* الفتيات: تخلصنا من ضغوط العمل وضعف المرتب رغم مجهودها البدنى * خبراء نفسيون: الفتاة يجب أن تختار وظيفتها بما يحافظ عليها أينما توجد الموظفات وطالبات الجامعة ستجد بينهن فتيات تتنقل بين عربات مترو السيدات، وداخل الهيئات والمصالح الحكومية، تحمل حقائب ثقيلة طوال يوم العمل بداخلها بضائع تشتمل على كل ما تحتاج إليها بنات جنسها، فتارة تبيع ملابس، وأخرى تحمل كروت شحن، وثالثة تعرض أدوات مكتبية، ورابعة تحمل عطورا وإكسسوارات.. إنها "البائعة" أو "مندوبة المبيعات" التى اعتدنا رؤيتها كثيرا، لكنها هذه المرة تبدو من مظهرها وطريقة تقديمها لبضاعتها أنها تختلف عما سبق، فهى تحمل مؤهلا جامعيا، ويبدو عليها ارتفاع المستوى الاجتماعى، ولكنها أصرت على الخروج من دائرة البطالة بعدما أعياها البحث عن فرصة عمل، فطالما حلمت بيوم تخرجها الذى يتيح لها وظيفة مناسبة، لكنها صدمت بالواقع فاختارت عملا لا يتناسب مع طبيعتها كأنثى ولا يتناسب مع مؤهلها الدراسى، ولكنه يحقق لها دخلا مقبولا. تحكم صاحب العمل أنغام.. فتاة تبدو فى أوائل العشرينات من عمرها، وجدتها فى المترو تعرض الملابس على رواده، حيث اختارت أن تعمل كمندوبة مبيعات لشركة ملابس، وتقول: "بعد حصولى على الدبلوم عام 2006 اتجهت إلى العمل فى ورشة لزخرفة التحف يملكها صديق والدى، عملت بها حتى انتقلت إلى العمل بالإدارة، ولكنى تركت العمل بعد خمس سنوات، بعدها حاولت البحث عن وظيفة مناسبة، ورغم توافر بعض الوظائف بجانب العمل كمندوبة مبيعات إلا أننى فضلت العمل كمندوبة لأن الوظائف الأخرى المتاحة تحتاج لفترة عمل طويلة فى ظل مرتب ضعيف، بالإضافة إلى بعد الوظيفة عن السكن مما يستنزف المرتب كله فى المواصلات، لذا وجدت فى العمل كمندوبة لإحدى شركات الملابس الحل الأنسب لى". العمل من أجل الحاجة وعن متاعب العمل كمندوبة مبيعات تتابع أنغام قائلة: "كل مهنة لها مميزاتها وعيوبها؛ فالعمل كمندوبة مبيعات مرهق جدا بسبب الحركة طوال اليوم "اللف" وحمل البضائع وعرض المنتجات وإعادة ترتبيها، فضلا عن الفصال ولذا لا أستطيع العمل سوى يومين أو ثلاثة أيام فقط فى الأسبوع". لكنها تستكمل حديثها قائلة: "رغم المجهود البدنى إلا أننى فضلتها لأنها بالنسبة لى تخلصنى من تحكم صاحب العمل وضغوط الوقت، فضلا عن إمكانية العمل يومين فقط فى الأسبوع مما يتيح لى وقتا لرعاية والدى ووالدتى كبار السن". عمل مستقل أما رباب.. فتاة حاصلة على بكالوريوس تجارة فى أوائل الثلاثينات من عمرها، قررت أن تستغل مهارتها فى صناعة الأساور لتبيعها داخل المترو، بعد أن لاحظت اهتمام البنات بالحلى والإكسسوار، اقتربت منها على استحياء، وسألتها عن سبب عملها كبائعة رغم هذا المؤهل الذى يتيح لها فرصة عمل أفضل، فقالت: "عملت بمؤهلى قبل الزواج فى إحدى الشركات ولكنى تركته بعد الزواج، وعندما احتجت للعمل لم أضيع وقتى فى البحث عن فرصة عمل بل اعتمدت على الاستفادة من مهاراتى فى صناعة الأساور، خاصة بعدما لاحظت إقبال الفتيات على شرائها، فقمت بعمل مجموعة ونزلت لبيعها ولكنى حتى الآن ما زلت أشعر بالحرج حتى أننى أفكر كثيرا فى التوقف بعد نفاد كمية الأساور التى معى". بينما تصف حنان -بكالوريوس تجارة، وفى الثلاثينات من عمرها أيضا- العمل كمندوبة بأنه مدمر للنفسية، لكنه وسيلة سريعة للحصول على فرصة عمل؛ قائلة: "لقد كنت ألجأ إليه بعد تركى للوظيفة، فعملت فى المرة الأولى مندوبة لبيع الأدوات المكتبية، والثانية لبيع البرفانات التى كانت مربحة بالفعل لكنها مرهقة على المستوى النفسى والبدنى". البيع فى النوادى أما أسماء.. حاصلة على دبلوم صناعى، ففضلت العمل كمندوبة لبيع أدوات تجميل لإحدى الشركات المعروفة عن العمل كمدرسة للمجال الصناعى، التى ظلت تعمل بها فترة طويلة وبعد أن كادت تحصل على فرصة للتعاقد، لكنها اختارت البيع لحبها لهذا المجال قائلة: إن العمل كمندوبة يتيح لى تحديد الوقت الذى أعمل فيه ليكون لدى فرصة لمتابعة منزلى، خاصة أنه يحقق لى هامش ربح جيدا، ولا أجد حرجا فى البيع إطلاقا؛ لأن اختيارى للمنتج الذى أقوم ببيعه هو الذى يحدد وضعى (برستيجى)، فضلا عن اختيارى طريقة للعرض من خلال الكتالوج والمعارض فى النوادى والمنتديات النسائية بدلا من البيع فى المناطق العامة والمترو. ظاهرة إيجابية من جانبه يصف الدكتور على ليلة -أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس- مهنة مندوب المبيعات بأنها دليل على تطور المجتمع إلى الأسوأ، حيث لم يعد يفرق بين عمل أصحاب المؤهلات والشهادات وغيره من الذين لم يحصلوا على مؤهلات، فجعلت خريج الجامعة يقوم بالمهام نفسها التى يقوم من لم يحصل على مؤهل، فلا قيمة لما تعلمه بسبب معاناة المجتمع من مشكلة البطالة، حيث لم تجد الفتيات عملا يلاءم مؤهلاتهن فاضطررن للعمل كمندوبة حتى يستطعن الحصول على المقومات الأساسية للمعيشة. وأضاف ليلة أن هذه الظاهرة إيجابية فيما يخص سلوك خريجات الجامعة، حيث لم يكن لديهن بديل سوى الجوع أو البطالة، ولكنها ظاهرة سلبية فيما يتعلق بدور المسئولين، حيث تأتى بمردود سلبى على الشباب تفقده الولاء والانتماء. ضغوط اقتصادية وعن الأسباب وراء عمل الفتيات كمندوبة مبيعات يعتبر محمد السقا -خبير التنمية البشرية- أن الضغوط الاقتصادية هى التى تدفع الفتاة الجامعية إلى العمل كمندوبة للمبيعات، مؤكدا دور العامل النفسى للفتاة ورغبتها فى الخروج من دائرة البطالة وبحثها عن الأمان والاستقلالية الاقتصادية مما يجعل هدفها الأول هو العمل فلم تجد أمامها سوى العمل كمندوبة للمبيعات، حيث يتميز هذا العمل بعائد مادى مربح بالمقارنة بغيره من الأعمال الأخرى. وعن تأثير العمل كمندوبة للمبيعات على الفتاة الجامعية، يقول السقا: إنه فى كل الأحوال يكون هناك تأثير، سواء سلبى أو إيجابى، يختلف مداه وفقا لظروف كل فتاة، فعلى الرغم من أن عمل الفتاة كمندوبة مبيعات ينمى القدرات الشخصية لها، حيث يزيد من قدرتها على الإقناع، ومواجهة الصعوبات، وتحمل ضغوط العمل والمسئولية، ومواجهة المواقف الحرجة، إلا أنه يزيد من شعورها بالظلم والأذى النفسى، لا سيما عندما تضطر له للحاجة المادية أو عند شعورها بالإرهاق الشديد نتيجة الأحمال. ويرى خبير التنمية البشرية أن عمل الفتاة كمندوبة مبيعات من الظواهر السلبية داخل المجتمع، حيث تتجرع الفتاة بعض المرارة من خلال تعرضها للتعامل مع جميع الشرائح وربما يتطفل عليها متطفل؛ مشيرا إلى أن الإسلام أقر العمل لكن على الفتاة أن تختار العمل المناسب لها، وألا تبحث عن العمل المربح فقط بل يمكن أن تستبدله بعمل أقل دخلا ولكنه أكثر حفاظا عليها، مستعينة بقصة سيدنا موسى عندما رأى فتاتين تسعيان للحصول على المياه من البئر فساعدهما خاصة فى ظل غياب والدهما، و"لكن استعظم الأمر، وهذا ما كان واضحا حينما سألهما عن السبب حيث استخدم أسلوب "ما خطبكما"، وعلى ذلك دعا الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى إلى مراعاة الفتاة والمرأة، وتوفير فرصة عمل تحافظ عليها، مشيرا إلى الاستفادة من التجارب المتميزة فى هذا الشأن فى الدول الأخرى.