تحية من القلب للدكتور باسم عودة -وزير التموين- لشجاعته فى خوض معركة تطبيق منظومة الخبز الجديدة، التى تعتمد على تحرير صناعة القمح والدقيق والخبز بجميع حلقات التداول، بداية من المطاحن التى تتسلم القمح بالأسعار الحرة، وتتسلم المخابز الدقيق بالسعر الحر أيضا، وتتسلم شركات التوزيع والجهات المحلية الخبز من المخابز بالسعر الحر؛ وهو33 قرشًا للرغيف، وهو سعر التكلفة الحرة، ثم تبيعه للمواطنين من خلال منافذ التوزيع بالسعر المدعم وهو 5 قروش. وتتحمل الدولة فوارق الأسعار بين سعر التكلفة الحرة والسعر المدعم، وأن المواطن يستلم نصيبه من الخبز من خلال البطاقة التموينية الخاص بكل أسرة، التى تم استخراجها بالفعل وأصبحت لدى المواطنين، كما تم ربط المواطنين على المخابز فى معظم المحافظات، وأشار الوزير فى إحدى مؤتمراته إلى أن هذه البطاقات أو الكروت ستقضى على أى تلاعب بين مفتشى التموين وصاحب المخبز. ولعل الهدف الأكبر من وراء هذه المنظومة الجديدة للخبز هو -إلى جانب تحسين جودة الرغيف- أن يصل الدعم بالفعل إلى مستحقيه، والتخلص من ظاهرة تهريب الدقيق المدعم من قبل أصحاب المخابز، فهؤلاء كانوا هم الرابح الأول من الدعم وليس المواطن المسكين، إذ كانوا -فى معظمهم- يقومون بتهريب كمية كبيرة من الدقيق المدعم وبيعه فى السوق السوداء بصفة يومية، وينتجون الكمية المتبقية، بمواصفات لا تليق بآدمية الإنسان، ولذلك كان يتجه معظم الخبز المنتج إلى غذاء للدواجن والطيور والحيوانات فى القرى والمدن، بدلا من أن يكون غذاء للإنسان، الأمر الذى كان يتسبب فى إضاعة المليارات على الدولة، تذهب فى معظمها إلى أصحاب المخابز. وبالنظر إلى الأهداف المنشودة من وراء هذه المنظومة الجديدة للخبز، وبحكم معايشتى للواقع فى محافظتى القاهرة والشرقية وفى أماكن أخرى، أستطيع أن أجزم أن هذه المنظومة بالفعل قد نجحت فى تحسين جودة الرغيف، سواء من حيث الوزن أو بقية المواصفات الإنتاجية للرغيف. ولكن فيما يتعلق بالهدف الأساسى الذى من أجله تم التفكير فى تحرير سعر الدقيق، وهو القضاء على ظاهرة تهريب الدقيق المدعم من قبل أصحاب المخابز، بما يصل بالدعم إلى مستحقيه، فأعتقد أن هذا الهدف لم يتحقق بالقدر الذى كان مخططا له من قبل وزارة التموين. فالذى يحدث أن صاحب المخبز يقوم يوميا بإنتاج عدد الأرغفة التى تعادل نصيب الأسر المربوطة على مخبزه، ويتسلم من الوزارة فارق السعر بين سعر التكلفة الحرة (33 قرشا) والسعر المدعم (خمسة قروش)، ثم يقوم بالبيع للمواطنين حسب حصتهم المسجلة فى بطاقاتهم التموينية، إذن أين تقع المشكلة؟ المشكلة أو الثغرة الكبيرة فى هذه المنظومة أن بعض الأسر يتكاسلون أو لا يرغبون فى الذهاب يوميا إلى الاصطفاف فى طوابير الصباح أمام المخابز، وكثير من المواطنين ليس لديهم وقت كاف لهذه الطوابير كل صباح، والبعض الآخر قد يستحيى أن يراه أحد وهو محشور وسط هذه الطوابير، كما أن هناك من الأسر الكثير، لا يوجد بها ما تعينه صحته العامة على الذهاب يوميا وخوض معركة الطوابير أمام المخابز.. إلخ. فتكون النتيجة أن صاحب المخبز يبيع كمية من إنتاجه اليومى بالسعر المدعم لحاملى البطاقات الذين ذهبوا إلى المخبز بالفعل، فى حين يتبقى لديه كمية أخرى من الخبز المدعم، لم يأت أصحابها لاستلام حصتهم اليومية من المخبز لظرف أو لآخر كما أوضحنا، فماذا يجب أن يفعله صاحب المخبز فى هذه الكمية المتبقية لديه وقد تقاضى فارق السعر الخاص بها من الوزارة؟ ما يحدث يا سعادة الوزير فى الواقع، وما رأيته بعينى فى مخابز قرى مركز مشتول السوق بالشرقية على سبيل المثال، أنّ من يقوم بالتوزيع هو صاحب المخبز، ويقوم بالبيع لمن يأتون إليه فى ساعات الصباح الباكر بالسعر المدعم وبعدد الأرغفة المسجلة فى بطاقاتهم، ثم يقوم ببيع ما تبقى لديه من خبز مدعم للمواطنين طيلة النهار من أهالى القرية بسعر (35 قرشا) للرغيف، وحجته فى ذلك أنه يبيع لمواطنين أخذوا حصتهم بالفعل المسجلة فى بطاقاتهم التموينية، سواء من مخبزه أو من مخبز آخر، أو لمواطنين ليس لديهم أصلا بطاقة تموينية. وبذلك يتقاضى صاحب المخبز فارق السعر بالنسبة للكمية المتبقية عنده مرة من الوزارة، ومرة أخرى مضافا إليها الخمسة قروش من المواطنين الذين يشترون الرغيف بخمسة وثلاثين قرشا. إذن هذه المنظومة حرمت أصحاب المخابز من سرقة الدعم من خلال أجولة الدقيق المهرب، وأتاحت لهم الفرصة كاملة لسرقة جيوب المواطنين ببيع كمية من الخبز ليست بالقليلة يوميا والمدعومة بسعر التكلفة الحرة مرة ثانية. فما الحل؟ وما الوسيلة للتخلص من هذه الكمية المتبقية بالضرورة يوميا من الخبز لدى أصحاب المخابز؟ الحل يتمثل لدىَّ فى ثلاثة مقترحات: أولها: يجب حساب المتوسط الحقيقى للخبز المباع بالفعل لدى كل مخبز بصفة يومية، ويكون الدعم لهذه الكمية المباعة فقط، بصرف النظر عن عدد الأسر المربوطة على كل مخبز، طبقا للبطاقات أو الكروت التموينية. ثانيها: أن يتم الفصل النهائى بين المخابز والموزعين، حيث لا يكون لصاحب المخبز أية صلة بعملية البيع، ويكون المخبز بمنزلة جهة إنتاجية فقط، تنتج الكمية المطلوبة والمربوطة على مخبزه، ويتولى منفذ التوزيع شراءها من صاحب المخبز بكوبونات أو إيصالات يصعب تزويرها أو الالتفاف عليها. مع إحكام الرقابة على الموزعين، حيث يحظر عليهم حظرا تاما البيع لأى مواطن بسعر أعلى من السعر المدعوم، وتحت أى ظرف أو سبب من الأسباب، ففى نهاية اليوم مثلا يمكن للموزع أن يبيع ما تبقى لديه للمواطنين أيا كانوا بالسعر المدعم، بصرف النظر عن البطاقات التموينية. ومع ذلك يجب على الوزارة فى هذه الحالة أيضا، أن يتم التفكير فى وسيلة للرقابة المحكمة على الموزعين بالنسبة لبيع وكيفية التصرف فى الكمية التى ستتبقى لديهم بالضرورة نتيجة للمتخلفين من أصحاب البطاقات. ثالثها: أن يتم توزيع الدعم على الأسر فى هيئة أموال سائلة، وهم أحرار يشترون الخبز أينما شاءوا وبسعر السوق، وبحسابها ستأخذ الأسرة التى لها خمسة أرغفة يوميا 45 جنيها فى الشهر، تصرف لهم مع التموين الشهرى، أو تخصم مما تدفعه الأسرة مقابل التموين. هذه هى الوسيلة المُثلى -من وجهة نظرى- لضمان وصول الدعم لمستحقيه، دون ضياع قرش واحد لصاحب مخبز أو صاحب منفذ للتوزيع.. فقد خربت الذمم لدى كثير من الناس يا سيادة الوزير، والله من وراء القصد.