% الآن إلى الحجاب، ونظفت المدن التركية من كثير من هذا العهر الذى أدخلته علمانية أتاتورك، ومحته إسلامية أردوغان وحزبه، لقد زرت تركيا أكثر من عشرين مرة، وكانت فى ظل علمنة أتاتورك قذرة بالقمامة التى تفاجئك أحجامها فى أفخم الأماكن السياحية، فضلا عن غيرها، وكانت المياه والكهرباء تنقطع فى أفخم الفنادق فضلا عن البيوتات، ولم يكن أحد يجرؤ فى ظل النظام العسكرى الأتاتوركى أن ينبس ببنت شفة، ولا أن يتكلم بكلمة، على حين إذا أراد أردوغان أن يستعيد ما هدمه أتاتورك من معالم إسلامية ومساجد ربانية، فإذا بفلول العلمانيين وأصابع الصهيوأمريكان بنفس الأسلوب الذى يحركون به أذنابهم ضد الثورات العربية فيجمعون الناس، ولا حرج فى المظاهرات السلمية، لكن إذا لبس بعضهم الأقنعة تماما مثل "بلاك بلوك" والبلطجية فى مصر، والشبيحة فى سوريا، والبلاطجة فى اليمن، والعصابات المسلحة فى ليبيا وتونس، فلا بد من القوة فى مواجهة إرهابهم لا مظاهراتهم، ولا توجد دولة فى العالم ترى الحناجر قد تحولت إلى خناجر، والكلمات إلى رصاصات، والزئير إلى النيران والنفير، ثم تقف تتفرج على الخراب والدمار والقتل والإرهاب، إنه مصنع واحد من عدو لدود يسعى إلى تفخيخ المجتمعات إذا فكرت أن يكون الإسلام هو النظام العام، وهؤلاء يتناسون أنه من يغالب الله يُغلب، وأن الله تعالى كما قال سبحانه: "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (يوسف: من الآية21)، وأنه تعالى كما قال: "اللَّهُ وَلِى الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 257)، أما الذين يخافون ويشيعون الذعر والخوف من أسلمة تركيا –عودة إلى الأصل– فأقول ما قاله تعالى: "إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران: 175)، وقد ازداد يقينى بأن تركيا سوف تكون مع مصر عملاقين فى قيادة الأمة الإسلامية بعد الزيارة التى تمت إلى أنقرة واسطنبول منذ عشرة أيام بدعوة من نائب رئيس الوزراء التركى أ. بكير دوزداغ، والمدير العام للمديرية العامة للمؤسسات الوقفية أ.د. محمد أكوس، ود. سيردار كام، رئيس الوكالة التركية للتعاون والتنسيق التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وزرنا مؤسسة وقف الخيرات، والمؤسسة التى أدارت قافلة الحرية "مرمرة"، والمعهد الثقافى للتاريخ والفنون، ومكتبات ومؤسسات تحقيق المخطوطات وبعض الجامعات، ووجدت أكبر إنجاز حصل فى تركيا ليس فقط فى البنيان وإنما فى الإنسان، حيث وجدت شبابا يقودون الدولة ومؤسساتها الكبرى بقلوب امتلأت بالإيمان بالله، واليقين بنصر الله، والعزم على نفع عباد الله، فى تركيا وفى أكثر من 200 دولة فى العالم تمتد المشاريع الوقفية الإسلامية الإغاثية ليس للمسلمين فقط، وإنما للمحتاجين فى العالم من أى لون أو دين أو جنس، فى نظام دقيق، وفكر عميق، وإرادة قوية، وإدارة سوية، وانطلاقة فتية نحو بناء تركيا الإسلامية، ومد اليد لكل إنسان فى العالم بأنوار الهداية الربانية، والحضارة الإسلامية، فأيقنت بأن هؤلاء الرجال والشباب سوف يقودون العالم، ومن هنا نفهم سر التحريش والتحريك للمخربين كى يعطلوا المسار الإسلامى الحضارى فى مواجهة المسار الأتاتوركى العلمانى. وفى الأخير أقول: إن الصخرة التى تعترض طريقنا لا تعيقنا، بل نصعد عليها إلى الأرقى بإذن الله تعالى. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200). www.salahsoltan.com