ثارت مصر فى 25 يناير ولكن هؤلاء لم يفرِّقوا بين الانقلاب على الشرعية -من خلال أعمال شغب- وبين ثورة شعب حقيقية على الظلم!! الشعب يريد عقدًا اجتماعيًّا جديدًا، يحقِّقُ من خلاله حلمه فى الحرية.. الكرامة.. والعدالة الاجتماعية. إنَّه ينشد استقرار الأوضاع ليتغلَّب عَلى معوِّقَاتِ الحركةِ؛ حَتَّى يتمكَّنَ مِن تحقيق درجات انطلاقة فى كلِّ مجالات حياة الإنسان المصرى الَّذِى عانى طويلًا، ولكن هيهات!! جبهة الإغراق الوطنى يتمادون فى غيهم!! صفوة.. نخبة.. ليبرالى.. علمانى.. وهم على حالهم لم تحصِّنهم عقولهم أو تحول بينهم وبين وجودهم فى جبهة واحدة مع أعداء الثورة من الفلول والمرجفين فى البلاد والرويبضة، فكانوا غطاءً لأعمال الشغب مُدَّعين أنَّها معارضة سلميَّة!! مستخدمين إعلامًا فَاسدًا مُضلِّلًا مخترقًا؛ لإطلاق شعارات كَاذبةٍ من قبيل: (أخونة الدولة- دولة المرشد- الدولة الدينية- تسيس الدين- فصل الدين عن الدولة- العلمانية هى الحل) إلى آخر تلك الصيحات الهوجاء والتصريحات الخرقاء. أصبحت صُحفُهم -التى كانت تسمَّى حزبية لا نعلم بالضبط من وراء رؤساء تحريرها- صفحاتٍ من الكذب والافتراء والتضليل المتعمَّد، فهل رؤساء تلك الأحزاب ما زال لهم السيطرة على صحفهم، أم أنَّ التَّسيُّبَ قَدْ بَلغَ مَداه! ولم تعد تلك الصحف تمثِّل المواقف المتَّزنة لكثيرٍ من أحزاب الجبهة إيَّاها؟!! إعلام وصحف حزبية لا تقل شراسة عن الإعلام الغربى فى الهجوم على كلِّ ما يمتُّ للإسلام بصلة؛ حتَّى يمكن التَّأكيد على أنَّ الإسلاموفوبيا -عداء الإسلام- قد انتقل من خارج البلاد إلى داخلها متَّخذًا صورةً خَبيثةً هذه المرة: اختزال الإسلام فى جماعة الإخوان المسلمين، ثمَّ مهاجمة الجماعة ونظام الحكم الجديد معًا متصورين إمكانية إسقاط الشرعيَّة عنه!! فيسقط النِّظام والجماعة، وتسقط معهما حقيقة أنَّ الإسلام دين ودولة، عقيدة وشريعة، فهى هجمة أيديولوجية تأخذ هذا الشكل القبيح لأوَّل مرة فى تاريخ مصر القديم والحديث منذ صدعت مآذنها الله أكبر- لا إله إلا الله- محمد رسول الله- حسبنا الله ونعم الوكيل- فهل أنتم منتهون يا جبهة الإغراق؟ قبل 25 يناير الصراع كلُّه كان على السلطة بين النظام والإخوان، ولم يكن -أبدًا- صراعًا أيديولوجيًّا على هويَّة مصر الإسلامية، سأتناول ذلك فى المقال القادم إن شاء الله. وقد استمرَّ هذا الصراع على تلك الصورة منذ انقلاب يوليو 1952م، الذى شارك فيه الإخوان مع مجلس قيادة الثورة، ولكن بينما كان للإخوان مشروعٌ ديمقراطى تحرُّرى كان لعبد الناصر وزملائه فى مجلس القيادة مشروعٌ آخرُ (عسكرة النظام)، ذلك الاتجاه الذى رعته الولاياتالمتحدةالأمريكية وأشرفت على تنفيذه ال(CIA) فى منطقة الشرق الأوسط كلها بعد نجاح الغرب الأوروبى فى إسقاط دولة الخلافة الإسلامية فى تركيا. استطاع عبد الناصر وزملاؤه فى مارس 1954م إزاحة شركاءه فى الثورة، ثم التنكيل بجماعة الإخوان المسلمين، كلُّ ذلك كان صراعًا على السلطة ولم يكن أبدًا صراعًا أيديولوجيًّا على هوية مصر الإسلامية التى كانت هدف أمريكا وإسرائيل، وقد كان هذا الصراع فى حقيقته امتدادًا لصراع سياسى آخرَ قبل عام 1952م؛ بين النظام الملكى والإخوان، فمنذ نشأت فكرة حركة جماعة الإخوان المسلمين على يد الشيخ الشهيد (حسن البنا) رحمه الله كانت بداية هذا الصراع، فيمكن أن نتصوَّر أن بداية دعوة الشيخ البنا رحمه الله قامت بهدف محاربة العلمانية التى ظهرت فى مصر عقب سقوط تركيا، التى تحوَّلت إلى العلمانية بشكلها الغربى الفج على يد مصطفى كمال آتاتورك، لدرجة وصلت إلى منع الأذان بها، بل تم تغيير حروف الكتابة إلى الحروف الإنجليزيَّة، كان ذلك عام 1925م من القرن الماضى، ولكن دعوة الشيخ البنا -رحمه الله- تجاوزت مجرد مقاومة العلمانية وإحياء الحركة الإسلامية فى مصر، تجاوزتها إلى رحاب أعظم وآفاق أوسع وأشمل أرادها الله -سبحانه وتعالى- لشعب مصر المؤمن، أكثر الشعوب حبًّا لآل بيت رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فهذا بلد فى رباط إلى يوم الدين، وأتت دعوة الشيخ البنا ثمارها التى كانت بمثابة التأكيد على أن الإسلام دين ودولة، عقيدة وشريعة؛ ذلك حتى يكون الحكم كله لله وحده -سبحان وتعالى-، وأن الحاكمية لله وحده سبحانه، وبطبيعة تطوُّر الأمور تحولت الدعوة إلى السياسة؛ حتى تتمكن من العمل على الأرض؛ لتحقيق أهدافها. بسم الله الرحمن الرحيم {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة النساء: 65]. وترسخت معانى تلك الآية الكريمة فى وجدان الإنسان المصرى ليس الإخوان وحدهم.. وقد كان ذلك مخالفًا لمطالب الحركة العلمانية فى مصر؛ خاصة منذ صدور كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق عام 1925م من القرن الماضى، ذلك الكتاب المثير للجدل الذى دعا فيه إلى فصل الدين عن الدولة، ولكن الأزهر الشريف أسقط تلك الدعوة، وصودر الكتاب، وتم فصل المؤلِّف الذى كان يعمل قاضيًا شرعيًّا آنذاك. ذلك وقبل نهاية هذا المقال نتكلَّم باختصار عن موضوع الجزء الثَّانى منه إن شاء الله تعالى. باختصار: بعد سقوط نظام مبارك والجمهورية الأولى كلها.. تصوَّر العلمانيون والمرجفون فى البلاد والرويبضة -وبعدم إدراك شديد وبغباء سياسى أشد- أن الباب قد فتح على مصرعيه؛ لإسقاط نظام الحكم الرَّشيد الذى اكتسب الشرعية من شعب مصر.. متصورين أن ثورة مضادة لثورة 25 يناير يمكن أن تنجح فى إسقاط حكم حزب "الحرية والعدالة"، الَّذِى فوَّضه الشعب وأعطاه الشرعيَّة من خلال صناديق انتخابات حرة.. ولأول مرة فى تاريخ مصر اختار الشعب نوَّابَه، ثم اختار رئيسه.. ولكن جبهة الإغراق الوطنى كان لها موقف آخرُ!! يدَّعون الديمقراطية!! يقولون ما لا يفعلون!! ولا احترام لإرادة الشعب!! فهل أنتم منتهون يا جبهة الإغراق؟