[email protected] فى أعقاب أى ثورة أو تحول سياسى عميق فى دولة ما، من الطبيعى أن تصحبها إعادة للحسابات والتوازنات فى المواقف والاتجاهات من قبل الأحزاب والتيارات والأشخاص للتعامل مع هذا الواقع الثورى الجديد، وسأعقد فى هذا المقال، والذى يليه إن شاء الله، مقارنة بين نموذجين يمثلان "الثائر الحقيقى" و"المتثورئ الحقوقى"، وكلا النموذجين لا ينتمى إلى الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة أو التيار الإسلامى بشكل عام، بل هما على يسار هذا التيار فى مواقفهما المعلنة، ويعارضان الرئاسة والحكومة، ولكن تظل هناك مساحة واسعة بين كل منهما فى ممارسة هذا الخلاف وإدارته والأهم فى الغاية منه. ومن السهل على أى باحث مدقق التمييز بين "الثوار" و"التجار"، بين من يثور، ومن يتاجر؛ بحيث يمكن فرز الثائر الحقيقى الذى يعمل من خلال أقواله وأفعاله على التغيير للأفضل والسعى دون ضجيج مفتعل أو غرض شخصى إلى تحقيق قيم الحرية والديمقراطية والعدالة وخدمة المجتمع، ولا يمنعه خلافه الأيديولوجى والفكرى مع من جاءت بهم صناديق الاقتراع عن دعم أى مشروع لهم يخدم الوطن، ويصب فى مصلحة المواطنين، مع استمراره فى رفض ونقد ما قد يراه من خطأ فى السياسات والممارسات. وهذا المعنى يصدق على فئة يمثلها الثائر الحقيقى "وائل غنيم"، فهذا الشاب هو أحد صانعى الثورة الحقيقيين، وهو لا يسعى أبدا لإبراز تلك الحقيقة بل ينكر ذاته ولا يضخمها، ولم ينصب نفسه زعيما رغم أنه بذلك جدير، بل اختار منذ البداية أن يبتعد عن المهاترات والمناكفات والمكايدات الحزبية الضيقة، وأن يعبر عن رأيه وخلافه مع توجهات الدولة بعد الثورة فى عهد المجلس العسكرى وفى عهد الرئيس مرسى بأسلوب موضوعى متزن رصين، ويعمل فى صمت لإحداث التغيير المنشود إلى الأفضل، فلم يكتف بالقول، بل صدقه بالعمل، وهذا هو الثورى الحقيقى والمؤمن الحق بالثورة. لقد أثبت وائل غنيم من خلال مواقف متجردة عديدة أنه لا يسعى إلى مغنم أو غرض شخصى، ولا يتشدق بالإصلاح عبر ممارسة الإفساد والعناد والشقاق والنفاق، ولم يعرف عنه فى نقده ومعارضته تطاول وإساءة للأدب واستغلال غير أخلاقى لحرية الرأى والتعبير، فإن غضب من بعض سياسات الرئيس والحكومة، فلا ينفس عن هذا الغضب بحقد إعلامى أسود وشطط فضائى حاقد وادعاء مزيف للبطولة، بل يحول هذا الغضب إلى عمل وإنتاج، وهو ما عبر عنه بقوله: "حوّل غضبك لعمل على الأرض، لإصلاح ما أفسده النظام السابق عبر عشرات السنين، وتفاءل؛ فنحن نكتب التاريخ". ولم يكتف وائل غنيم برفع شعاره "تفاءلوا واعملوا"، بل حوّله إلى عمل وفعل إلى الأرض، من خلال مشروعه الجاد "أكاديمية التحرير" الذى يستهدف تنمية العملية التعليمية فى جميع المراحل الدراسية حتى الجامعية، وهى مؤسسة تعليمية تطوعية لا تهدف إلى الربح، وتسعى لتكون نسخة عربية من "أكاديمية سلمان خان العالمية" التى أثبتت نجاحا باهرا فى الولاياتالمتحدة فى المجال التعليمى، عن طريق تنفيذ آلاف الفيديوهات التعليمية فى مختلف العلوم الأساسية لمساعدة الطلبة على فهم المواد الدراسية التطبيقية مثل الرياضيات والكيمياء والأحياء والجغرافيا واللغات، وتعددت سفريات وائل غنيم الخارجية على نفقته الخاصة، ليس لمراكز حقوق الإنسان الدولية المشبوهة، ومنظمات التمويل الأجنبى، ولكن بهدف دعم مشروعه التعليمى الرائع بالأفكار والخبرات. وأدعو وزراء التربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى والشئون الاجتماعية والشباب إلى المبادرة بدعم مشروع وائل غنيم التعليمى، وعدم انتظار أن يتقدم هو بطلب الدعم لمشروعه الخدمى؛ لأنه لن يفعل، وإذا قام الوزراء بذلك، ودعم حزب الحرية والعدالة هذا المشروع، فسيكون هذا "برهانا عمليا" على أنهم يحملون الخير لمصر ولكل مصرى، وأنهم يطبقون الهدى النبوى: "الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها".. والله المستعان.