رغم بعد المسافة ودون أن ألقاه، أكاد أراه مكدودا مثقلا بجبال من الهموم. أشعر أن ما يحاك ضده أكبر من طاقة البشر. أشفق عليه وأسأل نفسى: هل يوجد على وجه البسيطة من يتحمل ما يتحمله؟ وأجيب: لا أظن؛ فالعالم لم يعرف مثل ما حدث ويحدث فى مصر، لا قبل الثورة ولا بعدها. هل تتخيلون حجم أعبائه الثقيلة؟ الرئيس يجتهد ليستكمل بناء المؤسسات الديمقراطية التى تشاركه أعباء المسئولية، فإذا بالبعض يستعينون "بالأعداء" لإجهاض استكمال تلك المؤسسات. أعرف أن الرئيس يحاسب نفسه قبيل أن يخلد كل ليلة إلى سويعات نوم قليلة، وهو لا شك يصيب ويخطئ ويستغفر. دينه وقرآنه وسنة نبيه علموه أن يتذكر ويُذَكِّر نفسه بلقاء الله، وأن يرفع كفيه إليه سبحانه متذللا خاشعا سائلا العون والتوفيق. لا أشك لحظة أنه يخلو إلى ربه فى ركعات بجوف الليل؛ فقد وقر فى يقينه أن لله من عباده المؤمنين من لو أقسم عليه لأبره. رأيته قبل نحو سنة يحاول إخفاء عبراته إشفاقا على نفسه، وكان قبل أن يؤم المصلين يرفع كفيه سائلا المولى عز وجل: "اللهم دبر لنا فإنا لا نحسن التدبير". أعلم جيدا أن ديدنه فى العمل واتخاذ القرارات هو الشورى والتشاور. وقد استن بسنة النبى -صلى الله عليه وسلم- فلم يلق بالًا لمن يسبونه ويخوضون فى شخصه وأسرته بالزور والبهتان. قبل نحو أسبوعين أوقعنى سوء حظى على قناة ظهر فيها مقدم برنامج يقول للمشاهدين: سيصحبنا بعد الفاصل فلان الفلانى المحامى لنتحدث عن السجين الهارب محمد مرسى. تذكرت أن المقدم نفسه كان قد سمح لنفسه قبل سنة أن يدعى كذبًا إصابة الدكتور محمد مرسى بالصرع. لم يعتذر ذلك الزميل البالغ الخامسة والستين عن كذبته حتى اليوم. ولم أستغرب منه وصف مرسى بالسجين الهارب، رغم علمه اليقينى أن هناك فرقًا بين كلمات المعتقل والسجين والمخطوف. لم يحدث قط أن مرسى حُكم عليه من أى محكمة بالسجن، ولم يكن هناك قرار رسمى باعتقاله، ومن ثم فلا يصح قانونًا اعتباره سجينًا. الرجل كان مخطوفًا مع آخرين من قبل أجهزة الأمن السيئة التابعة للمخلوع. عملية الخطف تمت خوفًا من دورهم المحتمل فى ثورة شعب مصر. اختطاف مرسى وإخوانه لم يكن له سند من نيابة أو حتى قرار اعتقال من المجرم المحكوم بسجنه حبيب العادلى. هل كان على مرسى وإخوانه أن يسجنوا أنفسهم بأنفسهم وأن يقبعوا فى السجن الذى فر حراسه ولم يعد لمن بداخله مصدر طعام ولا شراب يحفظ حياتهم؟ استفزتنى الجرأة على الحق والحقيقة فبادرت فورا بمهاتفة ومعاتبة زميلى مسئول القناة التى أذيع فيها هذا التدليس، وافقنى الرجل على أن ما قاله مقدم البرنامج هو قطعًا انتهاك لأبسط قواعد المهنية، وأقرنى الزميل أن ما قاله صاحبه لا يصح، وعلل ذلك بأن البرنامج ليس على الهواء، وأنه -أى مسئول القناة- لم يشاهد تسجيل تلك الحلقة قبل البث. ظل الحديث طوال الحلقة يكرر وصف الرئيس مرسى بالمسجون الهارب. المحامى لم يفرق -متعمدًا- بين مصطلح المخطوف والمعتقل والسجين. واستمر التدليس على المشاهدين بقول المحامى إن الاتصالات عبر الهواتف المحمولة فى ذلك اليوم كانت مقطوعة، وأن مرسى تحدث عبر هاتف الثريا. وهذا غير صحيح؛ لأن الاتصالات كانت قد عادت وكلنا كمصريين شهود على ذلك. كاتب هذه السطور شاهد على ملابسات تلك المكالمة مع مرسى على الهواء. وهناك أيضًا زملاء مصريون وعرب شهود عليها فى غرفة الأخبار بالقناة التى أذاعت المكالمة. المذيع الذى أدارها على الهواء تلقى من منتج المقابلات المخاصم للإخوان سؤالًا مشحونًا بالبغض السياسى؛ كان السؤال هو أن مرسى والمخطوفين فى سجن وادى النطرون هربوا من السجن. رد مرسى مؤكدًا أنهم لم يفروا ولم يهربوا لكنهم لما اكتشفوا غياب الحراس، لم يكن هناك بد من الاستغاثة بطرق أبواب الزنزانة بشدة لإنقاذ حياتهم من الموت عطشًا وجوعًا. وأضاف: "لقد بحثنا فور خروجنا عن جهة أمنية أو نيابة نسجل فيها ما جرى فلم نجد فى ظل انهيار وفوضى الداخلية وغيرها". العجيب أن مقدم ذلك البرنامج هو نفسه أحد قادة حملات الإفك والتفزيع ضد الإخوان قبل الثورة. يعاود صاحبنا أداء وظيفته السابقة ويبلغ مرحلة من الكيد السياسى تؤكد أن من وظفوه لا يزالون يمارسون دورهم السابق حتى اليوم. اللهم أفِضْ على الرئيس سكينةً ويقينًا بنصرك، فإنها إرادتك التى شاءت أن يبتلى بهذا المنصب وبمثل هؤلاء الخصوم. اللهم أرنا فيمن يتآمرون عليه، صراحة أو غفلةً، مع أعداء مصر آياتك وعجائب قدرتك. اللهم اجعل كيدهم فى نحورهم واجعل الدائرة تدور عليهم ورد اللهم مكرهم عليهم. اللهم تب على بقايا جند فرعون وهامان فى زماننا هذا. ((إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)).