المساجد.. بيوت الله فى الأرض، وهى أول مدرسة انطلقت منها تربية الصغار والشباب فى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكن يتفنن البعض الآن فى تنفير الأطفال من المسجد لعدم تحمل تصرفاتهم التى تحمل سذاجة الصغار، مما يؤدى إلى هروبهم من أماكن العبادة لتتلقاهم أياد عابثة تسعى إلى تدمير حياتهم ومستقبلهم. ومن منطلق إحساسهم بالمسئولية تجاه هؤلاء الصغار، انطلقت الحملة الشبابية (مسجدي جنة) من مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية؛ بهدف مواجهة هروب الصغار من المسجد والعودة بهم إلى ربوعه الطاهرة لتبنى لهم حياة أكثر إيجابية. قبول بين الناس يقول د. محمد جلال -طبيب امتياز بكلية طب الأسنان جامعة المنصورة وصاحب فكرة الحملة-: "الهدف الأساسى من الحملة هو تحبيب الأطفال فى المساجد، وعدم تنفيرهم منها كما يفعل الكثيرون من الشباب والشيوخ"، ويضيف: "الفكرة فى ذهنى منذ سنوات طويلة، ولكنى لم أعلنها على فيس بوك إلا من ثلاث سنوات فقط، خاصة لأننى أسكن بجوار إحدى الكنائس، وكنت أندهش من رؤية الأنشطة التى يقوم بها شباب الكنيسة للصغار يوميا، وبالفعل بدأنا فى أحد مساجد المنصورة ووجدت قبولا كبيرا لدى الناس". وكان المطلوب من المتطوعين -كما يوضح جلال- هو: "تحسين الطريقة التى يتعامل بها الشباب مع الأطفال، فليس من المهم أن يكون المتطوع حافظا للقرآن أو ملما بالعلوم الشرعية، ولكن يكفى أن يعرف كيف يبتسم بصدق فى وجوه الصغار، ويتعامل معهم كأخ أكبر يعرف مشاكلهم ويسعى فى حلها، ويتواصل مع أهل الطفل ويكون شخصا موثوقا فيه، والهدف الثانى من الحملة أن يحب الصغار الإسلام، ويحبون المسجد والصلاة، وليس على أن أحدد لهم طريقهم، أو أوجههم إلى جماعة بعينها، ولكنى أحببهم فى الدين". البداية من المسجد ويرى جلال أن المشكلة تكمن فى غياب الشباب عن العمل الدعوى منذ قيام الثورة بسبب انشغالهم الكامل بالنشاط السياسى، وإن كان لا غبار على ذلك لأنه يعتبر واجب الوقت، ولكن لا ينبغى تجاهل أو إهمال الواجبات الأخرى الأكثر أهمية، كتعليم الصغار الدين وتحبيبهم فى العبادة. ويشير إلى أن الهدف هو "أن ننطلق من المسجد، ولا يكون هناك فصل بينه كمكان للعبادة الظاهرية فقط، وبين الحياة خارجه، والمشكلة كانت أننا لسنا لدينا ملحقات ترفيهية أو تعليمية أو رياضية ملحقة بالمسجد حتى تجذب الصغار، فقمنا بالتواصل مع وزارة الأوقاف، وأبدى الوزير اهتماما كبيرا، وطلب مقابلة وفد من الشباب للتنسيق معهم، ونتمنى أن تنجح الفكرة فيرتبط الأولاد ماديا ونفسيا ومعنويا وروحيا بالمسجد". البرنامج الصيفى وتسعى الحملة لتحقيق هدفها -كما يضيف جلال- من خلال برنامج صيفى يشمل الجانب التربوى، ويعتمد على إعطاء الطفل المعلومات الصحيحة عن الفقه والعقيدة والعبادة وكافة أمور الدين، والجانب الإيمانى ويشمل التطبيق العملى لما عرفه من معلومات، فيتعلم الوضوء والصلاة بشكل صحيح، ويطبق ما حفظه أو تعلمه من القرآن والأحاديث، وجانب ترفيهى يحتوى على ألعاب مسلية للصغار مثل "البلاى ستيشن والبينج بونج والبلياردو والشطرنج وغيرها"، حتى يتجنب الصغار الوجود فى السايبر أو الشارع وغيرهما من أماكن قد يسمعون فيها ألفاظا ويرون تصرفات غير أخلاقية. ميدان التطوع ويؤكد جلال أن هذا العمل لا يمكن أن يتم بشكل فردى، ولا يعد حكرا على فصيل أو تيار بعينه، وقد تقدم بالفعل بطلبات إلى أحزاب وجماعات حتى ينفذوا الفكرة بشكل أكثر تنظيما واستمرارا، وميدان التطوع مفتوح للشباب من مختلف الانتماءات، والمهم أن تنجح الفكرة، وهى تربية نشء المسلمين عموما على أسس قوية وسليمة، مضيفا: "وجدت استجابة لم أكن أتخيلها فى أعداد الناس المتطوعة من كل القرى المجاورة، وأغلبهم شباب فى الجامعة من تيارات مختلفة". ويشرح جلال كيفية تنظيم العمل فى الحملة بشكل يضمن خلق علاقة وطيدة بين الشباب والأطفال؛ فكل شاب مسئول عن خمسة من الأطفال فى المرحلة الابتدائية، يخرج معهم فى نزهات ويذاكر معهم ويعرف مشاكلهم وينمى هواياتهم، وبدأت الفكرة بالأولاد وليس البنات، ولكن الآن هناك تفكير فى وجود متطوعات مسئولات عن مجموعات البنات، وبداية الحملة كانت شعبية إلى حد ما، ويشارك فيها من له علم ولو بسيط وقدرة على احتواء الصغار، ولكن بعد توسيع الفكرة يتم تشكيل مجموعات عمل ودورات تربوية وتفاعل مع الفكرة عدد كبير من الدعاة الشباب والكبار والعلماء والمفكرين. وفى المقابل لاقت الحملة إقبالا شديدا من الأطفال على مدار 3 مواسم صيفية فى الثلاث سنوات التى استمرت بها؛ ففى الدقهلية وصل العدد إلى 1000 طفل فى عدة مساجد متنوعة، و15 حافظا للقرآن سنويا. وعن سر نجاح الشباب فى هذا، يقول جلال: إنه التوازن بين الدراسة والتفوق والعمل والنجاح والدعوة، فالاجتهاد فى العمل الدعوى يؤثر بشكل كبير فى باقى مناحى الحياة، وهذا ما يحرص عليه شباب الحملة فى الاهتمام بمذاكرة الأطفال حتى يتفوقوا ولا يكونون حافظين للقرآن وفاشلين دراسيا، وحتى يكونوا متميزين فى كل شىء. مكانة المسجد وعن مكانة المسجد فى حياتنا وأهمية دور الشباب فى تحبيب الصغار فيه، يقول الداعية الشاب محمود القلعاوى: "ليس المقصد من المسجد نقش جدرانه بأفخر النقوش، وفرشه بأغلى السجاد، وتزيينه بأضخم القناديل، ليؤدى فيه الشيوخ وقليل من الشباب ركعات الفريضة ويمضوا مسرعين، ولو رأوا صغيرا وقف فى الصف أو أحدث ضجة صرخوا فيه وأخافوه وطردوه، ثم أقفلوا الأبواب فى وجهه بعد انتهاء الصلوات المفروضة". ويضيف القلعاوى: "المسجد لم يكن كذلك أبدا فى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم-، بل كان متواضع البناء لأقصى درجة، لكنه أدى دوره كما ينبغى واستوعب الصغير والكبير على السواء، ولننظر لنموذج أحد الأطفال الذين ربوا فى مسجد النبى -صلى الله عليه وسلم- وورد فى أحاديث كثيرة أنه كان يحمل أمامة بنت ابنته زينب -رضى الله عنها- وهو يصلى بالناس". ويؤكد الداعية أن المساجد تعد أفضل المؤسسات التربوية لتعليم الأطفال أمور دينهم، بل دنياهم، بأسلوب سهل وممتع، وبيئة المسجد من أفضل البيئات على الإطلاق لاحتواء الصغار؛ فهى مكان لحمايتهم والمحافظة عليهم من الوقوع بين براثن أصدقاء السوء. ودور الشباب من الأهمية بمكان حتى يرتبط الصغار بالمسجد بوسائل محببة ومتنوعة كما يشير القلعاوى، وحتى يكون مكانا جاذبا وليس طاردا لهم، خاصة مع تعدد وسائل اللعب والتسلية الأخرى التى تجذب الأطفال بشكل كبير، يقترح الداعية لذلك: حلقات تحفيظ القرآن، ومجالس العلم الميسرة التى تتناسب مع أعمارهم، وتكون بشكل قصصى مشوق وجديد، الاعتكاف ولو ليلة واحدة فهو له أثر طيب فى نفوس الصغار، الرحلات والمسابقات المتنوعة، وعروض الكمبيوتر الهادفة، ومن المهم أن تتنوع الأنشطة ما بين دينية واجتماعية وثقافية وعلمية وفنية ورياضية حتى ينشأ الطفل، وهو مكتمل الشخصية ويظل ارتباطه بالمسجد وثيقا وإيجابيا.