تناولت فى مقال الأحد الماضى نموذجا للثائر الحقيقى "وائل غنيم"، حيث يتعين علينا أن نقول لمن أحسن: أحسنت، ونتوِّجه بأكاليل الغار، ويجب أن نشيد بشرفاء هذا الوطن ممن اتسم أداؤهم بمصداقية عالية فى الأداء السياسى أو الاجتماعى، ونأوا بأنفسهم عن مواطن الشبهات، وكان التجرد لمصالح الوطن العليا ديدنهم حتى ولو تعرضوا لسهام النقد السامة من إعلام الفلول، ووصمهم بكل نقيصة هم منها برآء، رغم خلاف بعضهم المعلن مع الرئيس والحكومة، ولا سيما فى هذه المرحلة الانتقالية المفصلية التى تكاثرت فيها المؤامرات، وتعاظمت فيها الشدائد، وأردد مع الإمام الشافعى رضى الله عنه مقولته الشهيرة مع تحوير بسيط: جزى الله الشدائد كل خير، عرفتنى "الثائر" من "المتثورئ" و"الأونطجى" و"الثورجى"! ولكن يتعين أيضا أن نقول لمن أساء: أسأت، فثمة لغط وضجيج وجدل عقيم وصوت عال يصرخ به "الناشط الفلانى" أو "الحقوقى العلانى" يملأ به ساحات الفضائيات ومواقع الإنترنت وصفحات الصحف والمؤتمرات الصحفية، ويصحبه أو يتبعه أو يهيم فى الشوارع وعلى الأرصفة وفى الميادين، يصرخ مع حناجر بضعة مئات أو حتى آلاف يبقون هائمين عالقين بميدان التحرير الذى يتسع عليهم فى أعقاب أى مظاهرة "مئوية" أو "ألفية" يزعمونها "مليونية"، تماما كمزاعم ملايين توقيعات حملة "تمرد" التى فشلت فى حشد بضع مئات من هذه الملايين المزعومة فى مظاهرتها قبل أسبوعين. كل هذا يلقى بظلال من الشك حول مواقف بعض الشباب المتثورئين المتشحين بقميص الثورة، الذين بدت على أغلب البارزين منهم فى اللدد والفجور والخصومة مظاهر ثراء لا تتناسب أبدا مع وضعهم الاجتماعى والتعليمى، بل إن منهم من لم يكمل تعليمه، ومنهم من لا يمتهن أو تمتهن مهنة، فمن أين لهم ولهن بامتلاك السيارات الفارهة والشقق الفاخرة والزواج وحفلاته فى فنادق الخمس نجوم، ومن يدفع لهم نفقات السفريات المتعددة والإقامة فى الخارج بالفنادق والمنتجعات لحضور ملتقيات ومنتديات وورش عمل مشبوهة؟ ما يؤشر إلى أن ركوب موجة الثورة أصبح "سبوبة" تدر معينا لا ينضب من الدولارات والشيكلات والدراهم والدينارات والريالات، وغيرها من العملات! فهناك مؤشرات مؤكدة أن ثمة أياد خارجية ومنظمات تمويل أجنبى وأجهزة مخابرات دولية تعبث فى البلاد، وتعمل جميعا تحت ستار تمكين الشباب ودعم المشاركة السياسية والتغيير الاجتماعى، وترسيخ مفهوم المواطنة والدولة المدنية، وتستخدم تلك العناصر الداخلية "المتثورئة" بشكل مباشر أو غير مباشر، وهؤلاء وأولئك لم ييأسوا بعد، ولا تزال تراودهم الأحلام الآثمة التى تختلف مراميها؛ نظرا لاختلاف الحالمين بها ما بين ليبراليين ويساريين وناصريين وشيوعيين وفلول. وهذه الشراذم رغم ما بينها من اختلافات جذرية عميقة، إلا أنها تجتمع على حلم خبيث واحد هو إسقاط الرئيس المنتخب وإنهاء الخيار الديمقراطى، ولو عبر دعوة المؤسسة العسكرية إلى التدخل، على الرغم من أنهم من ملأوا الدنيا ضجيجا وعويلا منذ شهور قليلة ضد تلك المؤسسة، وشيطنوا حينها أيضا "حكم العسكر"، ولما أفشل جيش مصر العظيم وقيادته الواعية هذا التحريض الآثم عبر تصريحات حاسمة، لم ييأسوا، وظلوا يبحثون عن مؤامرات جديدة تتوسل بشعارات زائفة تعصف بالوطن من خلال ال"بلاك بلوك" وال"بلاك ماسك" وأقنعة فانديتا والرايات السوداء. لقد اكتوى الشعب المصرى خلال الشهور الماضية بنيران حروب الإفك والشائعات والحروب النفسية، وتجاوز الكثيرين الخطوط الحمراء، واتساع دائرة إساءة الأدب السياسى والانفلات الأمنى، فى سلسلة متصلة وموجات كثيفة من بث الأخبار المدسوسة والدعايات السوداء والأكاذيب الموجهة التى يمور بها المجتمع، فى محاولة خبيثة لتزييف وعى الجماهير وإلهائها عما يحدث على أرض الواقع من "بعض" الإنجازات السياسية والاقتصادية، ولا شك أن هذه الثمار الحلوة، هى بطعم العلقم فى حلوق أعداء هذه الثورة المباركة المستهدفة من فلول نظام المخلوع من سياسيين انتهازيين ورجال أعمال فاسدين متحالفين مع أعداء الخارج من المحور الصهيوأمريكى الذى يتربص للحيلولة دون قطف الشعب المصرى لثمار مستحقة، ارتوت بدماء شهدائه ومصابيه. ودون خجل أو حياء فى إعلام يرفع شعار "اللى اختشوا ماتوا"، يصدر لنا "كائنات ثورية!" تحت مسميات عديدة يطلقها حواة الفضائيات، مثل: الناشط السياسى، والناشط الحقوقى، والثائر، والمتظاهر، وقد تحول كل منهم إلى "رامبو" منقذ للثورة فى صحف وفضائيات العار التى وصفت منذ عدة أيام كائنا من تلك الكائنات الطفيلية اسمه "إسلام مولوتوف"، أى متخصص فى إلقاء المولوتوف وإشعال الحرائق والإصابات بأنه "ناشط سياسى".. فكيف يكون هذا المخرب باسم شهرته الذى يدل على أفعاله الإجرامية ناشطا سياسيا، وزيادة فى الحبكة الدرامية ونسج خيوط البطولة من حوله يشاع أنه قتل حتى يوصف بكونه شهيدا.. إنه حقا وصدقا إعلام تزييف المصطلحات!