قبل 25 يناير كان الصراع كله على السلطة بين النظام والإخوان، ولم يكن صراعًا على هوية مصر الإسلاميَّة، أمَّا الصراع الأيديولوجى الذى قاده العلمانيون منذ أوائل العشرينيَّات من القرن الماضى كان صراعا على هوية مصر مع الإسلاميين وليس الإخوان وحدهم بقيادة الشيخ حسن البنا رحمه اللهُ. وقد جاهد الإخوان ظلم الحكام، فدفعوا الغالى من حياة رجالهم طوال أكثر من ستين عامًا فى غياهب السجون والمعتقلات، حيث التعذيب الممنهج، وهدر آدمية وكرامة كل مصرى يقول: لا للظلم. ارجع إلى تاريخ حقبة ناصر (الستينيَّات وما أدراك ما الستينيَّات؟!). ولكن ماذا حدث بعد ثورة يناير على الظلم؟ بعد أن نال المصريون حريتهم كاملة بعد غياب ستين عامًا؟ يقود أعداء الثورة قلة مارقة تأخذ ثمن تطاولها على شخص الرئيس، ومن قبله كان التطاول على رجال المجلس العسكرى الحاكم فى أثناء الفترة الانتقالية، ولم يكن أحد من قبل يجرؤ على إهانة كلب الرئيس (لو كان عنده كلب). ما علينا.. عودة لموقف الدولة الرسمى من هوية مصر الإسلامية: منذ العهد الملكى وما بعد 1952 وحتَّى قيام ثورة 25 يناير لم تتدخَّل الدولة ولم تكن طرفًا فى هذا الصراع الفكرى، وكان قادتها والقائمون على النظام بها يعتبرون هوية الوطن خطًّا أحمرَ لا يمكن الاقتراب منه خلال سنوات حكم ناصر والسادات ومبارك، وكان النظام على يقين بأنَّ إيمان هذا البلد وعقيدته وهويته مصونة؛ حيث رسخ ذلك من خلال عقد اجتماعى منصوص عليه فى كل دساتير مصر منذ عام 1923: المادة الثانية من الدستور المصرى كما عدَّلها الرئيس السادات -رحمه الله- فى دستور 1980، الرجل الذى أطلق عليه الشعب المصرى (الرئيس المؤمن). المادة الثانية (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع). دستور 1971 المعدل 1980، والإعلان الدستورى بعد ثوره يناير واستفتاء مارس 2011، وأخيرًا دستور ثورة يناير الذى أقره الشعب بالأغلبية الساحقة، هذه المادة التى أثير حولها جدل واسع أوائل عام 2007 فى عهد الرئيس مبارك، حتَّى أعلن البعض من العلمانيين والمرجفين فى البلاد أنَّه سيقاتل حتَّى ترفع المادة الثانية من الدستور المصرى؛ بحجَّةٍ واهيةٍ أنَّها ضد المواطنة، وساعتها تقدمت جبهة العلمانيين تطالب الرئيس مبارك بتعديل المادة الثانية، فى بيان أصدره مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وقَّعَ عليه نخبةٌ من صفوة المجتمع ومثقفيه.. هكذا جاء الخبر بجريدة الوفد الصادرة بتاريخ 7/3/2007، فمن أراد أن يتعرَّف على أسماء هؤلاء الموقعين على البيان بالاسم، يرجع لهذا العدد من الجريدة؟! ولأننا ننسى الماضى فى مصر، فقد تقلَّد نفرٌ من هؤلاء النخبة العلمانية منصبًا وزاريًّا رفيعًا بعد ثورة 25 يناير! ومنهم الآن من انضمَّ إلى جبهة الإغراق الوطنى، وأمام تلك الحملة الشرسة على المادة الثانية تقدَّم عضوان بارزان فى نظام مبارك، تحديدًا الدكتور مصطفى الفقى رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب آنذاك، والدكتور محمد كمال الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، المتحدث الرسمى للجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل، التى كان يرأسها جمال مبارك نجل الرئيس السابق، وكان دورهما الإعلان عن الموقف الرسمى للدولة ضد دعاوى العلمانية والمرجفين فى البلاد؛ وهو الرفض الصريح لمحاولات هؤلاء فى النيل من المادة الثانية. ولكن ماذا حدث بعد 25 يناير عندما جاء الشعب بالنظام الجديد من خلال شرعية صندوق الانتخابات، بطبيعة الحال لم يجرؤ العلمانيون والمرجفون فى البلاد والذين قادوا الهجوم على المادة الثانية عام 2007 على الإعلان صراحةً عن نيَّاتهم وطلباتهم كما حدث أيَّام مبارك! فالشعب كله قد أعلن تمسكه بالمادة الثانية فى استفتاء مارس، فكان التفافهم حول الهدف، فبدلًا من إعلان رفضهم المادة الثانية صراحة أعلنوا رفضهم لنظام الحكم الجديد كله!. - نرفض الدولة الدينية التى يسعى إليها الإخوان. - نرفض أخونة الدولة ودولة المرشد. ولسان حالهم يقول: إسلام الدولة أو الحفاظ على هوية مصر الإسلامية ممنوع!! فانتبهوا أيَّها المصريون: إنَّه صراعٌ على هوية هذا البلد جعلوه فى شكل صراع سياسى؛ حتَّى يتمَّ تضليلُ الناس عن الهدف الحقيقى لهم ولأتباعهم فى جبهة الإغراق الوطنى انتبهوا!! ويجب أن نذكر هنا تفاعل شيوخنا الأفاضل معبرين عن موقفهم وموقف الأزهر الشريف المناهض للعلمانية والعلمانيين فى مصر فى التوقيت نفسه، فقد جاء فى صحيفة الأهرام بتاريخ 4/2/2007: فضيلة مفتى الديار المصرية الأسبق الشيخ الإمام نصر فريد واصل (لا يمكن فى ظل الفصل بين الدين والدنيا وبين الدين والدولة، أن يتحقَّقَ الأمن والسلام الاجتماعى، ولا عمارة الأرض، ودوام الاستخلاف فيه للإنسان على الوجه الأكمل؛ لأنَّ الدين مع الدنيا كالروح مع الجسد). وتمر السنون الطوال.. وفى عام 2012م تمَّ اختيار فضيلة الشيخ نصر فريد واصل عضوًا فى اللجنة التأسيسية التى وضعت دستور 25 يناير أحسن وأعظم الدساتير فى تاريخ مصر الحديث. هكذا كان موقف الدولة الرسمى فى عهد ما قبل ثورة 25 يناير، ولكن ماذا حدث بعد الثورة؟ تصوَّر أعداء الثورة وأعداء مصر من المرجفين فى البلاد والعلمانيين، -وللأسف فقد استطاعوا استقطاب عدد كبير من الأحزاب فى المعارضة، وأطلقوا على أنفسهم جبهة الإنقاذ الوطنى، فأصبحت جبهة الإغراق الوطنى- تصوَّر هذا الجمع المشوَّه أن الباب انفتح على مصراعيه؛ لإسقاط الحكم الجديد، حالمين بأن ثورة مضادة لثورة 25 يناير يمكن أن تنجح، وكان أوَّل خطأ ارتكبوه هو تجاهل هوية 80 مليون مسلم يعيشون على أرض مصر الطاهرة، وأنَّ هؤلاء ال80 مليونا مستسلمون كالنعاج لمصير يحدده غيرهم لمستقبل مصر، وعندما فشلت كل محاولاتهم باتوا يحلمون بتدخل جيش مصر العظيم ورجال المجلس العسكرى الأفاضل للانقلاب على الشرعية. وإلى لقاء قريبٍ وكشف حساب جبهة الإغراق الوطنى.